أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - رحلة فب عوالم الأدب الافريقي .من الأدب المكتوب بالإنجليزية إلى اللغات الأفريقية















المزيد.....

رحلة فب عوالم الأدب الافريقي .من الأدب المكتوب بالإنجليزية إلى اللغات الأفريقية


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 02:01
المحور: قضايا ثقافية
    


نجوجي واثيونغو، الكاتب الكيني الشهير، يُعد أحد أبرز الأصوات الأدبية الأفريقية التي شهدت تحولات جذرية في مسارها الإبداعي. بدأ واثيونغو مسيرته بالكتابة باللغة الإنجليزية، التي كانت في فترة ما بعد الاستعمار تمثل الوسيلة الرئيسية للوصول إلى جمهور واسع ولتحقيق الشهرة العالمية. لكن مع مرور الوقت، قرر واثيونغو الانتقال إلى الكتابة بلغته الأم، الكيكويو، لتصبح هذه الخطوة موقفًا ثقافيًا وفكريًا يعكس رفضه للهيمنة الثقافية الغربية وسعيه لتعزيز الهوية الأفريقية الأصيلة.
الأدب الأفريقي والاستعمار اللغوي
في الفترة الاستعمارية وما بعدها، كانت اللغات الأوروبية، وخاصة الإنجليزية والفرنسية، تُستخدم كوسيلة أساسية للتعبير الأدبي في أفريقيا. كانت هذه اللغات تعتبر رموزًا للحداثة والتعليم، في حين كانت اللغات المحلية تُهمش وتُعتبر غير ملائمة للإنتاج الأدبي الرفيع. يرى نجوجي واثيونغو في كتابه "تصفية الاستعمار العقلي" أن استخدام اللغات الأوروبية يعمل كأداة لتعزيز الهيمنة الثقافية على الشعوب الأفريقية، حيث تسهم في طمس الهوية الثقافية وتحويلها إلى ثقافة هامشية.
في منتصف السبعينيات، قرر نجوجي التحول إلى الكتابة باللغة الكيكويو، معتبرًا أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي حاملة للهوية والثقافة والتجربة الإنسانية للشعوب. هذا القرار لم يكن فقط إعادة اعتبار للغة الكيكويو، بل كان تعبيرًا عن رفضه للغة المستعمر وسعيه لتحرير الأدب الأفريقي من قيود الثقافات المفروضة. أكد واثيونغو على أن الكتابة بلغات المستعمر تعيق الوصول إلى الروح الحقيقية للثقافة الأفريقية، حيث تكون الكلمات محملة بأفكار وقيم غريبة عن الثقافة الأصلية.
إن استخدام اللغات الأم في الأدب يُعد وسيلة فعّالة لتعزيز الأصالة الثقافية واستعادة التراث الشفهي الغني في المجتمعات الأفريقية. اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل هي وعاء يحمل القيم والتقاليد والمعتقدات التي تشكل الهوية الثقافية. باستخدام اللغة الكيكويو، تمكن واثيونغو من كتابة نصوص أكثر ارتباطًا بجذور الثقافة المحلية، معبرًا عن الحياة اليومية والشخصية الأفريقية بشكل أصيل يتجاوز التصورات الغربية.
أظهرت الدراسات أن الكتابة باللغات المحلية تُسهم في تمكين الأجيال الشابة من اكتشاف تراثهم الثقافي والتفاعل مع مجتمعهم بشكل أفضل. كما أشار الباحث موزيس نجوجي (Moses Ngugi) إلى أن استخدام اللغة الأم يزيد من عمق التفاعل مع النصوص الأدبية، مما يعزز فهم القيم الاجتماعية والثقافية. ويدعم هذا الاتجاه أيضًا فكرة الحفاظ على التراث اللغوي الشفهي، حيث يمكن تحويل القصص والأساطير التقليدية إلى نصوص مكتوبة بلغات محلية، مما يسهم في حمايتها من الاندثار.
لطالما كان هناك جدل بين المثقفين الأفارقة حول استخدام اللغات الأوروبية في الأدب الأفريقي. من جهة، يرى البعض أن الكتابة بالإنجليزية أو الفرنسية تُسهم في إيصال الأدب الأفريقي إلى جمهور عالمي أوسع، مما يمكن الكتّاب من المشاركة في الحوارات الثقافية العالمية ونشر أفكارهم وقضاياهم. هذا الرأي يستند إلى أمثلة مثل تشينوا أتشيبي، الذي كتب روايته الشهيرة "الأشياء تتداعى" باللغة الإنجليزية، مما جعلها واحدة من أكثر الأعمال الأدبية شهرة على مستوى العالم.
إلا أن هناك جانبًا آخر من النقاش يرى أن الكتابة بلغة المستعمر تُسهم في استمرار الهيمنة الثقافية الأوروبية على الأدب الأفريقي، حيث يُعتبر استخدام هذه اللغات نوعًا من التبعية الثقافية. بالنسبة لنجوجي، فإن استخدام لغة المستعمر يساهم في تعزيز فكرة أن الثقافة المحلية أقل قيمة، ويحول دون تمكين الأدب الأفريقي من أن يكون تعبيرًا حقيقيًا عن الواقع الأفريقي.
يشير النقاد إلى أن اللغات الأوروبية في أفريقيا غالبًا ما تُستخدم للتواصل الرسمي والتعبير الأدبي، بينما تظل اللغات المحلية تُستخدم في الحياة اليومية، مما يؤدي إلى فجوة ثقافية بين النخبة المثقفة وجمهور القراء العاديين. من هنا تبرز أهمية الكتابة باللغة الأم، حيث تتيح فرصة للأدب أن يعبر بشكل مباشر عن تجارب القراء وأن يكون جزءًا من نسيجهم الثقافي.
قرار نجوجي بالتحول إلى الكتابة بلغته الأم أثار ردود فعل متباينة بين المثقفين الأفارقة. فقد وجد الدعم من قبل مثقفين يرون في خطوته إعادة إحياء للغات المحلية وتعزيزًا للهوية الثقافية. كما أن هذا القرار يُعتبر مقاومة للهيمنة الثقافية ومحاولة لإعادة الاعتبار للأدب الأفريقي كأدب مستقل. تبرز دراسة "القومية واللغة في الأدب الأفريقي" التي تؤكد أن الكتابة باللغات الأفريقية تدعم الاستقلال الثقافي وتساعد في إيصال صوت الشعوب الأفريقية (Adesanmi & Dunton, 2005).
على الجانب الآخر، اعتبر بعض النقاد أن الكتابة باللغات الأفريقية تُعد تحديًا كبيرًا بسبب قلة قاعدة القراء الذين يتقنون هذه اللغات، مما قد يحد من انتشار الأعمال الأدبية ويعيق وصولها إلى الأسواق العالمية. وردت هذه الاعتراضات في سياق يتناول دراسة تأثير الأمية وتحديات النشر على انتشار الأدب المكتوب باللغات المحلية، وفقًا لتقرير اليونسكو (2007)، الذي أشار إلى أن نسبة الأمية المرتفعة تُعد من أبرز العوائق التي تواجه انتشار الأدب المكتوب باللغات الأفريقية.
رغم ذلك، شهدت هذه الفكرة انتشارًا بين الفئات المثقفة في أفريقيا، حيث أصبحت الكتابة باللغات المحلية وسيلة للتأكيد على الأصالة الثقافية ولتعزيز الهوية الوطنية. كما أن هناك دعمًا متزايدًا لترجمة الأعمال الأدبية المكتوبة باللغات الأفريقية إلى لغات أخرى لتوسيع دائرة قراءتها، بحيث يتم الحفاظ على الهوية الثقافية مع الوصول إلى جمهور أوسع.
تُعتبر تجربة نجوجي واثيونغو في الانتقال من الكتابة بالإنجليزية إلى الكتابة بالكيكويو نموذجًا رائدًا في السعي لتحرير الأدب من قيود الاستعمار الثقافي وتعزيز الأصالة الثقافية الأفريقية. تظل هذه المسألة محل نقاش واسع بين المثقفين، حيث إن كل خيار له تأثيراته وتحدياته، لكن في نهاية المطاف، يعكس اختيار نجوجي نهجًا فريدًا يجمع بين المقاومة الثقافية وتعزيز الهوية.
المراجع:
1. Ngugi wa Thiong o. (2009). Something Torn and New: An African Renaissance. Basic Civitas Books.
2. Adesanmi, P., & Dunton, C. (2005). Nationalism, Language, and the African Writer. CODESRIA.
3. Mazrui, A. A. (1998). The Power of Babel: Language and Governance in the African Experience. University of Chicago Press.
4. UNESCO. (2007). Literacy Initiative for Empowerment (LIFE) 2006-2015: Vision and Strategy Paper. Paris: UNESCO.
5. Ngugi wa Thiong o. (1986). Decolonizing the Mind: The Politics of Language in African Literature. James Currey Ltd.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب الم ...
- -غرفة رقم صفر-
- التفاعل مع التفاصيل بين الواقعية والرمزية الجمالية
- رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب الم ...
- أدب المرأة الأفريقية: من الهامش إلى المركز وتأثيره في الأدب ...
- الظلّ الأخير
- -حين يتنفس الغياب-
- -الأدب الأفريقي: من إرث الهوية إلى آفاق العالمية-
- -رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب ال ...
- رحلة النشيد والارتعاش
- -قبور تمشي بيننا-
- -أشرعة الروح في ليل المنفى-
- درسٌ في الحساب: بين الأعداد واللّا-نهاية
- سنرو الأدعياء: هجاء قصير في زمن الأدب الزائف
- مفهوم السعادة والشقاء
- مِنْ حِكَمِ الأَجْدَادِ إِلَى الفِكْرِ الفَلْسَفِيِّ الحَدِي ...
- الملل المدرسي بين العوامل النفسية والبيداغوجية: قراءة في الأ ...
- حين يتجلى الجمال في مرآة الأخلاق: بين نيتشه والفكر المعاصر
- السلبيات والحلول الممكنة لمشكلة الملل والتسرب المدرسي
- -المرأة العصبية: بين الحقائق العلمية والافتراضات الاجتماعية-


المزيد.....




- ماذا قال بوتين عن نجل مسؤول بـCIA مات في أوكرانيا خلال القتا ...
- أول تعليق لأمريكا بعد اعتراض إسرائيل لـ-أسطول الصمود-
- إسرائيل تواجه إدانات دولية عقب اعتراضها -أسطول الصمود العالم ...
- بعد الاشتباه بارتباطه بـ-أسطول الظل- الروسي.. قبطان ناقلة ال ...
- ما خيارات إيران المتاحة للرد على العقوبات الأممية؟
- الاحتلال يقتل أبا وأبناءه الأربعة ويواصل استهداف المجوّعين ب ...
- فرنسا تعتقل 100 مناصر لغزة وألمانيا تحاكم أشخاصا بتهمة العما ...
- قيادي بحماس: ردنا على خطة ترامب لن يتأخر ولا نقبل التهديدات ...
- الحرب على غزة مباشر.. غارات عنيفة على القطاع وحماس تعد برد ق ...
- بعد العنف: -جيل زد- يشدد على السلمية وأخنوش يفتح باب الحوار ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - رحلة فب عوالم الأدب الافريقي .من الأدب المكتوب بالإنجليزية إلى اللغات الأفريقية