محمد بسام العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 02:09
المحور:
الادب والفن
في البدء، كان الصمتُ معبدًا،
وكانت هي كاهنةً صغيرةً تتوضّأ بالخجل قبل أن تصلّي أمام مرآة الغياب.
كلّ شيءٍ فيها كان يتردّد بين خوفٍ ورجفة،
كأنّ قلبها يمشي على أطراف أنامله خشيةَ أن يُحدث ضجيجًا في هيكل الوجود.
حاولت أن تتكلّم،
لكن الحروف كانت تتساقط من فمها كورقِ شجرٍ يابسٍ أمام ريح الحقيقة.
كلّ كلمةٍ تولد ناقصةً، خجلةً من أن تنظر إلى عينيه.
حتى الكلمة التي كانت تقف على فمها كطفلٍ ينتظر إذن الولادة — ‹أحبك› —
بقيت في رحم الصمت، ترتجف، وتعود إلى قلبها كقطرةٍ إلى بحرها الأول.
كان الليلُ طويلًا، يتدلّى من عينيها كسؤالٍ بلا جواب.
تستمع إلى نفسها كما يستمع العابدُ إلى نَفَسه في آخر السجدة.
وأحيانًا تظنّ أنها تشبه ‹بنيلوب› التي نسجت صبرها خيطًا خيطًا،
وأحيانًا ترى في روحها ‹شهرزاد› تروي للحزن حكاياتٍ كي تؤجّل موتها ليلةً أخرى.
لم تعد تعرف:
هل التعود على الغياب نوعٌ من الوفاء، أم خيانةٌ مؤجلة؟
هل الصبر فضيلة، أم موتٌ بطيء يتدثّر باسم النبل؟
كلّ ما تعرفه أنها ما عادت تخاف من الكلام،
بل من لحظةٍ تقول فيها كل شيءٍ وتنتهي.
فالمحبّ لا يقول ‹أحبك›،
لأنها إن قيلت صارت وعدًا،
والوعد قيد،
والحبّ حريةٌ تشتعل في قيودها.
ومنذ تلك الليلة، صار قلبها مئذنةً بلا مؤذن،
وصوتها صلاةً معلّقةً بين الأرض والسماء،
تُرددها الريح في غياب الحبيب،
كما يردّد الموجُ اسم البحر وهو لا يراه.
في آخر الصمت،
كلمةٌ لم تُولد بعد —
أنا أنتَ.
ما الحبُّ إلا صمتٌ يتجوهر في اللغة،
وحضورٌ يتقن فنّ الغياب.
كلّ من نطق بالكلمة فقدها،
وكلّ من سكت عنها امتلكها في قلبه أبدًا.
نحن لا نقول ‹أحبك› لأننا نحب،
بل لأننا نخاف أن لا نُسمَع.
أما العارفون، فيعلمون أنّ الكلمة الكبرى لا تُقال،
بل تُعاش كما يُعاش النورُ حين يخترق جرحًا في القلب.
#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟