أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - النية الصادقة بين الأديان والفلسفات: جوهر العلاقة مع الله














المزيد.....

النية الصادقة بين الأديان والفلسفات: جوهر العلاقة مع الله


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 02:08
المحور: قضايا ثقافية
    


التواصل مع الله أو القوة العظمى التي تؤمن بها البشرية هو موضوع يجمع بين مختلف الأديان والفلسفات على مر التاريخ. رغم تنوع الطقوس والممارسات الدينية، يبقى الصفاء الداخلي ونقاء القلب والنية الصادقة جوهرًا مشتركًا في هذه التجارب الروحية. هذا المقال يسلط الضوء على أهمية نقاء القلب والنية الصادقة في الإسلام والمسيحية والهندوسية والبوذية، إلى جانب الفلسفة الإغريقية والتصوف الإسلامي، مع دعم هذه المفاهيم بالشواهد الدينية والفلسفية.
في الإسلام، يلعب نقاء القلب والنية الصادقة دورًا حاسمًا في قبول الأعمال من قبل الله. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" (المائدة: 27). هذه الآية تؤكد أن الله يقبل الأعمال التي تصدر عن تقوى وخشوع. النبي محمد صلى الله عليه وسلم يشدد أيضًا على أهمية النية الصادقة بقوله: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (متفق عليه). هذه النصوص تؤكد أن القيمة الحقيقية للأعمال تأتي من القلب والنوايا الخالصة.
ويشير القرآن أيضًا إلى أهمية القلب السليم في قوله تعالى: "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء: 88-89). هذه الآية توضح أن ما يهم في النهاية ليس المظاهر الخارجية، بل صفاء القلب.
في المسيحية، يُعتبر الحب والخير جوهر العلاقة مع الله. يسوع المسيح يقول في الإنجيل: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (متى 5:8)، مما يوضح أن نقاء القلب هو ما يمكّن الإنسان من الاقتراب من الله. كما يشدد المسيح على أن حب الله والقريب هما أعظم الوصايا: "تُحبُّ الرَّبَّ إلهَكَ من كلِّ قلبِكَ ومن كلِّ نَفسِكَ ومن كلِّ فكركَ. هذه هيَ الوَصيَّةُ الأولى والعُظمى. والثانيةُ مثلها: تُحبُّ قَريبَكَ كنفسكَ" (متى 22: 37-39). هذه الوصايا تظهر بوضوح أن العلاقة بالله تعتمد على القلب وليس على المظاهر الخارجية.
الهندوسية تقدم مفهوم "الدارما" الذي يشير إلى القانون الأخلاقي والديني الذي يجب أن يتبعه الفرد ليعيش حياة تتسم بالنقاء والصدق. كما يعتبر مفهوم "الكارما" حاسمًا في الهندوسية، حيث أن نوايا الفرد وأعماله تحدد نتائج حياته الحالية والمستقبلية. يقول النص الهندوسي "البهاجافاد غيتا": "لا تعلق بثمر العمل، بل قم بواجبك بحب وإخلاص لله" (بهاجافاد غيتا 2:47)، مما يعزز فكرة النية الصافية في العمل.
البوذية، من خلال تعاليم بوذا، تسعى إلى تحقيق النيرفانا، وهي حالة من السلام الداخلي والتحرر من الرغبات الدنيوية. يؤكد بوذا على أهمية نقاء الذهن والنية الحسنة في جميع التصرفات، حيث يقول: "كل شيء ينبع من الذهن، فإن كانت نيتك نقية، سيصبح كل شيء نقيًا". وتعتبر الثمانية مسارات النبيلة التي وضعها بوذا، والتي تشمل السلوك الصحيح والنية الصحيحة، أساسية لتحقيق التنوير. هذا النهج يتقاطع مع الفكرة الإسلامية التي تربط بين النية والقلب النقي.
في الفلسفة الإغريقية، خاصة في تعاليم أرسطو، يُعتبر تحقيق الفضيلة هو الطريق إلى السعادة القصوى. يؤكد أرسطو أن الفضيلة تتطلب نية صادقة وأفعالًا صالحة تتماشى مع الأخلاق. في كتابه "الأخلاق النيقوماخية"، يشير أرسطو إلى أن الفضيلة ليست فقط سلوكًا صحيحًا، ولكنها أيضًا نية صادقة للقيام بالعمل الجيد. هذه الفكرة تشبه إلى حد كبير مفهوم نقاء القلب في الأديان، حيث السعادة الحقيقية تأتي من الحياة الفاضلة المبنية على النية الحسنة والعمل الجاد لتحقيق الخير العام.
في التصوف الإسلامي، يعتبر الحب الإلهي والتفاني في العبادة من أعلى درجات التواصل مع الله. يقول المتصوف جلال الدين الرومي: "إنك ولدت بأجنحة، فلماذا تفضل الزحف عبر الحياة؟"، مشيرًا إلى أن الطقوس والممارسات الخارجية ليست سوى بداية الرحلة الروحية، وأن الهدف الحقيقي هو الاتحاد مع الله من خلال حب لا مشروط ونقاء داخلي. كما يعبر الرومي عن هذه الفكرة بقوله: "لا تسكن في الخارج، ادخل إلى قلبك، فالقلب هو بيت الروح".
عبر مختلف الأديان والفلسفات، نجد أن نقاء القلب والنية الصادقة هما المفتاح الحقيقي للتواصل مع الله أو القوة العظمى. سواء كانت الطقوس والممارسات مختلفة، أو حتى المفاهيم العقائدية متنوعة، يبقى الجوهر هو نفسه: القلب الصافي والنوايا الطيبة هي التي تقودنا إلى تحقيق السلام الداخلي والقرب من الخالق.
فلنحرص دائمًا على تنقية قلوبنا وجعل نوايانا صادقة، لأن ذلك هو الطريق المشترك عبر التاريخ والثقافات نحو السمو الروحي والتقرب من الله. فالصفاء الداخلي ليس مجرد حالة فردية، بل هو تجربة إنسانية مشتركة تربط بين الناس في سعيهم نحو الحقيقة الإلهية.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من خيوط الوهم إلى نسيج الفهم
- العزلة والحرية والوعي بالآخر في الفلسفة الوجودية
- حدود اللغة في فضاء العدم
- -الطابق الممنوع-
- -الساعة التي تبتلع الوقت-
- رحلة فب عوالم الأدب الافريقي .من الأدب المكتوب بالإنجليزية إ ...
- رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب الم ...
- -غرفة رقم صفر-
- التفاعل مع التفاصيل بين الواقعية والرمزية الجمالية
- رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب الم ...
- أدب المرأة الأفريقية: من الهامش إلى المركز وتأثيره في الأدب ...
- الظلّ الأخير
- -حين يتنفس الغياب-
- -الأدب الأفريقي: من إرث الهوية إلى آفاق العالمية-
- -رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب ال ...
- رحلة النشيد والارتعاش
- -قبور تمشي بيننا-
- -أشرعة الروح في ليل المنفى-
- درسٌ في الحساب: بين الأعداد واللّا-نهاية
- سنرو الأدعياء: هجاء قصير في زمن الأدب الزائف


المزيد.....




- وفد حماس يصل القاهرة لبحث التهدئة، وترامب يتحدث عن محادثات - ...
- الحرب على غزة مباشر.. شهداء في غارات إسرائيلية على القطاع وم ...
- كيف قامت حماس بهذه المناورة المذهلة؟
- الانتخابات الأولى بعد الأسد وفي حكم الشرع.. سوريا تجري تصويت ...
- وقف النار في غزة.. نتنياهو بين ضغط ترامب وحلفائه في الحكومة ...
- -ما وراء الخبر- يتناول أول انتخابات بسوريا بعد سقوط الأسد
- صحف عالمية: خطة السلام قد لا تنجح وإسرائيل الخاسر الأكبر إذا ...
- 19 شهيدا في غزة بنيران الاحتلال منذ فجر اليوم
- فتح تعيد القدوة إلى صفوفها بعد 4 أعوام على فصله
- ترامب يوبخ نتنياهو بألفاظ نابية لتشاؤمه إزاء رد حماس


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - النية الصادقة بين الأديان والفلسفات: جوهر العلاقة مع الله