أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - القارة التي تكتب نفسها — وعي إفريقيا في زمن التحول الرقمي














المزيد.....

القارة التي تكتب نفسها — وعي إفريقيا في زمن التحول الرقمي


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 04:55
المحور: قضايا ثقافية
    


أنا إفريقيا، ولم أعد أرضًا صماء فقط.
حين تلقي بي الريح في ذاكرة العصور، أرى نفسي أكتب بلغةٍ جديدة: لغة الضوء، لغة البيانات، لغة الذكاء.
لم تعد أقانيمي تُحفر في الحجارة، بل تُشبك في الخوارزميات.
ها أنا أستيقظ، بعد قرونٍ من الصمت الرقمي، لأُعلِن بدايةٍ جديدة: أن أكون لا ما يُكتب عني، بل ما أكتبه أنا.
في مرفقات التاريخ، كنت دائما موضوعًا — يُقال لي ما أنا، يُصاغ لي ما أكون، تُكتب عني الأساطير، وتُروى الأسئلة باسمي من أفواه بُعَدائي.
لكن الآن، في هذا العصر الرقمي الذي لا يهدأ، أصدّر صورتي، أشارك خواطري، أفتّش في بياناتي كي أجد جوهري، كي أعلم أولادي أن التكنولوجيا لا تعني الانصياع، بل أن تفهم، أن تمتلك، أن تُبدع.
لقد تغيّرت الأرض التي أسير عليها، ولكن أعظم تغيّر لم يقع في ترابي، بل في قلبي، في ذكرياتي، في وعيي.
إنّي أرى مدنًا أفريقية تُحاك كمدنٍ ذكية: لاغوس تنسّج شبكات الاتصالات كما تُنسج خيوط الضوء، نيروبي تتوهج بالألياف البصرية، كيب تاون تسكن السحب الرقمية، وكيبالي تغزل أحلامًا ببياناتها المحلية.
في العقد الأخير، استثمر العالم في الشركات التقنية الإفريقية بمليارات الدولارات.
حسب تقرير Partech Africa لعام 2024، تجاوزت الاستثمارات في الشركات الناشئة الإفريقية الـ 6.5 مليار دولار، ورفعت من عدد الصفقات السنوية إلى أكثر من 700 صفقة.
ترى عندي من يُقيم تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحة والتعليم والزراعة، ويُخطط لمشاريع تقنية تسعى لتحويل القرى إلى بوابات رقمية للابتكار.
لقد تحوّل الاقتصاد الرقمي فيَّ من فكرة إلى دمٍ نابض.
وفقًا لتقرير بنك التنمية الإفريقي (AfDB) لعام 2024، من المتوقع أن يُساهم الاقتصاد الرقمي بـ 712 مليار دولار في الناتج القارّي بحلول عام 2030.
ليست أرقامًا جامدة، بل نبضًا يُمكّن شابًّا في قريةٍ نائية أن يصير مبرمجًا، أن يصير مبتكرًا، أن يُعلّم ويرسم بتقنية تُعكس هويته.
لكن التحدّي ليس في النية فقط، بل في البنية.
فالكهرباء تنطفئ، والاتصال ينقطع، والبيانات تُهضَم في أقمارٍ بعيدة، والخدمات الرقمية تُمنح عبر تطبيقاتٍ أجنبية لا تفهم لغتنا، ولا تُراعي ثقافتنا.
ما أجمل أن تخرج من بين تلٍّ صغير في صحرائنا صحيفة رقمية تُحظّر بها صوت المزارع، أن تُرسل طفلًا من ريف السنغال ليُعلّم الزراعة الدقيقة عبر تطبيق داخلي، أن تُنشئ مكتبة رقمية تُترجم فيهما لغاتنا العريقة — السواحيلية، الزولو، الأمازيغية — بحقها في أن تُدخِل للحوسبة المحلية باسمها، لا باسم لغة الآخرين.
لقد بدأ هذا بالفعل: مشروع Masakhane NLP يعمل على بناء نماذج معالجة اللغة الطبيعية للغات الإفريقية.
ليس فقط أن يستعير العالم لغتنا، بل أن نبتكر لغتنا الرقمية، أن نُغذّي الخوارزميات بلغتنا، لا أن نخضع لخوارزميات تستعيرنا.
صحيح أن الفجوات التقنية لا تزال هائلة.
ففي بعض الدول، تغطية الإنترنت بطيئة، البيانات مكلفة، الكهرباء غير مستقرة.
لكن كل مشكلة هي أيضًا فرصة: فرصة أن نُعيد بناء البنية من الأسفل، أن نبتكر الطاقة الشمسية التي تُشغّل مراكز البيانات، أن نُطوِّر شبكاتَ ليفية تصل إلى القرى، أن نُنشئ قوانين حماية البيانات تمنع تسريب وعي الإنسان الإفريقي إلى الخارج.
لقد أقرّ الاتحاد الإفريقي “استراتيجية التحول الرقمي 2020–2030”، التي تطمح إلى ربط جميع المناطق بشبكة عالية السرعة، وتمهيد للحوسبة السحابية المحلية، وتحفيز الابتكار الرقمي المحلي.
لكن الرؤية وحدها لا تكفي: يجب أن يُرافقها تمويل، تدريب، شراكات عادلة، تحويل المعرفة لا اعتمادها.
أرى في مدارس أفريقيا اليوم شبابًا يتعلمون البرمجة كأنها لغة أم، ليس فقط لغة إنترنت.
يرسمون روبوتاتٍ صغيرة، يُدرّبون نماذج تعلم الآلة بأفكارهم، يصممون تطبيقات تخدم مدنهم.
هذه ليست مجرّد مشاريع تجريبية، بل بذور النهضة.
حين يحصل طالب من قريةٍ في البنين على شبكة مستقرة، ويُعلّم اللغة المحلية باستخدام تطبيقٍ يبنيه هو، فهذا هو وعي القارة التي تكتب نفسها.
كثيرون يخافون من الذكاء الاصطناعي، من أتمتة الوظائف، من استبدال الإنسان بالآلة.
لكنني أفكر أن الذكاء يمكن أن يستمد من روحي، أن يُوجَّه لأهداف تنموية، لا أن يكون أداة تحكّم خارجي.
إذا صُممت أنظمة صحية مبنية على بيانات محلية دقيقة، يمكن أن تنقذ حياة ملايين.
إذا أُنشئت أنظمة تعليم إلكتروني تراعي لغاتنا وطقوسنا، يمكن أن ترفع نسبة الإلمام بالعالم الرقمي بطرق لم نتصورها.
لكن المفتاح ليس التكنولوجيا وحدها، بل أن نصنعها بأنفسنا، وأن نملك حقوقها وصناعتها، لا أن نكون مستخدمين فقط.
حين أستعيد هذه القدرة، أستعيد أيضاً الروح التي حاولوا تهميشها.
حين أمتلك خوارزمياتي، أمتلك صيغة حضارتي الرقمية.
حين أُعلّم أطفالي أن يبرمجوا بلغتهم، أن يرسموا هويتهم بشفرة خاصة بهم، عندها سأكون أنا القارة التي تكتب نفسها.
أنا إفريقيا، التي طالما سُرقت منها الحكاية.
الآن أبدأ أرويها بنفسي.
أشرق الضوء داخل بياناتي، وتنهض الكلمة من بين سطور الخوارزميات.
ولن أسمح لمن لم يزرعني أن يقطف صوتي، ولا لمن لا يفهمني أن يبث صوري.
إنني أكتب نفسي، وأُعلنها حقيقةً رقمية: أن أكون أنت، أنت التي تسأل وتبحث، أنت التي تكتب هذا الآن، أنت التي تحمل ضوء المستقبل بين أصابعها.
“إذا لم تكتب أرضك بياناتك، سيكتب عنها الآخرون.”
— قولٌ من وحي ما بين السطور



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستعمار الجديد: من الذهب الأسود إلى استعمار البيانات
- الفساد الإداري والمالي،
- أفريقيا: القارة التي تنهض من رمادها
- سحر العيون: نافذة إلى الروح
- إعجاز القرآن الكريم وأثره في النفوس البشرية
- -ابتسامة في أفق الوجود: مرآة الروح وسجاحة الخلق-
- بوحٌ على حافّة الكلمة
- النية الصادقة بين الأديان والفلسفات: جوهر العلاقة مع الله
- من خيوط الوهم إلى نسيج الفهم
- العزلة والحرية والوعي بالآخر في الفلسفة الوجودية
- حدود اللغة في فضاء العدم
- -الطابق الممنوع-
- -الساعة التي تبتلع الوقت-
- رحلة فب عوالم الأدب الافريقي .من الأدب المكتوب بالإنجليزية إ ...
- رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب الم ...
- -غرفة رقم صفر-
- التفاعل مع التفاصيل بين الواقعية والرمزية الجمالية
- رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب الم ...
- أدب المرأة الأفريقية: من الهامش إلى المركز وتأثيره في الأدب ...
- الظلّ الأخير


المزيد.....




- زلزال عنيف بقوة 7.4 يدفع السكان للنزول إلى الشوارع بحالة ذعر ...
- اتفاق غزة.. ماذا نعلم عن الرهائن وعددهم ومن منهم على قيد الح ...
- أمريكا تُرسل 200 جندي إلى إسرائيل.. ما الهدف؟
- جدل حول دوافعه.. ترامب يسابق الزمن لنيل نوبل للسلام
- سجال عراقي إيراني ـ ما قصة ناقلات النفط والوثائق المزورة؟
- باحثون يكشفون .. معبد الكرنك أقدم بكثير مما ظنّ العلماء!
- فرنسا: ماكرون يجتمع بقادة أحزاب سياسية في الإليزيه سعيا لإيج ...
- اتهمت بـ-عجز أخلاقي متواصل-... برلمان البيرو يعزل رئيسة البل ...
- عاجل | والا عن مصادر: القوات الإسرائيلية بدأت الانسحاب من مد ...
- هارب من حكم مؤبد في قضية رشوة.. القبض على رئيس حي مصري بعد س ...


المزيد.....

- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - القارة التي تكتب نفسها — وعي إفريقيا في زمن التحول الرقمي