أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد بسام العمري - -تأملات فلسفية في تجربة العشق والإنسانية-














المزيد.....

-تأملات فلسفية في تجربة العشق والإنسانية-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 10:06
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


في أعماق الصراع الأزلي بين الفكر والقلب، بين العقلانية والعاطفة، تتبدى معركة تتجاوز حدود الإدراك المعتاد، ميدانٌ تلتقي فيه عناصر متناقضة: الواقع والخيال، الضمير والعاطفة، العقل والحس الأخلاقي. إننا أمام مشهد يُمثّل الصراع الداخلي المستمر للنفس البشرية، الذي يسعى إلى تحقيق توازنٍ بين قوى لا يُمكن ضبطها بسهولة، إذ لا يحدّها منطق ولا يُحكمها شعور.
القلب، بما يحمله من عاطفة متدفقة، يرى في الحب نورًا ينير ظلمات الوجود ويمد الحياة بمعناها الأعمق. الحب، بالنسبة للقلب، ليس مجرد إحساس عابر بل جوهر للوجود ذاته، يتخطى حدود الجسد ليغدو رابطًا بين الأرواح، قوة تتحدى العقل ولا تستجيب لتحليل الضمير. في العشق، يجد القلب ملاذه من قسوة الواقع، وتعود القلوب الميتة إلى الحياة بنبضة حب جديدة تعيد إحياء كل ما تهاوى. إنه عالم العواطف الجياشة، حيث تصبح الخيانة والجراح جزءًا من التجربة الإنسانية العميقة التي لا يُدركها العقل بسهولة.
لكن على الجانب الآخر، يقف العقل كحارس متأمل، يُحلل ويطرح أسئلة تتحدى تلك العواطف. كيف لعاطفة مجردة أن تهيمن على الإنسان؟ كيف لشيء غير مرئي أن يقودنا في مسار غامض؟ العقل يرى في العشق تمردًا على المنطق، ويجادل بأن الحب لا يجب أن يكون قدرًا حتميًا، بل اختيارًا حرًا ينبغي أن يخضع للتفكير والتحليل. بالنسبة للعقل، الحب تجربة قابلة للفهم العلمي والموضوعي، ولا يجب أن تترك للعاطفة وحدها لتفسيرها.
ثم يأتي دور الضمير، الذي يُعد الجسر بين العقل والقلب، بين العقلانية والعاطفة. يُحكم الضمير في الحب بقيمه الأخلاقية، يتساءل عن الإنصاف في المشاعر وعن مدى التزامنا بالقيم الأخلاقية. هل يمكن للحب أن يكون صالحًا إذا تسبب في معاناة الآخرين؟ وهل يمكن للعشق أن يُعفى من الحساب الأخلاقي إذا كان يرتبط بالخيانة؟
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الواقع كعنصرٍ محوري في الصراع. الواقع يذكّرنا بأن الحياة ليست مجرد أحلام، وأننا بحاجة إلى توازن بين الفكر والعاطفة، بين المثالية والواقعية. هنا يبرز الصراع الحقيقي: القلب يريد الانطلاق في فضاء العشق بلا قيود، بينما العقل يسعى لتقييد العواطف بحدود المنطق، في حين يحاول الضمير إضفاء بُعدٍ أخلاقي على تلك التجربة.
الصراع العاطفي والفلسفي والروحي والعقلاني هو تجربة إنسانية شاملة. نعيش ممزقين بين رغبات القلب وإملاءات العقل، بين ضوابط الضمير وحقائق الواقع. ربما يكمن التحدي الأكبر في إيجاد التناغم بين هذه القوى المتناقضة، أن نعيش تجربة الحب بكل عمقها وجمالها دون أن نفقد توازننا الأخلاقي أو نغفل عن حدود الواقع.
الحب، في جوهره، اختبارٌ لإنسانيتنا. إنه امتحان يختبر قدرتنا على التعايش بين عوالم متعددة في آنٍ واحد: عالم العاطفة، عالم العقل، عالم الضمير، وعالم الواقع. إنه الحكاية الأبدية، الصراع الذي لا يُحسم، والتجربة التي تبقى دائمًا مفتوحة على احتمالات متعددة.
في هذا المشهد، يقف العقل حاملاً راية العقلانية، يرى في الحب معضلةً مليئة بالتناقضات. يسأل كيف لقلب أن يُبعث بعد موته؟ وكيف لشخصية مثل السندباد، الذي يمثل العقلانية، أن تغرق في بحر الحب بلا هدف سوى العشق نفسه؟ العقل يطرح الأسئلة التي تتحدى المفاهيم التقليدية للحب: هل يمكن للعشق أن يكون أعمق من المسافات وأقوى من الفراق؟
العقل هنا يواجه مفهوماً أكبر من قدرته على التحليل. فهو يعتقد أن كل شيء، حتى الحب، قابل للتفسير. لكن هنا يتدخل القلب، يُصر على أن الحب ليس تجربة عقلية بل إرادة إلهية. وهكذا تتسع الفجوة بين العقل الذي يسعى للفهم والقلب الذي يرى الحب قدرًا محتومًا.
في النهاية، تتصاعد الأسئلة: ماذا يحدث إذا أراد الإنسان الحب ولم يجد من يحبه؟ العقل يرى في ذلك مأساة وتشتت، بينما يتضرع القلب بالإيمان العميق أن إرادة السماء ستجمع القلوب في النهاية. وهكذا، يستمر الصراع بين العقل والعاطفة، بين المنطق والإيمان، وبين الحرية والقدر.
هذه الرحلة الفلسفية لا تنتهي، بل تستمر في شكل صراع دائم بين الفكر والعاطفة. إنها جزء من طبيعة الإنسان، حيث العقل يبحث عن تفسيرٍ لكل شيء، بينما القلب يغوص في أعماق العاطفة، متشبثًا بإيمانه بأن الحب هو عالم يتجاوز حدود المنطق والإدراك.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة: الكينونة التي تلد المعنى — قراءة فلسفية وجمالية عبر ...
- -حين تبدأ العقارب من جديد: ولادة تحت الأنقاض-.
- -أجزاء من الدجاج تهدد صحتك-
- إسهامات رواد القصة القصيرة
- مقامة الكتابة بين السراج والسراب
- حين تزهر الروح في ضوء الفجر
- نشأة القصة القصيرة وتطورها التاريخي
- كيف ينظر الحمير إلى انحدار الأخلاق البشرية؟-
- الثوم بين الفائدة والضرر: مراجعة علمية لأبرز أضراره وتأثيرات ...
- تفكك القيم الأخلاقية في العصر الحديث: مقاربة تحليلية بين الد ...
- الحلم العربي
- -وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ-
- أغاني الفراق- و -خيوط الأحلام المنثورة-
- حين يفكر القلب ويتكلم الجمال
- الوعي الإيكولوجي الإفريقي الجديد — حين تتحدث الأرض بذكاء الإ ...
- قهوة فيروزية وحكاية لم تنتهِ
- النهضة الخضراء في إفريقيا — بين صرخة الأرض وذكاء المناخ
- قائمة الموتى
- نهضة الجسد والعقل والذاكرة
- ما بعد الصرخة


المزيد.....




- عدد قياسي من المصابيح يُضاء احتفالًا بمهرجان ديوالي في الهند ...
- قرقاش يوضح معنى الضربة الإسرائيلية في قطر بالنسبة للإمارات و ...
- معبر رفح بعد الحرب.. فلسطينيون عالقون بين حلم العبور والتمسك ...
- واشنطن تضغط على إسرائيل وحماس لتفادي انهيار اتفاق غزة.. و-مه ...
- من بينها -داعش- وحماس ـ أموال ألمانية لدعم منظمات إرهابية!
- كل ساعة تأخير عن موعد نومك تزيد من نسبة الدهون في جسمك
- الإخبارية السورية: إنزال لقوات التحالف في دير الزور
- رئيس البيرو يعلن حالة الطوارئ للتصدي لأعمال العنف
- ترسانة المسيّرات الروسية.. من الإرث السوفياتي إلى المنظومة ا ...
- قتيلان بهجوم صاروخي على كييف وأوكرانيا تضرب مصنع كيميائيات ب ...


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد بسام العمري - -تأملات فلسفية في تجربة العشق والإنسانية-