أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - نشأة القصة القصيرة وتطورها التاريخي














المزيد.....

نشأة القصة القصيرة وتطورها التاريخي


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 10:11
المحور: الادب والفن
    


القصة القصيرة هي نافذة تطل منها الأرواح على عوالم مختلفة، تختزل بين سطورها لحظات مكثفة وتجارب إنسانية عميقة. هي ومضة في عتمة السرد الطويل، تُنير مساحة من التأمل، وتترك أثرًا لا يُمحى في وجدان القارئ. رغم أن ظهورها بشكلها الحديث قد ارتبط بالقرن التاسع عشر، إلا أن جذورها تمتد عميقًا في التاريخ البشري، حيث ظهرت في أشكال متنوعة كالحكايات الشعبية، الأساطير، والنصوص الدينية، تلك التي كانت بمثابة الرحم الذي ولدت منه الحكايات الأولى، وتناقلتها الألسن جيلاً بعد جيل.
الجذور التاريخية في الأدب الشعبي والديني والأساطير:
في أعماق الذاكرة الإنسانية، كانت الحكايات تتناقل شفويًا في المجتمعات البدائية، تُروى حول النيران المشتعلة في ليالي الشتاء الطويلة، أو تُسرد في الأسواق والاحتفالات كمواسم للحكاية والعِبرة. ارتبطت هذه الحكايات بالأساطير مثل ملحمة جلجامش في الأدب السومري، تلك الملحمة التي تحكي صراع الإنسان مع الخلود والموت، والإلياذة والأوديسة في الأدب اليوناني، حيث تتراقص الآلهة والبشر في صراع أبدي. كما أن قصص كليلة ودمنة في الأدب الهندي قدمت رمزية فلسفية عميقة عبر حكايات الحيوانات.
النصوص الدينية مثل القصص القرآني والإنجيلي كانت بمثابة السرد الأول الذي قدم الإنسان ككائن يواجه قدره بإيمان وصبر. قصة يوسف في القرآن الكريم كانت نموذجًا للقصة التي تجمع بين الدراما العائلية، والسياسة، والتضحية. ومثلها قصة الابن الضال في الإنجيل، التي جسدت فكرة العودة والتوبة بمعانٍ رمزية بديعة. يقول الدكتور عبد الرحمن ياغي في دراسته "التطور التاريخي للقصة العربية" إن "النصوص الدينية والتراثية شكلت المنطلق الأساس لفن القصة في الثقافة العربية، حيث كانت تُسرد بغرض العبرة والتوجيه الأخلاقي".

ظهور القصة القصيرة بشكلها الحديث في الأدب الغربي:
في منتصف القرن التاسع عشر، تفتحت أزهار القصة القصيرة في الغرب، حيث يُعد الكاتب الأمريكي إدغار آلان بو البستاني الأول الذي زرع بذور هذا الفن على أرض الأدب. في مقالته الشهيرة "فلسفة التكوين"، حدد معايير القصة القصيرة، مؤكدًا على ضرورة القراءة في جلسة واحدة، والتركيز على فكرة واحدة، وبناء حبكة مكثفة ومؤثرة. أشار بو إلى أن "القصة القصيرة يجب أن تكون مصممة بدقة لخلق تأثير واحد، يُشعر به القارئ في لحظة واحدة من التأمل" (The Philosophy of Composition, 1846).
كما أن أنطون تشيخوف، حكيم السرد الواقعي، نقل القصة القصيرة إلى مستويات أعمق من التعبير الإنساني، حيث كانت قصصه كلوحة زيتية، ترسم ببساطة الحياة اليومية لكنها تحمل أبعادًا فلسفية عظيمة. يقول الباحث الروسي ألكسي تولستوي في دراسته "فن القصة عند تشيخوف" إن "تشيخوف استطاع في قصصه القصيرة أن يحول اليومي إلى عالمي، من خلال تقنيات السرد المكثف والبناء النفسي العميق".
بدايات القصة القصيرة في الأدب العربي وتطورها:
على الرغم من أن التراث العربي يزخر بالحكايات والقصص مثل ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، إلا أن القصة القصيرة بمفهومها الحديث لم تظهر في الأدب العربي إلا مع بدايات القرن العشرين. كانت تلك الفترة تشبه انبثاق زهرة من صحراء صامتة، حيث خرجت من رحم التقاليد السردية كتابات محمد تيمور، الذي يُعتبر من أوائل من كتب القصة القصيرة بشكلها المعاصر. تبعه في ذلك محمود تيمور، ويحيى حقي، وزكريا تامر، الذين أضافوا روحًا جديدة لهذا الفن الأدبي، وجعلوه مرآة تعكس تحولات المجتمع وأحلامه المكبوتة.
في دراسة للدكتور أحمد الزعبي بعنوان "تطور القصة القصيرة في الأدب العربي"، أشار إلى أن "التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المنطقة العربية كانت دافعًا رئيسيًا لظهور القصة القصيرة، كوسيلة للتعبير عن الهموم والآمال الشعبية".
من الأسطورة إلى الحداثة، ومن الأسواق الشعبية إلى صفحات المجلات، شقت القصة القصيرة طريقها كفن أدبي مستقل قادر على أن يلخص الوجود الإنساني في بضع صفحات، وأن يترك أثرًا لا يُمحى في ذاكرة القارئ. في المقال القادم، سنتناول إسهامات رواد القصة القصيرة، وكيف أسهمت أعمالهم في إرساء دعائم هذا الفن الراقي، وترسيخ ملامحه في الأدب العالمي.
الأستاذ محمد بسام العمري
بعض المراجع:
1. "التطور التاريخي للقصة العربية" - د. عبد الرحمن ياغي
2. "فن القصة عند تشيخوف" - ألكسي تولستوي
3. "تطور القصة القصيرة في الأدب العربي" - د. أحمد الزعبي
4. The Philosophy of Composition - Edgar Allan Poe
5. "فن القصة القصيرة: دراسة مقارنة" - د. محمد غنيم



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف ينظر الحمير إلى انحدار الأخلاق البشرية؟-
- الثوم بين الفائدة والضرر: مراجعة علمية لأبرز أضراره وتأثيرات ...
- تفكك القيم الأخلاقية في العصر الحديث: مقاربة تحليلية بين الد ...
- الحلم العربي
- -وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ-
- أغاني الفراق- و -خيوط الأحلام المنثورة-
- حين يفكر القلب ويتكلم الجمال
- الوعي الإيكولوجي الإفريقي الجديد — حين تتحدث الأرض بذكاء الإ ...
- قهوة فيروزية وحكاية لم تنتهِ
- النهضة الخضراء في إفريقيا — بين صرخة الأرض وذكاء المناخ
- قائمة الموتى
- نهضة الجسد والعقل والذاكرة
- ما بعد الصرخة
- : العقل الإفريقي بين الطباشير والسحابة
- «الصحة والتعليم الرقميان في إفريقيا: الجسد والعقل بين بيانات ...
- البيان الإلهي وأسراره في التأثير على النفس الإنسانية
- التحولات الاقتصادية العالمية الكبرى وأثرها المركّب على دول ا ...
- القارة التي تكتب نفسها — وعي إفريقيا في زمن التحول الرقمي
- الاستعمار الجديد: من الذهب الأسود إلى استعمار البيانات
- الفساد الإداري والمالي،


المزيد.....




- كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
- نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
- صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
- اللحظة التي تغير كل شيء
- أبرزها قانون النفط والغاز ومراعاة التمثيل: ماذا يريد الكورد ...
- -أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق ...
- إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس ...
- بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب ...
- حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع ...
- الأنثى البريئة


المزيد.....

- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - نشأة القصة القصيرة وتطورها التاريخي