أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بسام العمري - تأثير الجمال على السلوك الأخلاقي بين الأديان والفلسفة














المزيد.....

تأثير الجمال على السلوك الأخلاقي بين الأديان والفلسفة


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 00:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتداخل المفاهيم الأخلاقية بشكل كبير مع الدين والجمال في حياة الإنسان. سواء كان الحديث عن الأديان السماوية أو الفلسفات الوضعية، فإن تأثير الدين على السلوك الأخلاقي يشكل أحد الأركان الأساسية التي تحدد مسار الأفراد والمجتمعات. غير أن الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه قدم رؤية مختلفة ونقدية للأخلاق، خاصة عندما يتعلق الأمر بتأثير الجمال على الأحكام الأخلاقية. ولتوضيح هذه الفكرة بشكل أكبر، سنستعرض رأي الأديان السماوية والوضعية في مفهوم الدين والأخلاق، ونقارنها برؤية نيتشه حول تأثير الجمال في تشكيل القيم الأخلاقية.
ترى الأديان السماوية مثل الإسلام، المسيحية، واليهودية أن الأخلاق مستمدة من إرادة إلهية وموجهة بتعاليم مقدسة تهدف إلى تحقيق العدالة والرحمة بين الناس. في الإسلام، الأخلاق هي جزء لا يتجزأ من الدين، حيث يشدد القرآن الكريم على قيم العدالة، الإحسان، والرحمة في التعامل مع الآخرين. يقول الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى" (النحل: 90). هنا يظهر أن الله يأمر بالتعامل بالعدل والإحسان مع كل المخلوقات، سواء كانت جميلة أو لا، ما يعني أن الأخلاق لا تتأثر بالشكل أو المظهر الخارجي.
في المسيحية، أيضًا، تشكل المحبة القاعدة الأساسية للأخلاق. قال السيد المسيح في إنجيل متى: "تحب قريبك كنفسك" (متى 22:39)، مما يدل على أن الرحمة والمحبة هما أساس التعامل الإنساني بغض النظر عن المظهر الجمالي أو الجسدي. هذه القيم الأخلاقية المستمدة من التعاليم الدينية تؤكد على ضرورة التعامل مع الجميع بالعدالة والرحمة، سواء كانوا جميلين في مظهرهم أو لا.
أما في الفلسفات الوضعية مثل البوذية والهندوسية، فإن الأخلاق تستند إلى مفاهيم الكارما والتوازن الروحي. تُعتبر الأفعال الجيدة والسيئة عوامل تؤثر على حياة الإنسان ومستقبله. في البوذية، يتعلم الأتباع أن جميع الكائنات الحية تستحق الرحمة والاحترام بغض النظر عن مظهرها. هذه الفلسفات تدعو إلى التعامل بروح التواضع والسلام مع كل الكائنات، وهي تنظر إلى الجمال باعتباره جزءًا من الحياة، لكن ليس شرطًا لتحديد الأخلاق.
على النقيض من هذه الرؤى الدينية والفلسفية، يأتي الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه ليقدم رؤية نقدية حول الأخلاق وتأثير الجمال عليها. يرى نيتشه أن الأخلاق ليست موضوعية أو ثابتة، بل هي تعبير عن إرادة القوة والتحولات الثقافية والاجتماعية. في فكره، يرى أن معايير الجمال الثقافية تلعب دورًا هامًا في تشكيل الحكم الأخلاقي لدى الناس. فمثلاً، يشير نيتشه إلى أن معظم البشر عندما يرون سيارة تدهس صرصوراً لن يتأثروا ولن يتعاطفوا معه، ولكنهم سيتعاطفون بالتأكيد مع طائر ملون أو قطة تدهسها السيارة. هذا المثال يظهر كيف أن الناس يميلون إلى التعاطف مع الكائنات الجميلة فقط لأن الجمال يثير ردود فعل عاطفية إيجابية.
ويضيف نيتشه أن هذا التحيز الجمالي يشير إلى تعقيدات النفس البشرية، حيث يتعاطف الإنسان مع كائنات جميلة مثل الطيور أو القطط، ولكنه قد لا يشعر بنفس القدر من التعاطف مع كائنات أخرى غير جميلة مثل الحشرات. على سبيل المثال، قد تجد امرأة رقيقة القلب تعطف على كلب جائع وتطعمه قطعة لحم من جسد حيوان آخر تم قتله، فتتعاطف مع الكلب لكنها لا تتعاطف مع الحيوان المقتول.
من منظور علم النفس، يمكن تفسير تأثير الجمال على الأخلاق من خلال الدراسات العصبية والسلوكية. تشير الأبحاث في علم النفس العصبي إلى أن مناطق معينة في الدماغ، مثل الأميغدالا والقشرة الجبهية، تلعب دورًا رئيسيًا في استجابة الإنسان للجمال والعواطف المرتبطة به. عندما يرى الإنسان شيئًا جميلاً، يتم تحفيز هذه المناطق الدماغية، مما يؤدي إلى استجابة عاطفية إيجابية تؤثر على الحكم الأخلاقي.
كما أظهرت الدراسات النفسية أن الإنسان يميل إلى إظهار تحيزات إدراكية نحو الأشياء الجميلة، حيث يُنظر إلى الكائنات الجميلة على أنها أكثر إيجابية وأقل تهديدًا. وهذا يمكن أن يفسر لماذا يتعاطف الناس بشكل أكبر مع الحيوانات الجميلة مثل الطيور الملونة أو القطط. حتى في المجتمع، يتم معاملة الأشخاص الذين يمتلكون ملامح جمالية بشكل أفضل ويحظون بفرص أكثر من غيرهم، مما يعكس تأثير الجمال على المعايير الأخلاقية والتفاعلات الاجتماعية.
الفلاسفة أيضًا كان لهم رأي في العلاقة بين الجمال والأخلاق. أفلاطون، على سبيل المثال، رأى أن الجمال هو مرآة للأخلاق والفكر السامي. وفقًا لأفلاطون، الجمال الحقيقي يرتبط بالخير والعدالة، وبالتالي يمكن أن يكون له تأثير أخلاقي إيجابي. إيمانويل كانت، الفيلسوف الألماني الآخر، اعتبر أن الجمال له تأثير تحفيزي على العقل، مما يدفع الناس نحو التفكير العقلاني والأخلاقي. فالجمال، بالنسبة لكانت، يمكن أن يكون حافزًا للسعي نحو الكمال الأخلاقي.
أما داروين، فاعتبر أن الجمال يلعب دورًا مهمًا في الانتقاء الجنسي والبقاء، مما يعكس أهمية الجمال في التطور البيولوجي والسلوك الاجتماعي. هذه الفكرة تشدد على أن للجمال قيمة تطورية تؤثر على كيفية تفاعل الكائنات الحية مع بعضها البعض.
يمكن القول إن الجمال والأخلاق يتداخلان بشكل معقد في حياة الإنسان، حيث أن الأديان السماوية والوضعية ترى الأخلاق كجزء لا يتجزأ من التعامل مع كل الكائنات بروح العدالة والرحمة. في الوقت نفسه، يوضح نيتشه أن للجمال تأثيرًا قويًا على الأحكام الأخلاقية، حيث يميل الناس إلى التعاطف مع الكائنات الجميلة ويظهرون تجاهلًا للكائنات الأقل جمالًا. هذا التفاعل بين الجمال والأخلاق يتضح من خلال النظريات الفلسفية والدراسات النفسية، ويبرز كيفية تأثير العوامل الجمالية والثقافية على سلوك الإنسان وأحكامه الأخلاقية.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشهداء يصرخون ....... إننا قادمون
- -تأملات فلسفية في تجربة العشق والإنسانية-
- المرأة: الكينونة التي تلد المعنى — قراءة فلسفية وجمالية عبر ...
- -حين تبدأ العقارب من جديد: ولادة تحت الأنقاض-.
- -أجزاء من الدجاج تهدد صحتك-
- إسهامات رواد القصة القصيرة
- مقامة الكتابة بين السراج والسراب
- حين تزهر الروح في ضوء الفجر
- نشأة القصة القصيرة وتطورها التاريخي
- كيف ينظر الحمير إلى انحدار الأخلاق البشرية؟-
- الثوم بين الفائدة والضرر: مراجعة علمية لأبرز أضراره وتأثيرات ...
- تفكك القيم الأخلاقية في العصر الحديث: مقاربة تحليلية بين الد ...
- الحلم العربي
- -وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ-
- أغاني الفراق- و -خيوط الأحلام المنثورة-
- حين يفكر القلب ويتكلم الجمال
- الوعي الإيكولوجي الإفريقي الجديد — حين تتحدث الأرض بذكاء الإ ...
- قهوة فيروزية وحكاية لم تنتهِ
- النهضة الخضراء في إفريقيا — بين صرخة الأرض وذكاء المناخ
- قائمة الموتى


المزيد.....




- موسكو في مواجهة موجة من الضغوطات الغربية، وتردد أوروبي بشأن ...
- الاتحاد الأوروبي يدرس بحذر تحويل الأصول الروسية المجمدة لدعم ...
- الاتحاد الأوروبي يدرس بحذر تحويل الأصول الروسية المجمدة لدعم ...
- الاتحاد الأوروبي يقر حزمة عقوبات جديدة على موسكو هي التاسعة ...
- الكنيست وضم الضفة المحتلة.. استفزاز معارضة أم تمرد ضد نتنياه ...
- رحلة صعود جيه دي فانس.. من جبال الأبلاش إلى البيت الأبيض
- ترامب يقلل من أهمية مساعي نواب إسرائيليين لضم الضفة
- مقاتلات صينية تعبر لمصر دون رصد أميركي.. ماذا وراء الخطوة؟
- الذخائر غير المنفجرة.. -خطر صامت- يهدد حياة من تبقى في غزة
- اتفاق غزة.. استمرار الحراك الأميركي في إسرائيل


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بسام العمري - تأثير الجمال على السلوك الأخلاقي بين الأديان والفلسفة