أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - حين يؤذّن النور على ضفاف الميكونغ — المسلمون في فيتنام














المزيد.....

حين يؤذّن النور على ضفاف الميكونغ — المسلمون في فيتنام


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 04:47
المحور: السياحة والرحلات
    


هناك، في أقصى أطراف آسيا، حيث تبتسم الأرض بوجهٍ مبلّلٍ بالمطر، وتتنفس السماء برائحة الأعشاب، يعيش قومٌ حافظوا على جذوةٍ قديمةٍ لا تنطفئ — جذوة الإيمان.
إنهم مسلمو فيتنام، الذين اختاروا أن يزرعوا التوحيد في أرضٍ بعيدةٍ عن مكة، لكن قلوبهم لا تزال تُصلّي نحوها كل فجرٍ، كما تتجه الأنهار نحو البحر.
جذور من نور وتاريخ من صبر
حين كانت السفن العربية تُبحر عبر بحر الصين الجنوبي، لم تحمل معها البضائع وحدها، بل حملت قصص الأنبياء، وآيات الرحمة، وبذورًا من العقيدة، غُرست بين أيدي شعبٍ ودودٍ يُدعى التشام.
ومنذ القرن التاسع، بدأت الحكاية: اختلط التجار بالحرفيين، وأُقيمت أولى الصلوات على الشواطئ التي كانت تتلألأ باللؤلؤ، ثم وُلدت مجتمعات صغيرة حافظت على دينها رغم العواصف السياسية، والغزوات، والتحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة.
التشام ليسوا أقليةً منسية كما يُظن، بل ذاكرةٌ حيّةٌ للتاريخ الإسلامي في جنوب شرق آسيا؛ قومٌ يحفظون العربية بلكنةٍ آسيوية ناعمة، ويزيّنون بيوتهم بآياتٍ مكتوبةٍ على خشب الساج، ويُعلّمون أبناءهم أن “السلام عليكم” ليست مجرد تحية، بل وعدٌ بالطمأنينة في عالمٍ صاخب.
حين تلتقي المآذن بالأنهار
في دلتا الميكونغ، بين غاباتٍ تتراقص فيها السنابل، تلوح مآذن صغيرة بيضاء تتوسّط القرى.
من بعيد، تبدو كأنها طيور نورٍ حطّت على الأرض.
يعلو الأذان كلّ يومٍ في وقتٍ واحدٍ تقريبًا مع زقزقة الطيور وهدير الماء، فيختلط الصوت بالريح، فيصير الدعاء جزءًا من الطبيعة.
الناس هناك لا يهرعون إلى المساجد، بل يسيرون إليها بسكينةٍ تشبه حوار القلب مع الله.
تغتسل النساء قبل الصلاة بماء النهر، ويلتف الأطفال حول الجدّ ليستمعوا إلى قصص الأنبياء، تُروى لهم بلهجةٍ فيتناميةٍ ناعمة لكنها مشبعة بالحبّ الإلهي.
في مدينة “هو تشي منه”، يقف مسجد الجامع الكبير كتحفةٍ معماريةٍ تُذكّرك بأن الشرق كلّه يتكلم لغةً واحدة حين يُسبّح.
على بابه تتجاور الأحذية المطرّزة والنعال البسيطة، كأنها رموزٌ للمساواة أمام الله.
وفي المساء، يخرج الإمام ليقرأ سورة “الرحمن”، فيتردّد صدى “فبأيّ آلاء ربكما تكذبان” بين الجدران والمآذن والنخيل — فتبدو الجغرافيا كلّها وكأنها تُجيب: لا نكذّب بشيءٍ من نعمك يا ربّ.
الإسلام بين اللوتس والبوذا
في فيتنام، تتجاور الأديان كما تتجاور الألوان في لوحةٍ واحدةٍ من صنع الطبيعة.
المسجد بجانب المعبد، والهلال يطلّ على تمثال بوذا دون خصام.
فقد تعلّم الفيتناميون أن الله واحدٌ، وإن اختلفت الأسماء التي يُنادونه بها.
والمسلم هناك لا يخاف من الآخر، بل يعيش وسط الاختلاف كما يعيش اللوتس وسط المستنقع — نقيًّا، لا يتلوّث بما حوله، بل يُطهّره.
وفي الأعياد، حين يهلّ الهلال فوق الغابات، تُضاء الساحات الصغيرة بالفوانيس، وتُقدّم أطباق الأرز والسمك للزائرين، فلا فرق بين من يصلي في المسجد ومن يسجد في المعبد: الكلّ يحتفي بالحياة، لأنهم يعرفون أن الله يسكب رحمته على من زرع الحبّ في الأرض.
ملامح من الجمال الإنساني
في الأسواق، ترى النساء المسلمات بحجابٍ خفيفٍ يلمع تحت الشمس، يبعن التوابل والعطور، ويمزجن بين الطيبة الآسيوية والحياء العربي.
يُعلّمن بناتهن أن الجمال في العفة، وأن الكلمة الطيبة تُغني أكثر من الذهب.
والرجال، الذين يعملون في صيد الأسماك والزراعة، يعودون مع الغروب لتناول وجبةٍ بسيطةٍ من الأرز والشاي، ثم يجلسون أمام المسجد الصغير يتبادلون الأحاديث عن الغيث، والرزق، وعن الصبر الذي جعلهم يعيشون بلا خوفٍ رغم قسوة الفقر.
فيتنام… حين تبتسم السماء للمؤمنين
إن أجمل ما في هؤلاء المسلمين ليس عددهم، بل عمقهم الإنساني.
ففي كل ركعةٍ يؤدّونها، تختبئ حكايةُ صبرٍ طويل، وحلمٌ بأن يُسمَع صوت الأذان فوق الجبال كما يُسمع في مكة.
وإن تأملت وجوههم، رأيت فيها سكينةً من يعرف أن الله لا ينسى عباده ولو كانوا في أقصى الأرض.
لقد علّمونا أن الإيمان لا يحتاج إلى جدرانٍ عالية، بل إلى قلبٍ واسع، وأن السلام الحقيقي ليس في المدن الكبيرة، بل في القرى الصغيرة التي لا تفرّق بين النهر والمحراب.
وهكذا تظلّ فيتنام المسلمة جسرًا من ضوءٍ بين الشرقين، شاهدةً على أن الإسلام ليس ملكًا لأمةٍ واحدة، بل نهرٌ يمتدّ من الجزيرة العربية إلى ضفاف الميكونغ، يسقي الأرواح التي عطشت للحقيقة.
ومن هناك، من تلك الأرض المبلّلة بالإيمان والندى، ينهض السؤال القادم في رحلتنا الفكرية:
إلى أين تمضي إفريقيا في بحثها عن ذاتها، بعد أن ودّعنا آسيا على سجادةٍ خضراء من أرزٍ وصلوات؟



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشيد الماء والذاكرة
- روح فيتنام — حين يتكلم القلب بلغة المطر
- من طين الحقول إلى مرايا الزجاج — فيتنام بين الهوية والحداثة
- بين ترف التأويل وتيه المعنى: قراءة في نقد لامية عويسات لنصّ ...
- حين تنهض الأرض من رمادها
- حيث تتكلم الأرض بلغة الماء
- ألف عام من الصبر تاريخ فيتنام ومعنى الحرية
- بلاد الماء والنور نزهة فكرية في جغرافية فيتنام
- حين تُنير الآلة طريق القلب — التأمل الروحي والفلسفي في عصر ا ...
- نحو إنسان جديد في زمن الذكاء الاصطناعي — التوازن بين العقل و ...
- المعرفة والوعي بين الإنسان والآلة — حدود الفكر وحدود الروح
- الذكاء الاصطناعي ومحنة الضمير — قراءة في أخلاقيات العقل الصن ...
- الإنسان والآلة — من التنافر إلى التكامل دراسة في البدايات ال ...
- -شظايا الحب في عيون القمر-
- الانتكاسة
- -أنثى تتوضأ بالضوء-
- إلى التي كانت نُورَ النصفِ قرن
- -من رحم الشدائد تولد العظمة-
- حينَ تاهَ العُشّاقُ بينَ الزمانِ والحنين
- تاريخ النقد الأدبي والفلسفي في الثقافات العربية والغربية


المزيد.....




- ماذا قال ترامب عن -الفتيات- المشار إليهن في رسالة إبستين؟
- حصريا لـCNN: مسؤولون أمريكيون يحاولون إثناء ترامب عن استئناف ...
- هل سهلت إسرائيل خروج طائرة فلسطينيين نحو جنوب أفريقيا؟
- استعداد عسكري أميركي لإصدار أوامر الهجوم على فنزويلا
- تسليم السلطة الفلسطينية هشام حرب إلى فرنسا هل هو -مقايضة سيا ...
- مجلس الأمن يجدد العقوبات على الحوثيين عاما آخر
- حالات اختناق بقنابل الغاز ومصابان برصاص الاحتلال في الضفة
- مقتل 7 وإصابة 27 في انفجار بمركز شرطة في كشمير الهندية
- مادورو يوجه رسالة إلى ترامب: -نعم للسلام-
- هجوم بصواريخ -كاتيوشا- يهزّ منطقة المزة في دمشق.. والدفاع ال ...


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - حين يؤذّن النور على ضفاف الميكونغ — المسلمون في فيتنام