أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - حيث تتكلم الأرض بلغة الماء














المزيد.....

حيث تتكلم الأرض بلغة الماء


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 02:47
المحور: السياحة والرحلات
    


من ينظر إلى فيتنام من علٍ، يظنّ أنه أمام لوحة زيتية أنزلها القدر على الأرض. تلك السلسلة الممتدة من الشمال إلى الجنوب تشبه جسد تنينٍ نائمٍ على بساطٍ من الزمرد، تتخلله أنفاس الأنهار وتغسله الأمطار الموسمية كما تغسل الأم حكايا الطفولة من الغبار.
إنها أرض تتكلم بلغة الماء؛ حيث لا يفصل بين اليابسة والحياة سوى مجرى نهر أو صوت شلالٍ يسقط كترنيمةٍ صافية من قلب الجبل.
في الشمال، تلوح مدرّجات الأرز في "سابا" كدرجاتٍ إلى السماء، تلمع بعد المطر كأنها مرايا خضراء علّقت عليها الشمسُ ضوءها. هناك يتهادى الفلاحون بأزياء تقليدية زاهية الألوان، كأنهم زهورٌ تتحرك على أنغام الريح. وفي الجنوب، تنفتح دلتا ميكونغ كصدرٍ أمٍّ حنون، تضم آلاف الجداول الصغيرة التي تشقّ طريقها إلى البحر، حاملة معها رائحة الطين والسمك وأغاني القوارب الصغيرة التي لا تعرف الصمت.
فيتنام ليست فقط طبيعةً خلابة، بل هي إيقاع حياة. فكل شيء فيها يتحرك ببطءٍ مدهش: الأسواق تطفو على الماء، النساء يطبخن على القوارب، والصغار يضحكون تحت المطر دون أن يهربوا منه، لأن المطر في فيتنام ليس عدوًا، بل صديقٌ قديم يعود كل موسمٍ ليبارك الحقول ويغسل الذاكرة.
أما الريف الفيتنامي، فحكايةٌ أخرى من السكينة. البيوت الخشبية على ركائز، تحيطها بساتين الموز والبابايا، وأصوات الديكة تختلط بزقزقة الطيور في صباحٍ تفتح فيه الأرضُ عينيها على بسمة الضوء. هناك لا تُقاس السعادة بالمال، بل بصفاء النهر، وبرودة النسيم، وهدوء الليل حين تكتفي النجوم بقول ما تعجز اللغة عن قوله.
تبدو فيتنام كأنها تتآمر مع الطبيعة على البساطة، فتجعل من القليل جمالًا، ومن الهدوء حياة، ومن العمل صلاةً في محراب الخضرة. لا عجب أن الزائر يشعر فيها أن الزمن يمشي على أطراف أصابعه كي لا يوقظ سحر المكان.
إنها فيتنام التي تنتمي إلى نفسها، والتي تنتمي إليها الأرواح الباحثة عن مرفأٍ من الضجيج، وعن وطنٍ من ندى وطمأنينة.
وهكذا، بعد أن سرنا بين الأنهار وسكنا البيوت المعلقة على الماء، يبدو أن الرحلة لا تزال في بدايتها. فخلف هذا الجمال الطبيعي تختبئ قصة الإنسان الفيتنامي — ذاك الذي واجه الحروب والمجاعات، وخرج من بين الركام ليزرع ابتسامة جديدة في وجه الأرض.
في الفصل الرابع، سنترك الطبيعة لتروي لنا عن الإنسان: عن صلابته حين اشتدت العاصفة، وعن حكمته التي جعلت من الرماد بذرةً ومن الألم أغنيةً.
هناك، بين التاريخ والنهوض، سنكتشف كيف استطاعت فيتنام أن تكون أرض الحلم الممكن، حيث تلتقي الذاكرة بالعزيمة، والماء بالنار، والإنسان بالخلود.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألف عام من الصبر تاريخ فيتنام ومعنى الحرية
- بلاد الماء والنور نزهة فكرية في جغرافية فيتنام
- حين تُنير الآلة طريق القلب — التأمل الروحي والفلسفي في عصر ا ...
- نحو إنسان جديد في زمن الذكاء الاصطناعي — التوازن بين العقل و ...
- المعرفة والوعي بين الإنسان والآلة — حدود الفكر وحدود الروح
- الذكاء الاصطناعي ومحنة الضمير — قراءة في أخلاقيات العقل الصن ...
- الإنسان والآلة — من التنافر إلى التكامل دراسة في البدايات ال ...
- -شظايا الحب في عيون القمر-
- الانتكاسة
- -أنثى تتوضأ بالضوء-
- إلى التي كانت نُورَ النصفِ قرن
- -من رحم الشدائد تولد العظمة-
- حينَ تاهَ العُشّاقُ بينَ الزمانِ والحنين
- تاريخ النقد الأدبي والفلسفي في الثقافات العربية والغربية
- أدب الأطفال كوسيلة للتكيف مع التحديات المستقبلية
- -التجريب والاستكشاف: مفتاح الإبداع لدى الأطفال-
- تأثير الجمال على السلوك الأخلاقي بين الأديان والفلسفة
- الشهداء يصرخون ....... إننا قادمون
- -تأملات فلسفية في تجربة العشق والإنسانية-
- المرأة: الكينونة التي تلد المعنى — قراءة فلسفية وجمالية عبر ...


المزيد.....




- الكونغرس يوافق على إنهاء -أطول إغلاق حكومي- في تاريخ أمريكا ...
- الرئيس تبّون يعفو عن الكاتب بوعلام صنصال: ما هي العوامل التي ...
- ترامب يهدد -بي بي سي- بدعوى تشهير قيمتها مليار دولار بسبب تع ...
- مجموعة السبع تدعو لوقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا وتحذر م ...
- الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي
- الكونغرس يصادق على قانون ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ الول ...
- رئيس الاتحاد الأفريقي: لا توجد إبادة جماعية في نيجيريا
- لافروف: أوروبا تتأهب لحرب كبرى ضد روسيا
- روبيو يعلق على مساعي تصنيف -الدعم السريع- السودانية كـ-منظمة ...
- القصة الخفية لصعود الأسلحة البيولوجية


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - حيث تتكلم الأرض بلغة الماء