أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بسام العمري - رحلة الروح نحو النور














المزيد.....

رحلة الروح نحو النور


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 03:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في سكون الليل وهدوء السحر، حيث يتلاقى الزمن مع الأبدية، ويختفي ضجيج الدنيا، يجد القلب نفسه في حضرة الخالق، ويبدأ رحلته نحو الفناء في الحب الإلهي. هنا، حيث تُرفع الحجب عن بصيرة الروح، تتلاشى حدود الزمان والمكان، وتتحرر الروح من قيود الجسد والمادية، لتسبح في بحر من النور والسكينة، بحثًا عن السلام الذي لا يُدرك إلا بوصال الحق.
يتردد في أذن القلب صوت هادئ، قادم من أعماق الغيب، صوت يُخاطب الروح بلطف وحنان، يدعوها للاستيقاظ من سباتها العميق. هذا النداء، الذي يأتي من مكان بعيد وغير منظور، هو دعوة للعروج، للتخلي عن شواغل الدنيا والانغماس في حب الله الذي لا ينضب. إنه نداء يتجاوز كل ضجيج الحياة، ويصل مباشرة إلى عمق الروح، ليحرك فيها شعورًا عميقًا بالحب والتسليم.
في هذه اللحظات المقدسة، التي تنكشف فيها أسرار الوجود، يشعر الإنسان بمدى ضآلة الدنيا وضيقها مقارنة بعظمة الله وسعة رحمته. يتجلى له كيف أن كل شيء في الدنيا زائل، وكل لذة دنيوية مؤقتة، بينما الحب الإلهي هو الباقي، هو النور الذي يضيء الطريق أمام الروح، وهو المنبع الحقيقي للسلام الداخلي. حينها، يتعلم الإنسان أن الدنيا بكل ما فيها من متع ومغريات لا تساوي شيئًا أمام لذة القرب من الله، ذلك القرب الذي يمنح القلب راحة لا تضاهيها راحة.
في هذا الفناء في الحب الإلهي، تجد الروح السلام والاطمئنان الذي طالما بحثت عنه. فالغد، بكل ما يحمله من غموض وأمل، لا يمكن الوثوق به، إذ كم من آمال بنيت على مستقبل مجهول، وكم من أحلام تحطمت عند عتبة اليوم. هذه اللحظات من التأمل والتجلي تجعل الإنسان يدرك أن اللحظة الحاضرة هي الحقيقة الوحيدة التي يجب أن نعيشها بكل تفاصيلها. فالحاضر هو الفرصة الثمينة التي منحت لنا لنتقرب من الله، ونستمتع بجمال الحب الإلهي الذي يملأ القلب نورًا، ويغمر الروح بسلام عميق لا يوصف.
في هذه الأوقات، يجد الإنسان نفسه وجهاً لوجه مع نفسه، ومع خالقه. يبدأ في مراجعة ذاته، يتساءل عن معنى الحياة، وعن دوره فيها. يجد أن الحياة ليست مجرد سعي وراء الماديات، بل هي رحلة روحية نحو الحقيقة. في هذه الرحلة، يتعلم الإنسان أن الجمال الحقيقي لا يكمن في الدنيا وزينتها، بل في القرب من الله، في اكتشاف سر الوجود، وفي التذوق العميق لجمال الحب الإلهي.
القلوب المتعطشة تجد في هذا الحب ملاذها الأخير. تلك القلوب التي أرهقها البحث عن الجمال في الدنيا، تجد في حب الله جمالًا أبديًا لا يزول. كم من إنسان سار في دروب الدنيا بحثًا عن السعادة، لكنه لم يجدها إلا حينما استسلم لحب الله، حينما فني في هذا الحب ووجد فيه كل ما كان يبحث عنه. وما قيمة يوم يمضي دون أن نعشق فيه الله؟ دون أن نتذوق حلاوة القرب منه؟ إن الروح المتلهفة لعناق السماء، تجد في هذا الحب الإلهي ملاذها، حيث تتلاشى كل أوجاع الدنيا وهمومها، وتصبح الروح مشبعة بنور اليقين، غير عابئة بكل ما قد يحدث في الدنيا من متغيرات.
عند هذه النقطة، يبدأ الإنسان في إدراك أن الله قريب، وأنه معنا في كل لحظة، يراقبنا بعينه التي لا تنام. حينما يصل الإنسان إلى هذا الفهم، يتحرر من الخوف، يتعلم أن الدنيا ليست سوى دار عبور، وأن ما ينتظره في الآخرة هو الأهم. يتعلم أن السعادة الحقيقية لا تأتي من تحقيق الرغبات الدنيوية، بل من الرضا بما قسمه الله، ومن التسليم المطلق لإرادته.
وفي نهاية المطاف، يعود الإنسان إلى ذاته، بعد أن يكون قد تذوق طعم الحب الإلهي، ليجد نفسه وقد تغيرت رؤيته للعالم. فالليل والنهار يتواليان، والنجوم تستمر في دورانها، لكن الروح التي تذوقت هذا الحب، أصبحت ترى العالم بعين جديدة، عين ملؤها النور والإيمان، تبحث عن السلام في كل شيء، وتجد في كل لحظة من لحظات حياتها فرصة للتقرب أكثر إلى الله.
هذه الرؤية الجديدة تخلق في الإنسان حالة من الصفاء الداخلي، حيث يتعلم أن يسامح، أن يحب بلا شروط، أن يعطي بلا مقابل. في هذا الصفاء، يكتشف أن الحياة ليست سوى فرصة للتزود للآخرة، وأن كل عمل صالح يقوم به، وكل لحظة يقضيها في ذكر الله، تضاف إلى رصيد لا ينفد، رصيد من السعادة الأبدية التي لا تنتهي.
هكذا، يصبح الإنسان مستعدًا لأي شيء قد يأتي به القدر، فهو يعلم أن الله معه، وأنه لن يخذله أبدًا. في هذا الفناء في الحب الإلهي، يجد الإنسان القوة والشجاعة لمواجهة الحياة، ويجد السلام الذي طالما بحث عنه. ومن هنا، يبدأ الإنسان في بناء علاقة أبدية مع الله، علاقة تقوم على الحب والتسليم، علاقة لا تنفصم عراها حتى بعد الموت.
فالليل والنهار يتواليان، والنجوم تستمر في دورانها، لكن الروح التي تذوقت هذا الحب، أصبحت ترى العالم بعين جديدة، عين ملؤها النور والإيمان، تبحث عن السلام في كل شيء، وتجد في كل لحظة من لحظات حياتها فرصة للتقرب أكثر إلى الله.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يتصوّف الأدب الفرنسي: رحلة من الرمز إلى الكشف
- مراثي الكرسي رقم 7
- أنشودة الضوء – إفريقيا التي لا تموت
- غناء الضوء في الغابة العتيقة
- بحيرة مالاوي: مرآة السماء ومهد الأساطير
- حين يؤذّن النور على ضفاف الميكونغ — المسلمون في فيتنام
- نشيد الماء والذاكرة
- روح فيتنام — حين يتكلم القلب بلغة المطر
- من طين الحقول إلى مرايا الزجاج — فيتنام بين الهوية والحداثة
- بين ترف التأويل وتيه المعنى: قراءة في نقد لامية عويسات لنصّ ...
- حين تنهض الأرض من رمادها
- حيث تتكلم الأرض بلغة الماء
- ألف عام من الصبر تاريخ فيتنام ومعنى الحرية
- بلاد الماء والنور نزهة فكرية في جغرافية فيتنام
- حين تُنير الآلة طريق القلب — التأمل الروحي والفلسفي في عصر ا ...
- نحو إنسان جديد في زمن الذكاء الاصطناعي — التوازن بين العقل و ...
- المعرفة والوعي بين الإنسان والآلة — حدود الفكر وحدود الروح
- الذكاء الاصطناعي ومحنة الضمير — قراءة في أخلاقيات العقل الصن ...
- الإنسان والآلة — من التنافر إلى التكامل دراسة في البدايات ال ...
- -شظايا الحب في عيون القمر-


المزيد.....




- مصرع مواطنين بحادث سير في سلفيت
- يهود أميركيون زاروا سوريا.. وهذا ما خرجوا به
- صحف عالمية: الوضع في غزة كارثي والضفة تشهد إرهابا يهوديا
- صحف عالمية: الوضع في غزة كارثي والضفة تشهد إرهابا يهوديا
- الاحتلال يقتحم قرية سرطة غرب سلفيت ويداهم المجلس القروي
- بعد تكساس.. هل يمتد -حظر الإخوان- لباقي الولايات الأميركية؟ ...
- كايروس الثانية: حين تواجه الكنيسة العالم بضميره المفقود
- تكساس تصنّف الإخوان و-كير- إرهابيتين..خطوة لحظرهما فيدراليا؟ ...
- تكساس تصنف الإخوان و-كير- إرهابيتين.. فهل يتوسع -التصنيف-؟
- حملة تضليل تستهدف مسلمي تكساس وتروج لادعاءات -محاكم الشريعة- ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بسام العمري - رحلة الروح نحو النور