أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - – ليبيا: الأرض التي تمتدّ من زرقة المتوسط إلى قلب الصحراء المشتعلة، بلاد الحضارات المنسية والثروات الحاضرة















المزيد.....

– ليبيا: الأرض التي تمتدّ من زرقة المتوسط إلى قلب الصحراء المشتعلة، بلاد الحضارات المنسية والثروات الحاضرة


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 02:49
المحور: السياحة والرحلات
    


ليبيا… تلك البلاد التي تبدو للعين كأنها صحراء متصلة، لكنها في الحقيقة قارة قائمة بذاتها. أرضٌ تتكئ شمالًا على البحر الأبيض المتوسط بامتداد ساحليّ يقارب ألفي كيلومتر، وتغوص جنوبًا في عمق الصحراء الكبرى حتى حدود النيجر وتشاد والسودان. وفي هذا الامتداد الشاسع تختبئ ثلاث هويات كبرى: طرابلس في الغرب، برقة/قورينا في الشرق، و فزان في الجنوب. ثلاث مناطق تكوّن ليبيا الحديثة، لكنها تحمل تاريخًا أقدم بكثير من الدولة.
قبل أن يكون اسمها ليبيا، كانت الأرض مسرحًا للفينيقيين، الذين أسّسوا مدنًا ساحلية تربط تجارتهم بين قرطاج وسواحل المتوسط الوسطى. ثم جاء الإغريق من جزيرة تيرا، واستقروا في الشرق، فأسسوا قورينا (سِرين)، واحدة من أقدم المستعمرات اليونانية خارج بحر إيجة. لقد كتب عنها هيرودوت، ووصف خصوبتها وتلالها ومزارعها التي كانت تنتج نبتة "السيلفيوم" الشهيرة التي لم يبقَ منها أثر اليوم. وكانت المدن الخمس الإغريقية (Pentapolis): قورينا، برقة، طوكرة، أبولونيا، بطليمية — تشكل كيانًا حضاريًا كاملًا، له مسارحه ومعابده وأسواقه.
ثم جاء الرومان، وجعلوا من ليبيا بوابة متقدمة لإمبراطوريتهم في إفريقيا. بنوا لبدة الكبرى، المدينة التي جاد عليها الزمن بإحدى أعظم المنشآت الرومانية في العالم القديم. كانت لبدة مدينة ماركوس أوريليوس سبتيموس سيفيروس، الإمبراطور الليبي الأصل الذي صعد من الصحراء إلى عرش روما. لا تزال آثار لبدة شاهدة: المسرح الروماني، المنتدى، الساحة السيفيرية، نقوش تحكي عن مدينة أحبّت الفن والهندسة والرقي.
وفي الغرب، بين زوارة وصرمان، كانت توجد طرق التجارة البحرية مع قرطاج، وفي الشرق ظلت برقة متصلة بمصر منذ أن دخلها البطالمة، فامتزجت فيها الثقافة اليونانية والرومانية والمصرية.
لكن صفحة ليبيا الكبرى بدأت حقًا مع دخول الإسلام. حين وصل عمرو بن العاص إلى برقة، فتحت المدينة أبوابها دون قتال. ثم توغّل الفتح غربًا نحو طرابلس، التي قاومت يومًا واحدًا قبل أن تسقط. ومع الزمن أصبحت ليبيا جسرًا أساسيًا بين المشرق والمغرب، إذ خرج منها العلماء والفقهاء، وعبر من خلالها التجار والحجاج في طريقهم إلى مكة من الأندلس والمغرب والجزائر.
وفي العصور اللاحقة، برزت طرابلس كمدينة كبرى في العهد الفاطمي ثم الصنهاجي ثم الحفصي، قبل أن تدخل تحت سلطة العثمانيين سنة 1551. ومع العثمانيين تزدهر المدينة في دورها البحري والدفاعي، وتظهر شخصيات قوية مثل أحمد القرمانلي، الذي أسّس سلالة محلية حكمت ليبيا لأكثر من قرن. كان القرمانليون فصلاً خاصًا في تاريخ البلاد؛ أسّسوا الأساطيل، وتنظّموا إداريًا، وتعاملوا مع القوى الأوروبية بنديّة أحيانًا.
وفي القرن التاسع عشر، بدأت صحراء فزان تُظهر أهميتها أكثر من أي وقت مضى. فهي ليست مجرد صحراء، بل عقدة طرقٍ تربط إفريقيا الشمالية بالجنوبية، ومنها كانت تمرّ القوافل الذهبية — ملح من سبها، وتمور من مرزق، وسلع من بحيرة تشاد وتمبكتو — متجهة شمالًا نحو الساحل. وفي قلب فزان، يبرز شعبا التبو والطوارق، يحفظان إرث الصحراء بكرامة عالية. التبو، أهل الرمال والجبال، يعيشون بين ليبيا وتشاد والنيجر، والطوارق الزرق الذين يربطون الجنوب الليبي بصحراء الجزائر ومالي.
ثم جاء الاحتلال الإيطالي عام 1911. لم يكن احتلالًا عابرًا، بل حربًا طويلة قاومها الليبيون بصلابة نادرة. برز من قلب الشرق عمر المختار، شيخ المجاهدين، الرجل الذي حمل الجبل الأخضر على كتفيه وقاوم بسنوات من الإيمان. ليبيا كانت آخر بلد عربي تُهزَم فيه المقاومة الشعبية بالجيوش الأوروبية، لكنه الهزيمة التي صنعت رمزًا خالدًا.
وبعد الحرب العالمية الثانية، خرج الإيطاليون، وتقاسمت القوى الدولية النفوذ قبل أن تولد دولة ليبيا الحديثة سنة 1951 بقيادة الملك إدريس السنوسي، الذي وحد برقة وطرابلس وفزان في كيان واحد. ومع اكتشاف النفط في الستينيات، تغير وجه البلاد جذريًا. ليبيا دخلت عصرًا اقتصاديًا جديدًا، وصارت واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط في إفريقيا. النفط لم يكن مجرد ثروة تحت الأرض؛ كان لعنة وبركة في الوقت نفسه، إذ جعل ليبيا دولة ذات دخل عالٍ، لكنه جعل السياسة معقّدة ومشحونة.
وجغرافيًا، ليبيا بلد شديد التنوع رغم أن الصحراء تشكل أكثر من 90% من مساحته. في الشمال، تمتدّ السواحل الطويلة على المتوسط، حيث المدن المستقرة منذ آلاف السنين: طرابلس، الزاوية، مصراتة، زليتن، الخمس، سرت، بنغازي، درنة، طبرق. في الشرق، ينهض الجبل الأخضر بجغرافيته الفريدة، بنباتاته وأمطاره ووديانه، وهو واحدة من أجمل المناطق البيئية في شمال إفريقيا. وفي الوسط تنفتح الحقول الصخرية لصحراء سرت، وفي الجنوب تظهر واحات فزان: غات، غدامس، مرزق، أوباري، سبها. وغدامس تحديدًا تُسمّى "لؤلؤة الصحراء"، مدينة طينية بيضاء ذات هندسة عربية–صحراوية فريدة.
اقتصاديًا، ليبيا تعتمد بالأساس على النفط، الذي يشكل أكثر من 90% من صادراتها. تمتلك واحدًا من أكبر احتياطيّات النفط الخفيف عالي الجودة في العالم، وهو ما جعلها لاعبًا مهمًا داخل أوبك. لكن ليبيا ليست النفط وحده؛ هناك الصيد البحري، الزراعة في الجبل الأخضر، الشعير والقمح في الجبل الغربي، التمور في فزان، والثروة الحيوانية في الشرق والجنوب. كما أن شمسها ورياحها تجعلانها مؤهلة للطاقة المتجددة، وإن كان هذا المجال لم يُستثمر بعد كما يجب.
اجتماعيًا، تتكوّن ليبيا من فسيفساء قبلية كبيرة: قبائل الشرق مثل العبيدات والعواقير، قبائل الغرب مثل ورشفانة والزناتة والمغاربة، وقبائل الجنوب من التبو والطوارق وأولاد سليمان. وهذه القبائل لم تكن مجرد مكوّن اجتماعي، بل عناصر أساسية في تشكيل الدولة والسياسة والاقتصاد. واللغة العربية هي السائدة، لكنها تمتزج بالأمازيغية في جبل نفوسة وزوارة، وبالطوارقية في غات، وبلغة التبو في الجنوب الشرقي.
وليبيا أيضًا بلد مخزون حضارات: المعابد الإغريقية في شحات، القصور الرومانية في لبدة وصبراتة، المساجد الإسلامية العتيقة في طرابلس ودرنة، القصور الرملية لتبو فزان، الممرات الكهوفية في جبال الهروج الأسود، أودية الزيغن والشاطي، والبحيرات العجيبة في صحراء أوباري التي تبدو كأنها صور من كوكب آخر.
أما السياسة الليبية الحديثة فهي فصل طويل ومعقّد. من حكم عسكري إلى جماهيريّة إلى ثورة إلى صراع داخلي… لكنها رغم ذلك تحتفظ بجذور قوية تجعلها قادرة على النهوض. فالشعب الليبي، الذي عاش الحروب والصحاري والممالك والمستعمرين، ليس شعبًا هشًا؛ هو شعب يتعلم كيف يعيد بناء نفسه كل مرة.
ليبيا… بلدٌ يبدأ بالبحر وينتهي بالنجوم، ويمر في منتصفه صحراء تتسع بما يكفي لكتابة أسطورة جديدة كل يوم. بلدٌ يبدو صامتًا للوهلة الأولى، لكنه حين يتكلم يطلق تاريخًا لا يستطيع القارئ إلا أن يُصغي إليه.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مالي: المملكة التي مشت فوق الذهب، ونامت على ضفاف النيجر، وظل ...
- موريتانيا: بلاد البيضان والمحيط والرمل الذي يتكلّم
- الجزائر: أنغام الماضي، إبداعات الحاضر، ونكهات الحياة
- الجزائر: الطبيعة الصامتة، الصحراء الذهبية، وواحات الحياة
- الجزائر: أنفاس الإبداع وروح الجمال
- الجزائر: وجه البحر، ذاكرة الجبال، وأنفاس المدن التي لا تنام
- – الجزائر: القلب العميق للصحراء الكبرى
- الطلاق كدرس… الرحلة نحو الوعي والحكمة
- بعد الانفصال… أثر الطلاق على قلب الإنسان ومستقبله
- العائلة والمجتمع بين الانفصال والوحدة
- الأطفال بين شظايا الحب
- حين يتحول الحب إلى صمت
- غويانا الفرنسية – نهاية الحوض وبداية الرحلة الجديدة
- : فنزويلا – الأنهار المتقاطعة ومرتفعات غويانا
- : الإكوادور – نقطة التقاء خط الاستواء مع الغابة
- بوليفيا – حيث تتصارع الهضاب والمناخات
- كولومبيا – الغابة التي تحرس أسرارها
- البرازيل – قلب الحوض، عندما يصبح الوطن نهراً
- حين يبدأ النهر بالهمس… وتستيقظ الأرض من الماء
- «حين يُصغي القلب إلى حكمة الكون»


المزيد.....




- الشيوخ الأميركي يقرّ ميزانية دفاعية بقيمة 901 مليار دولار
- باكستان تتحدث عن -حملة تضليل- ربطتها بهجوم شاطئ بوندي الدموي ...
- -الصفقة الأكبر في تاريخ إسرائيل-.. نتنياهو يصادق على اتفاق غ ...
- -أكبر صفقة في تاريخ إسرائيل-.. نتنياهو يصادق على اتفاقية ضخم ...
- خبير عسكري يرجح أن تبدأ أميركا حربا جوية على فنزويلا
- مرشح رئاسي سابق: تغيير السلطة في تونس حتمي
- احتجاز الناقلة -سكيبر- يصعّد الحرب الأميركية على نفط فنزويلا ...
- لا خيام مقاومة للماء ولا بيوتا متنقلة للإيواء ولا شبكة صرف ص ...
- تفاقم الأزمة الإنسانية بسبب توتر الحدود بين تايلند وكمبوديا ...
- نتنياهو يعلن -أكبر صفقة غاز لإسرائيل على الإطلاق- مع مصر


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - – ليبيا: الأرض التي تمتدّ من زرقة المتوسط إلى قلب الصحراء المشتعلة، بلاد الحضارات المنسية والثروات الحاضرة