أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بسام العمري - العائلة والمجتمع بين الانفصال والوحدة














المزيد.....

العائلة والمجتمع بين الانفصال والوحدة


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 02:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين ينهار الحب بين زوجين، لا ينهار فقط جدار الغرفة أو سقف البيت، بل تنهار أسس بيئة كاملة، ويشعر المجتمع بصدى الصراع قبل أن يسمعه.
الطلاق ليس حادثًا فرديًا، بل موجة تتسع، تطال الأسرة الممتدة، الأصدقاء، الجيران، وحتى شبكة العلاقات الاجتماعية التي تشكل الحياة اليومية لكل فرد.
الأطفال، كما رأينا، هم الشريحة الأولى المتضررة، لكن الأسرة والمجتمع يتأثران أيضًا بشكل غير مباشر.
دراسات اجتماعية حديثة تظهر أن المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات الطلاق تتعرض لانخفاض في التماسك الاجتماعي، وارتفاع في نسب الانعزال الاجتماعي، وحتى تراجع مستويات الالتزام المجتمعي. أبحاث علم الاجتماع الأسري تشير إلى أن الطلاق يغير ديناميكيات الدعم الاجتماعي بين الأقارب، ويضعف قدرة الأجيال القادمة على بناء شبكة أمان اجتماعي قوية.
من منظور فلسفي، يرى هاننا أرندت أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وأن انهيار العلاقات القريبة يترك أثرًا على قدرته في التواصل مع المجتمع الأوسع. فالطلاق يعكس أزمة التوازن بين الحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية؛ صراع يتجاوز الزوجين ليصل إلى دائرة أوسع من العلاقات الإنسانية.
الدين هنا يقدم التوجيه والرؤية:
القرآن يذكرنا بأهمية حماية المجتمع والأسرة:
"وَلاَ تَسْتَبِدُّوا بِالأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (الأنعام: 141)
فالطلاق، إذا تحوّل إلى صراع مفتوح، يخلق فسادًا معنويًا واجتماعيًا، ليس فقط بين الزوجين، بل في المحيطين بهم.
كما أن السنن النبوية تحث على الحفاظ على الوِداد والرحمة داخل الأسرة:
"أحبوا لأخيك ما تحب لنفسك" (حديث حسن)
وهذه القاعدة تتجاوز الفرد، فهي دعوة للحفاظ على شبكة الأمان المجتمعي، وحماية الأبرياء من آثار الخلافات المستمرة.
الشواهد الرمزية تتكاثر:
• الجدة التي ترى حفيدها يبتعد عن الأقارب، وتشعر بعزلة البيت بعد انفصال ابنها.
• الجار الذي لم يعد يسمع ضحكات الأطفال في الشرفة، ويلاحظ الفراغ الذي تركه الطلاق في الحياة اليومية.
• الأخ الذي يحاول تهدئة والدته المسنّة، في حين تشغلها صراعات الزوجين وأثرها النفسي على الأسرة بأكملها.
الدراسات النفسية تشير أيضًا إلى أن الأطفال الذين يكبرون في بيئة فيها طلاق متكرر في الأسرة الممتدة، يطورون شعورًا بالشك في العلاقات، وقد يميلون لاحقًا إلى الانعزال أو التعلق الزائد بالأصدقاء بدل الأسرة.
وعلى مستوى المجتمع، تشير إحصاءات عالمية إلى أن ارتفاع معدلات الطلاق مرتبط بزيادة الضغط النفسي، تراجع المشاركة المدنية، وأحيانًا ارتفاع معدلات الفقر بين الأسر المفككة، مما يوضح أن الطلاق ليس قضية شخصية فحسب، بل قضية اجتماعية بامتياز.
لكن مع ذلك، يبقى هناك ضوء. يمكن للعائلة والمجتمع أن يخففا من آثار الطلاق إذا اتخذ الوالدان خطوات واعية:
• حماية الأطفال من المشهد العنيف للنزاعات.
• الحوار المفتوح بين الأسرة الممتدة والجيران لتقليل انعكاسات الصراع.
• البحث عن حلول وسط تحفظ كرامة الجميع، بعيدًا عن الانفصال السريع.

الطلاق ليس حلًّا بسيطًا. إنه عملية تحرك موجة أوسع من الألم النفسي والاجتماعي. كل قرار انفصال يحمل مسؤولية أخلاقية تجاه الأبناء، الأسرة، والمجتمع. في كل لحظة غضب، كل كلمة جارحة، كل صمت مطبق، هناك فرصة لإعادة التفكير، للحوار، للحفاظ على الأمان النفسي والاجتماعي للآخرين، قبل أن يتحول الصراع إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأطفال بين شظايا الحب
- حين يتحول الحب إلى صمت
- غويانا الفرنسية – نهاية الحوض وبداية الرحلة الجديدة
- : فنزويلا – الأنهار المتقاطعة ومرتفعات غويانا
- : الإكوادور – نقطة التقاء خط الاستواء مع الغابة
- بوليفيا – حيث تتصارع الهضاب والمناخات
- كولومبيا – الغابة التي تحرس أسرارها
- البرازيل – قلب الحوض، عندما يصبح الوطن نهراً
- حين يبدأ النهر بالهمس… وتستيقظ الأرض من الماء
- «حين يُصغي القلب إلى حكمة الكون»
- علمني حبك سيدتي أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أح ...
- رحلة النفس الإنسانية بين الصراع والسلام الداخلي: من النفس ال ...
- من نظر إلى الناس بعين العلم مقتهم، ومن نظر إليهم بعين الحقيق ...
- من وهم الظنون إلى يقين الحقائق: نظرة أخلاقية وفكرية
- رحلة الروح نحو النور
- حين يتصوّف الأدب الفرنسي: رحلة من الرمز إلى الكشف
- مراثي الكرسي رقم 7
- أنشودة الضوء – إفريقيا التي لا تموت
- غناء الضوء في الغابة العتيقة
- بحيرة مالاوي: مرآة السماء ومهد الأساطير


المزيد.....




- فرنسا تفتح تحقيقا بعد رصد مسيرات فوق قاعدة تابعة لقوة الردع ...
- علماء يعلنون عن -اكتشاف استثنائي- لمئات التماثيل الجنائزية ف ...
- أفريكا ريبورت: اتفاق الكونغو ورواندا موقَّع بالأيدي لا بالقل ...
- غزة مباشر.. الاحتلال ينسف مباني بالقطاع والداخلية تدعو أفراد ...
- قاعدة بيانات تدعم تصنيف تنظيم إخوان السودان جماعة إرهابية
- بيان عربي إسلامي يرفض تصريحات إسرائيل بشأن معبر رفح
- شاهد.. إنقاذ عاملي تنظيف نوافذ علقا على ارتفاع 15 طابقًا
- تحذير عربي - إسلامي من -تهجير الفلسطينيين-: 8 دول بينها مصر ...
- سيناريو روسي يتخيّل حربًا مع أوروبا: صواريخ باليستية يتبعها ...
- لوموند: على فرنسا أن تستعد لتفادي شتاء ديمغرافي قاس


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بسام العمري - العائلة والمجتمع بين الانفصال والوحدة