أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - الجزائر: أنفاس الإبداع وروح الجمال














المزيد.....

الجزائر: أنفاس الإبداع وروح الجمال


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 04:50
المحور: السياحة والرحلات
    


إذا كانت الجزائر تتنفس من خلال صحرائها وجبالها وسواحلها، فهي تتنفس أيضًا من خلال إبداع سكانها، من فكرهم وفنهم، ومن روحهم التي لم تتوقف عن الكتابة والرسم والغناء منذ آلاف السنين. الجزائر هنا ليست مجرد مكان، بل فضاء حيّ من الحكاية والجمال والخيال.
تبدأ القصة مع الفنون التقليدية: الزرابي التي تملأ البيوت بألوانها وتخاطب العين والروح معًا، والفخار الذي لا يكتفي بالشكل، بل يحمل على سطحه أشكال الحياة القديمة، الرموز والأسرار. في كل قطعة فنية، يسمع المتأمل صدى الأجداد وهم يخطّون قصصهم على الأرض وعلى الحجر. وفي الأسواق الشعبية، حيث يمتزج الزوار والسكان المحليون، تتقاطع يد الحائك مع يد الشاب المغامر، ويصبح كل سوق عرضًا حيًا للتقاليد التي لم تتوقف عن التجدد.
أما الموسيقى الجزائرية، فهي حياة أخرى تتداخل مع كل لحظة: من الراي الذي صرخ في مدن وهران، إلى المالوف الذي يشبه تموج البحر في قصور قسنطينة، إلى المزج بين الطبلة والبندير، وكأن كل إيقاع يحكي صراعًا أو فرحًا أو حبًا. الموسيقى هنا ليست زخرفة للوقت، بل لغة روح، تتجاوز الكلمات، تجعل الإنسان يشعر أنه جزء من شيء أكبر من نفسه، جزء من الجزائر نفسها.
ولا يقلّ عن ذلك المطبخ الجزائري، الذي يحمل ذكريات البحر والجبال والصحراء، نكهات تجمع بين البحر الأبيض المتوسط، والنخيل، والأعشاب البرية، والتوابل البربرية. الكسكس المحضّر على الطريقة التقليدية، الطاجين باللحم أو السمك، البسطرمة، الحلويات باللوز والعسل، كلها أشكال من التاريخ المطبخي الحيّ، الذي لا يكتفي بإشباع الجوع، بل يغذي الروح ويعيد ربط الإنسان بأرضه.
وعندما ننتقل إلى المخيال الشعبي والأساطير، نجد الجزائر كنزًا من القصص والأساطير التي تحيّي الذاكرة الجماعية: الجن في الكهوف، الأساطير الأمازيغية عن الأبطال الخارقين، قصص البحر والملاحين، حكايات القبائل البدوية التي تنتقل شفهيًا من جيل إلى جيل. كل أسطورة هنا هي مرآة للروح الجزائرية، تعلم الإنسان الصبر والحكمة، وتجعله يعرف قيمة الحرية، قوة التضامن، وأهمية الأرض.
أما الأدب الجزائري، فقد كتب عبر التاريخ تاريخ الأمة وأحلامها، من شعراء الأندلسيين المنفيين، إلى الأسماء الحديثة مثل مالك حداد، محمد ديب، واسيني الأعرج. كل نص أدبي يروي صراع الهوية والانتماء، الحب والثورة، الأمل واليأس، الحقيقة والخيال. الأدب هنا هو الجسر الذي يجعل الجزائر تفهم نفسها وتُفهِم العالم، كما لو كانت كل كتاباتها نافذة تطل على الأبدية.
ولا يكتمل الحديث عن الإبداع إلا بالحديث عن السينما الجزائرية، التي صارت صوتًا عالميًا منذ فيلم "الجزائر الحرة"، مرورًا بأفلام جمال بن سالم ومراد بن حسين وغيرهم. السينما الجزائرية ليست مجرد تصوير للواقع، بل تجربة فلسفية وعاطفية، رؤية تعكس التاريخ، الجغرافيا، الإنسان، وصراعه مع الذات والآخر. كل إطار سينمائي يقدّم الجزائر كما لو كانت شخصية حيّة، تتنفس، تحب، تحلم، وتقاوم.
وعندما ننظر إلى العلاقات الخارجية، نرى الجزائر كدولة تمتلك تاريخًا دبلوماسيًا غنيًا، من دعمها لحركات التحرر في إفريقيا وآسيا، إلى موقفها المستقل في المنظمات الدولية. لكن الجزائر هنا لا تُقاس بالقوة السياسية فقط، بل بقدرتها على أن تكون جسراً بين الحضارات، بين البحر والصحراء، بين الماضي والحاضر، بين الشرق والغرب.
في النهاية، تصبح الجزائر في هذه الحلقة الثالثة مدينة تتوسع بلا حدود، لا في الجغرافيا فقط، بل في الروح، والخيال، والإبداع. كل شارع، كل نافذة، كل سوق، كل حرف مكتوب، كل نغمة موسيقية، وكل طبق يُطهى، هو حكاية حية عن وطن يعرف كيف يظل حيًّا في قلب سكانه، وفي قلب العالم كله.
وهكذا، تنبض الجزائر بالحياة من جديد، ليس فقط من خلال رمالها أو جبالها، بل من خلال الفن، الإبداع، التاريخ، الطهو، الأساطير، الأدب، السينما، والدبلوماسية، لتصبح تجربة كاملة لكل من يعيشها أو يتخيلها. إنها الجزائر كما لا يراها إلا من يجرؤ على الغوص في روحها العميقة، الجزائر التي لا تتوقف عن الحديث، عن الحلم، عن الإبداع.
________________________________________



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزائر: وجه البحر، ذاكرة الجبال، وأنفاس المدن التي لا تنام
- – الجزائر: القلب العميق للصحراء الكبرى
- الطلاق كدرس… الرحلة نحو الوعي والحكمة
- بعد الانفصال… أثر الطلاق على قلب الإنسان ومستقبله
- العائلة والمجتمع بين الانفصال والوحدة
- الأطفال بين شظايا الحب
- حين يتحول الحب إلى صمت
- غويانا الفرنسية – نهاية الحوض وبداية الرحلة الجديدة
- : فنزويلا – الأنهار المتقاطعة ومرتفعات غويانا
- : الإكوادور – نقطة التقاء خط الاستواء مع الغابة
- بوليفيا – حيث تتصارع الهضاب والمناخات
- كولومبيا – الغابة التي تحرس أسرارها
- البرازيل – قلب الحوض، عندما يصبح الوطن نهراً
- حين يبدأ النهر بالهمس… وتستيقظ الأرض من الماء
- «حين يُصغي القلب إلى حكمة الكون»
- علمني حبك سيدتي أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أح ...
- رحلة النفس الإنسانية بين الصراع والسلام الداخلي: من النفس ال ...
- من نظر إلى الناس بعين العلم مقتهم، ومن نظر إليهم بعين الحقيق ...
- من وهم الظنون إلى يقين الحقائق: نظرة أخلاقية وفكرية
- رحلة الروح نحو النور


المزيد.....




- هكذا ردت زعيمة المعارضة في فنزويلا على سؤال بشأن تأييد التدخ ...
- فيديو متداول لـ-فيضانات شديدة في كردستان العراق-.. هذه حقيقت ...
- شباب المنطقة في مواجهة تغيّر المناخ
- المغرب والسعودية في مواجهة طموح سوريا وفلسطين في ربع نهائي ك ...
- سيناتور أمريكي: محمد بن سلمان -سيُقتل- إذا لم يحقق نتيجة أفض ...
- فيديو- فيضانات جارفة تضرب إقليم كردستان العراق وتودي بحياة 3 ...
- بعد مقتل أبو شباب.. جماعات مناهضة لحماس تواصل التجنيد وتثير ...
- انهيار 3 مبان في غزة بسبب المنخفض الجوي والفيضانات تغمر القط ...
- لافروف يهدد أوروبا ويطمئنها بذات الوقت
- إحباط هجوم انتحاري يستهدف أكاديمية عسكرية بمقديشو


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - الجزائر: أنفاس الإبداع وروح الجمال