أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - رحاة الضياء














المزيد.....

رحاة الضياء


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 02:49
المحور: الادب والفن
    




في سكون الليل وهدوء السحر، حيث يتلاقى الزمن مع الأبدية، ويختفي ضجيج الدنيا، يجد القلب نفسه في حضرة الخالق، ويبدأ رحلته نحو الفناء في الحب الإلهي. هنا، حيث تُرفع الحجب عن بصيرة الروح، تتلاشى حدود الزمان والمكان، وتتحرر الروح من قيود الجسد والمادية، لتسبح في بحر من النور والسكينة، بحثًا عن السلام الذي لا يُدرك إلا بوصال الحق.
يتردد في أذن القلب صوت هادئ، قادم من أعماق الغيب، صوت يُخاطب الروح بلطف وحنان، يدعوها للاستيقاظ من سباتها العميق. هذا النداء، الذي يأتي من مكان بعيد وغير منظور، هو دعوة للعروج، للتخلي عن شواغل الدنيا والانغماس في حب الله الذي لا ينضب. إنه نداء يتجاوز كل ضجيج الحياة، ويصل مباشرة إلى عمق الروح، ليحرك فيها شعورًا عميقًا بالحب والتسليم.
في هذه اللحظات المقدسة، التي تنكشف فيها أسرار الوجود، يشعر الإنسان بمدى ضآلة الدنيا وضيقها مقارنة بعظمة الله وسعة رحمته. يتجلى له كيف أن كل شيء في الدنيا زائل، وكل لذة دنيوية مؤقتة، بينما الحب الإلهي هو الباقي، هو النور الذي يضيء الطريق أمام الروح، وهو المنبع الحقيقي للسلام الداخلي. حينها، يتعلم الإنسان أن الدنيا بكل ما فيها من متع ومغريات لا تساوي شيئًا أمام لذة القرب من الله، ذلك القرب الذي يمنح القلب راحة لا تضاهيها راحة.
في هذا الفناء في الحب الإلهي، تجد الروح السلام والاطمئنان الذي طالما بحثت عنه. فالغد، بكل ما يحمله من غموض وأمل، لا يمكن الوثوق به، إذ كم من آمال بنيت على مستقبل مجهول، وكم من أحلام تحطمت عند عتبة اليوم. هذه اللحظات من التأمل والتجلي تجعل الإنسان يدرك أن اللحظة الحاضرة هي الحقيقة الوحيدة التي يجب أن نعيشها بكل تفاصيلها. فالحاضر هو الفرصة الثمينة التي منحت لنا لنتقرب من الله، ونستمتع بجمال الحب الإلهي الذي يملأ القلب نورًا، ويغمر الروح بسلام عميق لا يوصف.
في هذه الأوقات، يجد الإنسان نفسه وجهاً لوجه مع نفسه، ومع خالقه. يبدأ في مراجعة ذاته، يتساءل عن معنى الحياة، وعن دوره فيها. يجد أن الحياة ليست مجرد سعي وراء الماديات، بل هي رحلة روحية نحو الحقيقة. في هذه الرحلة، يتعلم الإنسان أن الجمال الحقيقي لا يكمن في الدنيا وزينتها، بل في القرب من الله، في اكتشاف سر الوجود، وفي التذوق العميق لجمال الحب الإلهي.
القلوب المتعطشة تجد في هذا الحب ملاذها الأخير. تلك القلوب التي أرهقها البحث عن الجمال في الدنيا، تجد في حب الله جمالًا أبديًا لا يزول. كم من إنسان سار في دروب الدنيا بحثًا عن السعادة، لكنه لم يجدها إلا حينما استسلم لحب الله، حينما فني في هذا الحب ووجد فيه كل ما كان يبحث عنه. وما قيمة يوم يمضي دون أن نعشق فيه الله؟ دون أن نتذوق حلاوة القرب منه؟ إن الروح المتلهفة لعناق السماء، تجد في هذا الحب الإلهي ملاذها، حيث تتلاشى كل أوجاع الدنيا وهمومها، وتصبح الروح مشبعة بنور اليقين، غير عابئة بكل ما قد يحدث في الدنيا من متغيرات.
عند هذه النقطة، يبدأ الإنسان في إدراك أن الله قريب، وأنه معنا في كل لحظة، يراقبنا بعينه التي لا تنام. حينما يصل الإنسان إلى هذا الفهم، يتحرر من الخوف، يتعلم أن الدنيا ليست سوى دار عبور، وأن ما ينتظره في الآخرة هو الأهم. يتعلم أن السعادة الحقيقية لا تأتي من تحقيق الرغبات الدنيوية، بل من الرضا بما قسمه الله، ومن التسليم المطلق لإرادته.
وفي نهاية المطاف، يعود الإنسان إلى ذاته، بعد أن يكون قد تذوق طعم الحب الإلهي، ليجد نفسه وقد تغيرت رؤيته للعالم. فالليل والنهار يتواليان، والنجوم تستمر في دورانها، لكن الروح التي تذوقت هذا الحب، أصبحت ترى العالم بعين جديدة، عين ملؤها النور والإيمان، تبحث عن السلام في كل شيء، وتجد في كل لحظة من لحظات حياتها فرصة للتقرب أكثر إلى الله.
هذه الرؤية الجديدة تخلق في الإنسان حالة من الصفاء الداخلي، حيث يتعلم أن يسامح، أن يحب بلا شروط، أن يعطي بلا مقابل. في هذا الصفاء، يكتشف أن الحياة ليست سوى فرصة للتزود للآخرة، وأن كل عمل صالح يقوم به، وكل لحظة يقضيها في ذكر الله، تضاف إلى رصيد لا ينفد، رصيد من السعادة الأبدية التي لا تنتهي.
هكذا، يصبح الإنسان مستعدًا لأي شيء قد يأتي به القدر، فهو يعلم أن الله معه، وأنه لن يخذله أبدًا. في هذا الفناء في الحب الإلهي، يجد الإنسان القوة والشجاعة لمواجهة الحياة، ويجد السلام الذي طالما بحث عنه. ومن هنا، يبدأ الإنسان في بناء علاقة أبدية مع الله، علاقة تقوم على الحب والتسليم، علاقة لا تنفصم عراها حتى بعد الموت.
فالليل والنهار يتواليان، والنجوم تستمر في دورانها، لكن الروح التي تذوقت هذا الحب، أصبحت ترى العالم بعين جديدة، عين ملؤها النور والإيمان، تبحث عن السلام في كل شيء، وتجد في كل لحظة من لحظات حياتها فرصة للتقرب أكثر إلى الله.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تنعكس الشمس على ملامحها
- المقامة الهمذانية في الزمنِ المهزوم
- **الزمن بوصفه قدرًا: قراءة في مأساة الوعي والاغتراب في «أهل ...
- «حين يتحرّك السكون»
- النيجر: قلب الصحراء الذي يمشي بين ضوءين
- – ليبيا: الأرض التي تمتدّ من زرقة المتوسط إلى قلب الصحراء ال ...
- مالي: المملكة التي مشت فوق الذهب، ونامت على ضفاف النيجر، وظل ...
- موريتانيا: بلاد البيضان والمحيط والرمل الذي يتكلّم
- الجزائر: أنغام الماضي، إبداعات الحاضر، ونكهات الحياة
- الجزائر: الطبيعة الصامتة، الصحراء الذهبية، وواحات الحياة
- الجزائر: أنفاس الإبداع وروح الجمال
- الجزائر: وجه البحر، ذاكرة الجبال، وأنفاس المدن التي لا تنام
- – الجزائر: القلب العميق للصحراء الكبرى
- الطلاق كدرس… الرحلة نحو الوعي والحكمة
- بعد الانفصال… أثر الطلاق على قلب الإنسان ومستقبله
- العائلة والمجتمع بين الانفصال والوحدة
- الأطفال بين شظايا الحب
- حين يتحول الحب إلى صمت
- غويانا الفرنسية – نهاية الحوض وبداية الرحلة الجديدة
- : فنزويلا – الأنهار المتقاطعة ومرتفعات غويانا


المزيد.....




- يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي
- رحيل الممثل الأميركي جيمس رانسون منتحرا عن 46 عاما
- نجم مسلسل -ذا واير- الممثل جيمس رانسون ينتحر عن عمر يناهز 46 ...
- انتحار الممثل جيمس رانسون في ظروف غامضة
- فيلم -القصص- يحصد التانيت الذهبي في ختام أيام قرطاج السينمائ ...
- مدينة أهواز الإيرانية تحتضن مؤتمر اللغة العربية الـ5 + فيديو ...
- تكريمات عربية وحضور فلسطيني لافت في جوائز -أيام قرطاج السينم ...
- -الست- يوقظ الذاكرة ويشعل الجدل.. هل أنصف الفيلم أم كلثوم أم ...
- بعد 7 سنوات من اللجوء.. قبائل تتقاسم الأرض واللغة في شمال ال ...
- 4 نكهات للضحك.. أفضل الأفلام الكوميدية لعام 2025


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - رحاة الضياء