أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مهدي محمد - قصة قصيرة الجولة المفتوحة














المزيد.....

قصة قصيرة الجولة المفتوحة


صالح مهدي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 18:54
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
الجولة المفتوحة

لا يتذكر كيف دخل. لم تكن هناك بوابة ولا إشارة بدء. كل ما يعرفه أن اللعبة كانت موجودة، تحيط به كما يحيط الهواء بالجسد: لا تُرى، لكن لا يمكن تجاهلها. وجد نفسه مشاركا فيها فجأة؛ ليس لاعبا كامل الحرية، ولا متفرجا بريئا. القواعد لم تُعلَن يوما، لكنها كانت تعمل بدقة صارمة، تُفهم بالتلميح، وتنهار فور الاطمئنان إليها.
في البداية بدا كل شيء بسيطا. خطوة إلى الأمام تُقابل برضا غامض، وخطوة إلى الخلف تُقابل بتجاهل بارد. لكن الرضا كان يتأخر بلا سبب، والتجاهل يطول حتى يتحول إلى إدانة صامتة. وحين خطرت له فكرة السؤال، أدرك أن السؤال نفسه حركة غير مسموح بها.
المكان بلا حدود واضحة. الأرض تتبدل تحت قدميه؛ مرة صلبة كقناعة موروثة، ومرة رخوة كتردد طارئ. الوجوه مألوفة إلى حد الإرباك؛ بعضها يعكس ماضيه، وبعضها يبدو كاختبار لما يمكن أن يصير إليه. هناك التقى بطاهر، وتوفيق، وكمال.
كان توفيق أكثرهم حكمة. يمشي بهدوء من يعرف الخسارة مسبقا، فلا يحتج عليها. قال له وهما يعبران ممرا ضيقا:
– لا تُرهق نفسك بمحاولة فهم كل شيء… اعرف فقط أين تقف الآن.
سأله:
– وأين أقف؟
ابتسم توفيق ابتسامة ناقصة:
– هذا يتغير دائما. وهذه أول قاعدة لا تُقال.
أما طاهر فكان حركة دائمة؛ سريعا، ضاحكا، كأن السرعة درع ضد التفكير. يخسر ثم ينهض فورا، وكأن الخسارة تدريب لا عقوبة. أشار إلى لوحة خالية من الأرقام:
– النقاط لا تُحسب كما تتصور. المهم أن تبقى ظاهرا.
– وإن كانت الحركة خاطئة؟
ضحك:
– التوقف هو الخطأ الوحيد.
كمال، على العكس، كان يقف دائما عند الحافة. يراقب ويدوّن في دفتر صغير. وحين سُئل عما يكتب، قال دون أن يرفع رأسه:
– ما يُطلب منا ألّا نراه.
ضحك طاهر، وصمت توفيق، كأن الجملة مرّت في مكان حساس.
مع تقدم الجولات، لم تعد المهام مرتبطة بالفعل وحده، بل بنيته وتوقيته وما يخفيه اللاعب خلف ملامحه. كان عليه أن يضحك في اللحظة المناسبة، وأن يتألم بلا أثر، وأن يختار بسرعة، لأن البطء يُسجَّل عليه. النقاط تُمنح لأشياء غير مرئية، وتُسحب لأسباب لا يشرحها أحد.
في جولة غير معلّمة، خفف خطوه. لم يكن تمردا، بل اختبارا. نصف خطوة فقط. التفت إليه كمال وقال بهدوء:
– الإبطاء هنا يُفهم كخروج.
– خروج إلى أين؟
رفع كمال عينيه:
– تصبح أنت الساحة… لا اللاعب.
في تلك اللحظة تغير كل شيء: الإضاءة، الوجوه، وحتى الصمت. أدرك أن الوقوف حركة، وأن الحياد خيار غير موجود. شدّ طاهر ذراعه:
– تعال… الجولات لا تنتظر أحدا.
لكن توفيق وضع يده على كتفه:
– اتركه… بعض المعنى لا يظهر إلا في المنتصف.
هناك، في الفراغ بين حركة وأخرى، سمع صوته الداخلي بوضوح: لم أختر الدخول، كما لم أختر اسمي ولا زمني، ومع ذلك يُطلب مني أن ألعب. إن تحركت بلا وعي استُهلكت، وإن توقفت عوقبت. اللعبة لا تريد فائزين، بل مستمرين. كل جولة تشبه عمرا، وكل نقطة محاولة لإثبات معنى. لكن ما لا يدخل في الحساب… هو وحده ما يجعلني إنسانا.
لم يُعلَن فائز، ولم تُسجَّل خسارة نهائية. انتهت الجولة فحسب. طاهر استعد لأخرى، كمال أغلق دفتره، وتوفيق نظر بعيدا كأنه يقيس مسافة لا تُرى.
أما هو فبقي في مكانه، مدركا أن اللعبة ستستمر بأسماء مختلفة وأقنعة أذكى، وأنه لا يستطيع كسرها ولا الانسحاب منها. لكنه تعلّم أمرا واحدا: أن يحمي ذلك الجزء الصغير غير المكتوب في القواعد، الجزء الذي لا يدخل في الحسابات، لأنه الدليل الوحيد على أنه لم يتحول بالكامل إلى لاعب آلي.



#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة أثرٌ لا يجفّ
- السفر إلى المستقبل… عبر تطبيقات الهاتف
- هوس المبالغة… حين يتحوّل كل شيء إلى حدث تاريخي
- النجاح صفة من يقود الحياة
- الوعي الصفة الأكثر قوة في الشخصية
- ثقافة الاختلاف والتعدد : هل يمكن للثقافة أن تزدهر دون تنوع؟
- كانت أحلاما
- دور القراءة في الوعي
- الراتب ومحاولة الاقتصاد في الصرف
- يوم منظم... أو هكذا نعتقد!
- القراءة... سؤال الوعي في زمن السرعة
- رجل المعرفة… أو هكذا يظن!
- التاريخ يعيد نفسه
- قصة قصيرة : حارس النسيان
- اللمسة الأولى
- بين الإنسانية والسياسة وحدها تظهر ملامح الاستكبار
- قصة قصيرة : دكّان الضوء
- قصة قصيرة : العائدون من الغياب
- مقال بعنوان : لغة الإعلام السياسي وتوصيفات الخطاب
- الإدراك والفهم السياسي المجتمعي بين الوعي والممارسة


المزيد.....




- وفاة الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- رحيل محمد بكري.. سينمائي حمل فلسطين إلى الشاشة وواجه الملاحق ...
- اللغة البرتغالية.. أداة لتنظيم الأداء الكروي في كأس أمم أفري ...
- بعد توقف قلبه أكثر من مرة.. وفاة الفنان المصري طارق الأمير ع ...
- نجوم يدعمون الممثل الأميركي تايلور تشيس بعد انتشار مقاطع فيد ...
- إقبال متزايد على تعلم اللغة التركية بموريتانيا يعكس متانة ال ...
- غزة غراد للجزيرة الوثائقية يفوز بجائزة أفضل فيلم حقوقي
- ترميم أقدم مركب في تاريخ البشرية أمام جمهور المتحف المصري ال ...
- بمشاركة 57 دولة.. بغداد تحتضن مؤتمر وزراء الثقافة في العالم ...
- الموت يغيب الفنان المصري طارق الأمير


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مهدي محمد - قصة قصيرة الجولة المفتوحة