أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مهدي محمد - قصة قصيرة : دكّان الضوء














المزيد.....

قصة قصيرة : دكّان الضوء


صالح مهدي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 00:28
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
دكّان الضوء

في الزقاق الذي يلتفّ مثل جرحٍ قديم حول نفسه، كان الناس يمرّون صباحًا كمن يسير داخل ذاكرته. بيوتٌ متداعية، غسيلٌ يلوّح ببلادةٍ فوق الأسطح، أصواتُ الباعة تتداخل مع نباحٍ بعيدٍ لكلبٍ لا أحد يعرف لمن. في منتصف ذلك الزقاق، يقبع دكّانٌ صغير، بابُه من خشبٍ شاحب، ونوافذُه تئنّ مع الريح كأنّها تتذكّر من مرّوا أمامها ولم يعودوا.

فوق الباب لوحة خشبية باهتة كتب عليها بخطٍ متعب: "الضوء للبيع".

ضحك الناس يوم عُلّقت اللوحة، وقالوا إنّ صاحب الدكّان قد خرف، وإنّ الفقر دفعه إلى بيع المستحيل. غير أنّ أحدًا لم يجرؤ على السخرية في وجهه. كان العجوز يجلس على كرسيٍّ مائل، يضع أمامه مصباحًا مطفأً، وعلبة صغيرة من صفيحٍ صدئ، يفتحها أحيانًا ليحدّق فيها طويلاً، ثمّ يغلقها كما لو أن شيئًا في داخلها ينام ولا يريد إيقاظه.

مرّت الأيّام، وتحوّل فضول الناس إلى عادة. لم يكن أحد يعرف ماذا يُباع في ذلك الدكّان. لكن في كلّ مساء، كانت وجوهٌ مختلفة تدخل وتخرج، بملامحَ أكثر هدوءًا، أو انكسارًا، أو وهجًا غريبًا لا يُفسَّر.
المرأة التي فقدت ابنها في الحرب دخلت يومًا وهي تبكي، وخرجت تبتسم بصمتٍ غريب.
العجوز الأعمى جاء متّكئًا على حفيده، ثم خرج وحده، يمشي كمن يرى شيئًا لا يراه الآخرون.

الفتى الذي يكنس الزقاق، وكان أذكى من أن يكتفي بالمراقبة، سأل العجوز في صباحٍ رمادي:
– ما هذا الضوء الذي تبيع؟
ابتسم العجوز وقال:
– لا أبيع ما يُضاء، بل ما أُطفئ.

لم يفهم الفتى، لكنّ الجملة ظلّت تسكن رأسه أيّامًا. كان كلّ من يخرج من الدكّان ينظر إليه نظرةً غامضة، كأنّهم يشاركونه سرًّا لا يُقال.

ذات ليلة، بعد أن انصرف الناس إلى بيوتهم، قرّر الفتى أن يتسلّل إلى الداخل.
فتح الباب بصمتٍ، فوجد المكان فارغًا إلّا من رائحة غريبة تشبه الحنين، ومنضدةٍ عليها مئات العلب المعدنية الصغيرة. كلّ علبة تحمل نقشًا مختلفًا: ذكرى، ظلّ، خوف، حبّ، صمت، وجه، حلم، زمن...
مدّ يده إلى إحداها وفتحها. انبثق منها ضوءٌ خافت، ليس كالنور، بل كخفقانٍ دافئ. رأى فيه وجهه وهو طفل، يضحك عند النهر قبل أن يعرف الخسارة. أغلقها مذعورًا، فاختفى الضوء.

خرج الفتى مسرعًا إلى الزقاق، فوجد العجوز واقفًا عند الباب، ينظر إليه دون غضب.
قال بهدوء:
– لقد سرقتَ من نفسك ما لم تعد تتذكّره.

منذ تلك الليلة، لم يُفتح الدكّان مجددًا.
في الصباح، وجد الناس المكان خاليًا، لا بابًا ولا لوحة، فقط أرضيةٌ تلمع بنورٍ غامضٍ كأنّها تذكر كلّ ما عُرض فيها للبيع.
قال أحدهم إنّ العجوز باع آخر ما يملك: ضوءه.
وقال آخر إنّ الدكّان لم يكن موجودًا أصلًا، بل هو صورةٌ من داخلنا، حيث نحاول أن نشتري أنفسنا كلّما أظلمت الروح.

وفي المساء، حين تهدأ الأزقّة، يلمع الضوء الخفيف في عيون الأطفال، كأنّه يذكّرهم بشيءٍ لم يعرفوه بعد،
بأنّ النور ليس ما نراه، بل ما نخسره حين نغلق قلوبنا.



#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة : العائدون من الغياب
- مقال بعنوان : لغة الإعلام السياسي وتوصيفات الخطاب
- الإدراك والفهم السياسي المجتمعي بين الوعي والممارسة
- قصة قصيرة وجوه الذاكرة
- نص : أماكن للتنزه
- السياسة والاعلام في زمن التواصل الاجتماعي
- عدنا ولكن
- لا يجيبني البحر
- رثاء إلى أبي
- ارتباك الكائن في مرآة الحلم
- خارج الشاشة
- ريح تهمس بظلالها
- قصة قصيرة: خرائط الرماد
- قصة قصيرة السوق الصباحي
- الصدى
- ممرات الضوء الخفي
- احلام المدن
- حوار مع الصدى
- رائحة المطر
- وجهك ملامح روحي


المزيد.....




- خريطة أدب مصغرة للعالم.. من يفوز بنوبل الآداب 2025 غدا؟
- لقاءان للشعر العربي والمغربي في تطوان ومراكش
- فن المقامة في الثّقافة العربيّة.. مقامات الهمذاني أنموذجا
- استدعاء فنانين ومشاهير أتراك على خلفية تحقيقات مرتبطة بالمخد ...
- -ترحب بالفوضى-.. تايلور سويفت غير منزعجة من ردود الفعل المتب ...
- هيفاء وهبي بإطلالة جريئة على الطراز الكوري في ألبومها الجديد ...
- هل ألغت هامبورغ الألمانية دروس الموسيقى بالمدارس بسبب المسلم ...
- -معجم الدوحة التاريخي- يعيد رسم الأنساق اللغوية برؤية ثقافية ...
- عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي ...
- حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مهدي محمد - قصة قصيرة : دكّان الضوء