أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مهدي محمد - قصة قصيرة : العائدون من الغياب














المزيد.....

قصة قصيرة : العائدون من الغياب


صالح مهدي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
العائدون من الغياب

كانت الأيام الأولى تشبه صفحةً بيضاء لم تُكتب بعد، لكن ثلاثة أسماء ظلت عالقة في هامشها: رامي، سامي، وكامل.
لم تجمعهم صدفةٌ عابرة، بل خيطٌ خفيّ من تلك الخيوط التي تنسجها الحياة حين ترغب في أن تُمتحن الأرواح معًا.
كانوا مختلفين إلى حدّ يصعب معه الفهم، ومتّصلين إلى درجة لا يفسرها المنطق.

رامي كان يمشي دائماً كمن يهرب من ظلّه، يتنقّل بين المدن والوجوه، ويترك وراءه صداقاتٍ مبتورة تشبه فروعًا قُطعت من جذعٍ واحد.
لم يعثر على صديق يشبه ما تركه في سامي وكامل.
كل الذين عرفهم أرادوا أن يقتنوا من شخصه ضوءًا لأنفسهم، لا أن يشاركوه الظلمة.
ولمّا أرهقته الوجوه المتكررة، صار يسافر داخل نفسه أكثر مما يسافر بين الأماكن، يبحث عن معنى لا يتّضح إلا وهو يتلاشى.

أما سامي، فكان يُقنع نفسه أن العقل حصنٌ من الخديعة، وأن التنظيم يحمي القلب من السقوط.
عمل في المدن العالية، بنى حوله جدارًا من الثقة المحسوبة، حتى ظنّ أنه صار محصنًا ضد الغدر.
غير أن صديقه الجديد، ذاك الذي شاركه الطموح والمكتب والأحلام، كشف له وجهًا آخر للمادة: وجهًا باردًا، ناعمًا كالرخام، يخفي تحته أنيابًا صغيرة.
في الصفقة الكبرى، لم يخسر سامي المال فقط، بل خسر إيمانه بالنية الطيبة، وأدرك أن بعض الناس يصادقون الربح لا البشر.
منذ ذلك الحين صار صوته أقل، ونظرته أكثر ارتيابًا، كمن يقيس المسافة بين القلب والخذلان قبل كل خطوة.

وأما كامل، فكان يعيش في الضفة التي يغمرها النور.
كل ما يملكه كان للآخرين: وقته، جهده، ابتسامته التي تشبه صلاة.
غاص في الأعمال الخيرية، كأنه يرمّم ما تسرّب من نفسه، لكنه لم ينتبه أن المانح حين ينسى نفسه يصبح فقيرًا في النهاية.
في ليلةٍ ممطرة، حين عاد إلى بيته وحيدًا، أدرك أن الذين أعطاهم كل شيء لم يتركوا له حتى ظلّ شكرٍ على الجدار.
لكنه لم يندم، قال في سره: "الخير لا يُقابل، الخير فقط يُقال عنه إنه كان".

مرت الأعوام كحلمٍ طويلٍ بلا نهاية، حتى جمعهم مقهى قديم كأنّ الزمان نسيهم هناك عمدًا.
جلسوا على طاولةٍ مستديرةٍ كعادتهم، غير أن ملامحهم تغيّرت.
ضحكوا أولاً خجلاً من الصمت، ثم سكتوا طويلاً كأنهم يقرأون وجوههم الجديدة في أعين بعضهم.

قال رامي:
– غريبٌ أن تتشابه المدن حين لا تجد فيها من ينتظرك.
قال سامي:
– وغريبٌ أن تتشابه الوجوه حين تعرف أنها كلها تبتسم للمصلحة.
أما كامل فتمتم:
– لا شيء يشبه صداقتنا القديمة… ربما كانت الصدقة الوحيدة التي لم يفسدها الزمن.

تلاقَت أيديهم على الطاولة كما لو كانت تتلمّس أثرًا مفقودًا.
خارج المقهى، كان المطر يعيد ترتيب الشوارع القديمة، ويغسل الغبار عن الأرصفة التي شهدت أول ضحكاتهم.
ولوهلة، شعروا أن ما يربطهم لم يكن مجرد ماضٍ، بل وعدٌ سريّ أبرموه دون أن يعلموا: أن يبقوا، رغم كل شيء، صدقة الحياة الواحدة.



#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقال بعنوان : لغة الإعلام السياسي وتوصيفات الخطاب
- الإدراك والفهم السياسي المجتمعي بين الوعي والممارسة
- قصة قصيرة وجوه الذاكرة
- نص : أماكن للتنزه
- السياسة والاعلام في زمن التواصل الاجتماعي
- عدنا ولكن
- لا يجيبني البحر
- رثاء إلى أبي
- ارتباك الكائن في مرآة الحلم
- خارج الشاشة
- ريح تهمس بظلالها
- قصة قصيرة: خرائط الرماد
- قصة قصيرة السوق الصباحي
- الصدى
- ممرات الضوء الخفي
- احلام المدن
- حوار مع الصدى
- رائحة المطر
- وجهك ملامح روحي
- ثلاثية


المزيد.....




- منتدى الفحيص يحتفي بأم كلثوم في أمسية أرواح في المدينة بمناس ...
- الطاهر بن عاشور ومشروع النظام الاجتماعي في الإسلام
- سينما الجائحة.. كيف عكست الأفلام تجربة كورونا على الشاشة؟
- فتح مقبرة أمنحتب الثالث إحدى أكبر مقابر وادي الملوك أمام الز ...
- الفنان فضل شاكر يُسلم نفسه للسلطات اللبنانية بعد 13 عاما من ...
- ابنة أوروك: قراءة أسلوبية في قصيدة جواد غلوم
- الطيب بوعزة مناقشا فلسفة التاريخ: هل يمكن استخراج معنى كلي م ...
- لبنانية تحقق حلمها الجامعي بعمر 74 عامًا وتلهم الأجيال في تخ ...
- قبول حماس لخطة ترامب.. إشكالية تختبئ خلف -اللغة الحذرة-
- ثبتها وتابع أحدث البرامج الثقافية على تردد قناة ناشيونال جيو ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مهدي محمد - قصة قصيرة : العائدون من الغياب