أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مهدي محمد - قصة قصيرة: خرائط الرماد














المزيد.....

قصة قصيرة: خرائط الرماد


صالح مهدي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 18:20
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
خرائط الرماد

الزمن لم يعد مستقيمًا. صار دوائر تتشابك ثم تتفتت، كأن الحرب نسفت الساعات من جذورها. لم يعد يفرّق بين البارحة والغد؛ كل شيء مضغوط في كتلة واحدة من صمت وغبار.

دخل يوسف المدينة. لم تكن عودة، بل وقفة عند نهاية الحرب وما خلّفته. أيُّ البيوت بقي؟ وأيُّ الأرواح ما زالت تهمس بين الجدران؟

الأزقة جروح طويلة، الأشجار أذرع يابسة، الهواء مشبع برائحة الرماد. امرأة عجوز عند أطراف المدينة تحفر بيدين مرتجفتين لتنثر البذور. قالت له حين سألها:
– نحن لا نزرع لنأكل، نحن نزرع كي لا نعترف أن الأرض ماتت.

تحرّك بأقدام متعبة نحو المدرسة، وعينه تحدّق بتمعّن في جدار مليء بأسماء الأطفال. بعض الأسماء غُسلت بمطر قديم، وبعضها بقي كأثر. لمس أحدها، فارتجف جسده كما لو صافح غائبًا.

سار يسرّع الخُطى. كان البيت العائلي مجرد باب معلّق على حائط متصدّع. فتحه فانكشفت الحديقة على عزلة كاملة. تحت الشجرة اليابسة وجد الصندوق. الصور التي بداخله تحوّلت في يديه إلى غبار مضيء؛ غبار يلتصق بالذاكرة: الجدة، الأم، رفاق الطفولة. حاول أن يمسك بعضها، لكنها تهاوت كرماد بين أصابعه.

في السوق المحترق، جلس رامي، صديق الطفولة، على حجر. قال له يوسف:
– عدتُ لأرى أيَّ شيء بقي.
ابتسم رامي ابتسامة هزيلة:
– كل ما بقي لا يشبه ما كان.

وفي المساء، رأى يوسف طفلًا يحفر بين الركام. سأله:
– ماذا تفعل؟
قال الطفل:
– أمي كانت هنا، سمعتُ صوتها أمس.
جلس يوسف إلى جانبه، ووضع يده على كتفه. لم يجد كلمات، فقط الصمت رافقهما.

ليل المدينة كان أثقل من السواد. تجمع الأصدقاء الباقون في ساحة منهارة. تبادلوا بقايا الكلام: من مات، من غاب، من صار أثرًا . لم يضحكوا، لكن بين أنقاض حديثهم اندلعت شرارات قصيرة، كأن الذاكرة رغم هشاشتها ما زالت تصر على العيش.

حين نام يوسف على عتبة بيت الجد، كانت النجوم ثقوبًا في ثوب أسود. فهم أن الماضي لا يعود، بل يتسرّب مثل ماء عنيد في الحجارة.

مع الفجر، نهض، لا يعرف إن كان سيرحل إلى جامعته ليكمل الدراسة أم يبقى. الطريق أمامه مفتوح كجرح، والمدينة خلفه تغرق في ضبابها كمن يغلق سرًّا قديمًا. أدرك أن التيه نفسه قد صار بيتًا: لا عودة ولا فراق، فقط سير في دوائر لا تنتهي. وبقي السؤال يلازمه.



#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة السوق الصباحي
- الصدى
- ممرات الضوء الخفي
- احلام المدن
- حوار مع الصدى
- رائحة المطر
- وجهك ملامح روحي
- ثلاثية
- انعطاف السير
- شظايا الهواء
- صمت يكتبنا
- إيحاءات السرد والرمزية
- وصايا الغيم للبحر
- كَأنّكَ نسيتَ أن ترحل
- طفولة
- رسائل مشفرة
- نص _ أعدك
- البحر والليل
- بقايا على الرصيف
- أنفاس الليل


المزيد.....




- فيديو.. مريضة تعزف الموسيقى أثناء خضوعها لجراحة في الدماغ
- بيت المدى يستذكر الشاعر القتيل محمود البريكان
- -سرقتُ منهم كل أسرارهم-.. كتاب يكشف خفايا 20 مخرجاً عالمياً ...
- الرئيس يستقبل رئيس مكتب الممثلية الكندية لدى فلسطين
- كتاب -عربية القرآن-: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النص ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
- إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب
- وفاة الممثل المغربي عبد القادر مطاع عن سن ناهزت 85 سنة
- الرئيس الإسرائيلي لنائب ترامب: يجب أن نقدم الأمل للمنطقة ولإ ...
- إسبانيا تصدر طابعًا بريديًا تكريمًا لأول مصارع ثيران عربي في ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مهدي محمد - قصة قصيرة: خرائط الرماد