صالح مهدي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 16:55
المحور:
الادب والفن
قراءة في قصة سروال المنامة للقاص ماجد عاطف
في قصة سروال المنامة للقاص ماجد عاطف، ينطلق السرد من واقعة شديدة البساطة, رجل يُصلح سرواله القديم باستخدام مطاط سروال آخر وجده مرميًا في الطريق. غير أن هذه البساطة تخفي وراءها طبقات من المعنى، إذ تتجاوز اللغة المباشرة حدود الحكاية اليومية لتتشبع بإيحاءات رمزية وتأملات فلسفية تمنح المشهد عمقًا إنسانيًا حقيقيًا. الجمل تمزج بين الملاحظة الخارجية والتحليل النفسي، والراوي المدون يتوغل في وعي الشخصية دون أن يمنحها اسمًا، محافظًا على مسافة تجعل التجربة عامة وقابلة للإسقاط على أي إنسان يواجه ظروفًا مشابهة.
غياب الحوار يحوّل النص إلى تدفق شعوري داخلي، حيث تتحول تفاصيل الحياة المهملة إلى نقاط ارتكاز للمعنى. الرمزية في القصة متخلية عن الزخارف البلاغية التقليدية، لكنها حاضرة بوضوح: السروال البالي بوصفه ما تبقى من كرامة يمكن ترميمها، والمطاط الممزق كإشارة إلى انهيار التماسك الداخلي، والبنطال النسائي المهمل كمورد عابر يذكّر بثيمة استثمار بقايا العالم الغني. البناء الزمني يتنقل من ذكرى قديمة إلى الحاضر، لينتهي بالفعل البسيط الذي يحمل دلالة البقاء والإصرار، فيما يتصاعد التوتر الدرامي ببطء وخفاء، من سؤال عملي إلى شبكة من التأملات عن الفقر والموت والاعتياد على الكارثة، ثم عودة إلى فعل مادي صغير كأنه تكثيف لكل ما سبق.
القصة تحافظ على تماسكها الفني بفضل انسياب السرد وعمق التأملات، ورسمها لشخصية غنية دون وصف زائد. ومع ذلك، كان يمكن للتمهيد أن يكون أوضح في الفقرات الأولى، وللانتقال بين الخواطر والفعل أن يكون أكثر نعومة، وللنهاية أن تُكثف قليلًا لتمنح القارئ شعورًا أعمق بالتحقق والنجاة الصغيرة. ومع هذا، يظل النص مثالًا على قدرة السرد البنائي على ربط تفصيل جزئي بمأساة إنسانية واسعة، وجعل مشهد إصلاح سروال أشبه بإصلاح خيط واهٍ من الحياة نفسها.
#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟