صالح مهدي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 18:14
المحور:
كتابات ساخرة
يبدو أنّ المجتمع قد وقع في حبّ المبالغة إلى درجة جعلت أبسط تفاصيل الحياة تُعامل كما لو كانت فصولًا من ملحمة بطولية. بات الناس يتحدّثون عن الأشياء الصغيرة بثقل الأشياء العظيمة، فتسمع أحدهم يقول إنه "دَمّر يومه بالكامل" لأن القهوة لم تكن حلوة بما يكفي، أو أنه "مرّ بأسبوع صعب" لأنه نسي شاحن هاتفه، أو أنه "اتّخذ قرارًا مصيريًا" بأن يترك مجموعة واتساب لا يتحدّث فيها أحد أصلًا.
المبالغة أصبحت لغة التواصل الأهم: كلّ شعور يجب أن يكون أكبر من حجمه، وكلّ مشكلة يجب أن تحمل أضواء الطوارئ، وكلّ حكاية يجب أن تُروى بنبرة إنسان رأى نهاية العالم بعينيه. حتّى التواضع تحوّل إلى مبالغة، فيقول أحدهم: "أنا شخص بسيط جدًا" بينما خلفه رفّ كتب مُرتَّب بدقّة ومليء بعناوين يضعها فقط ليثبت أنّ بساطته مدروسة بعناية.
ولأن المبالغة مُعدية، ينتقل الناس من شخصية لأخرى في اليوم الواحد، فحين يتأخر سائق التوصيل عشر دقائق يصبح هذا "أسوأ ما حدث له منذ بداية السنة"، وحين يُعجب أحدهم بصورة في حسابه يقول: "وصلني دعم كبير"، وكأنّ الأمة التفّت حوله.
إنها ظاهرة تجعلنا نعيش حالة طوارئ دائمة دون سبب حقيقي، ونُحوّل المشهد الصغير إلى عرض مسرحي طويل، ونحيا في مسرحية بلا جمهور، لأن الجميع مشغول بإخراج مسرحيته الخاصة.
وفي النهاية، يبقى السؤال: هل نبالغ لأننا نحب الدراما، أم لأننا نخشى الاعتراف بأن معظم أيامنا عادية جدًا، وأننا — ببساطة — نريد لحياتنا صوتًا أعلى من حقيقتها؟
ربما… لكن بصراحة، هذا مجرد تحليل بسيط. أو على الأقل… هذا ما سأبالغ في قوله الآن.
#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟