أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - صالح مهدي محمد - النجاح صفة من يقود الحياة














المزيد.....

النجاح صفة من يقود الحياة


صالح مهدي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 21:12
المحور: قضايا ثقافية
    


ليس النجاح كلمة عابرة تقال في لحظة فخر، ولا هو وسام يعلقه الإنسان على صدره دون جهد، بل هو صفة تتجذر في النفس وتنعكس على السلوك والفكر والقرار. النجاح حالة يقظة مستمرة، وانتباه إلى أن الحياة لا تهب عطاياها لمن ينتظر، بل لمن ينهض، يفكر، يعمل، يعيد المحاولة، ويصبر. الإنسان الناجح ليس بالضرورة الأكثر ذكاء أو حظا، لكنه الأكثر وعيا بمعنى أن يعيش حياته بدل أن تظل الحياة هي التي تعيشه.

هناك دائما نوعان من البشر: إنسان يقود حياته، وإنسان تساق حياته به. الأول يرى الأيام مساحة لصناعة الإنجاز، والثاني يراها مجرى واحدا يجرفه. الإنسان الذي يقود حياته لا يسمح للتيار أن يحدد وجهته، بل يبني مساره بيديه، ويعامل الحياة بوصفها أرضا قاحلة لا ينبت فيها شيء ما لم يبذر فيها بذرته. وهو يدرك أن كل خطوة صغيرة تفتح بها طريق، وأن كل جهد مبذول اليوم هو سهم يرمى نحو الغد.

أما الإنسان المناقض له، الذي يكتفي بأن يعيش يومه فقط، فهو لا يرى إلا اللحظة الآنية، ولا يحمل في فكره سوى الوصول إلى نهاية اليوم بسلام، ولو كان سلاما هشا أو زائفا. يظن أن البقاء غاية كافية، وأن لقمة تؤكل أو ساعة تقضى أو رغيف يتحصل عليه هي ذروة الإنجاز. هذا الإنسان لا يسعى لتحسين حياته، لأنه لا يرى أن الحياة قابلة للتحسن أصلا؛ يعيش وكأن العالم ثابت لا يتغير، بينما صورته الحقيقية ليست إلا صورة إنسان يتجنب السعي خشية أن يصطدم بحقيقة ما يستطيع أن يكونه.

الإنسان الناجح لا يستيقظ كي ينجو، بل كي يكمل مشروعا بدأه، أو يفتح نافذة جديدة لأفق آخر. في داخله شعلة هادئة لا تنطفئ، تدعوه دوما إلى ما وراء اليوم. يعرف أن الصباح امتحان جديد لإرادته، ولذلك يتعامل مع الزمن باعتباره رأس مال لا يعوض: ينظم ساعاته، ويهذب أعماله، وينظف يومه مما يشوش هدفه. لا يسمح للتشتت أن يسرق طاقته، ولا للراحة أن تتحول إلى عادة تطفئ عزيمته.

أما الإنسان الذي يعيش بلا مشروع، فيستيقظ فقط لأنه اعتاد أن يستيقظ. يتحرك لأن الآخرين يتحركون. يمر يومه كما مر الذي قبله، بلا إضافة، بلا علامة، بلا لحظة يلتفت فيها إلى نفسه ليقول: ماذا أريد؟ بل يمضي بتكرار رتيب، حتى تتشابه عليه الأيام كصفحات فارغة لا معنى لها.

الفرق بين النموذجين ليس فرقا بسيطا، بل هو الفارق بين إنسان يرى ذاته مشروعا حيا، وآخر يراها صدفة بيولوجية تمر في العالم. الناجح يعرف أن الجهد يصنع المزايا، وأن الإرادة لا ترفع شعارا بل تمارس، وأن النجاح لا يبنى على لحظة وحيدة بل على تراكم طويل من المحاولات. بينما يرى الإنسان غير الساعي أن الحياة تختصر في البقاء فقط، وأن الغد ليس إلا امتدادا باهتا لليوم.

وربما يفهم الإنسان غير الساعي النجاح فهما مغلوطا، فيظن أن حصوله على الرغيف هو ذروة الإنجاز، لكنه لا يفكر كيف يتحول هذا الرغيف إلى حياة كريمة، أو كيف يكون بابا نحو مستقبل أوسع. وهذا الفارق الجوهري يجعل الرغيف نفسه رمزا: رمزا لمن يراه بداية، لا نهاية.

مفهوم النجاح لدى الإنسان الناجح يتجاوز المكاسب المادية؛ فالنجاح بالنسبة له قيمة ورؤية وأثر. يرى نفسه كائنا قادرا على إضافة شيء ما إلى العالم، مهما كان صغيرا، ويطمح إلى ترك علامة أو فكرة أو عمل يبقى بعد رحيله. أما الإنسان الذي لا يقود حياته، فيعيش على هامش الزمن، وقد تمر سنوات دون أن يضيف لنفسه خبرة أو يحفر في ذاكرته معنى. يصبح وجوده حالة خاملة، يوما يتلو يوما بلا أفق ولا حلم.

ومن أعمق الفروق بين الشخصين أن الإنسان الناجح قادر على مواجهة التعب. لا يهرب من المشقة، ولا يرى الجهد عدوا، بل يعتبره أحد معاني الطريق. يتعامل مع الفشل بوصفه مرحلة لا نهاية، وبوصفه درسا لا حكما. كل عثرة يمر بها تمنحه مراجعة ذاتية تدفعه إلى الأمام. أما الإنسان الذي يكتفي بالبقاء، فيرى التعب عبئا لا ضرورة له، ويفهم الفشل بوصفه نهاية الطريق، فيتجنب المحاولة، ويعيش في منطقة آمنة ضيقة، لا تتطلب منه مواجهة ذاته أو تطويرها.

وهكذا يصبح النجاح في جوهره صفة لمن لا ينتظر أن تتغير الحياة بل يغيرها هو. يجعل من اليوم لبنة في مشروع كبير، ومن خطوة صغيرة جسرا نحو ما هو أبعد. بينما يبقى الإنسان الآخر على الهامش، لا يمسك زمام حياته، ولا يضيف إليها قيمة، ولا يعرف كيف يحول يومه إلى مستقبل.

في النهاية، النجاح ليس حكرا على فئة، ولا قدرا مكتوبا للبعض دون غيرهم؛ هو اختيار. اختيار أن يقود الإنسان حياته بدل أن تقاد به، وأن يسعى بدل أن يكتفي، وأن يرى في كل يوم فرصة لا زمنا يمضي. النجاح ليس حظا، بل وضوح معنى الوجود، وإيمان بأن الإنسان ليس متلقيا، بل صانعا لكل ما يطمح إليه.

وهكذا، يصبح النجاح صفة من يقود حياته، ويصبح الركود صفة من يعيشها فقط. وما بين الاثنين تتجلى قيمة الإرادة، ويظهر الفرق بين من يجعل من الرغيف قصة، ومن يكتفي بأن يكون الرغيف كل قصته، وبين من يحول الزمن طريقا يصنعه بيده، وآخر ينتظر دائما أن تمليه عليه الصدفة.



#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعي الصفة الأكثر قوة في الشخصية
- ثقافة الاختلاف والتعدد : هل يمكن للثقافة أن تزدهر دون تنوع؟
- كانت أحلاما
- دور القراءة في الوعي
- الراتب ومحاولة الاقتصاد في الصرف
- يوم منظم... أو هكذا نعتقد!
- القراءة... سؤال الوعي في زمن السرعة
- رجل المعرفة… أو هكذا يظن!
- التاريخ يعيد نفسه
- قصة قصيرة : حارس النسيان
- اللمسة الأولى
- بين الإنسانية والسياسة وحدها تظهر ملامح الاستكبار
- قصة قصيرة : دكّان الضوء
- قصة قصيرة : العائدون من الغياب
- مقال بعنوان : لغة الإعلام السياسي وتوصيفات الخطاب
- الإدراك والفهم السياسي المجتمعي بين الوعي والممارسة
- قصة قصيرة وجوه الذاكرة
- نص : أماكن للتنزه
- السياسة والاعلام في زمن التواصل الاجتماعي
- عدنا ولكن


المزيد.....




- شاهد ما قاله الأمير محمد بن سلمان أمام منتدى الاستثمار الأمر ...
- ترامب: سنبيع السعودية بعض أعظم المعدات العسكرية التي بُنيت ع ...
- طلب غريب من برشلونة لليفاندوفسكي: توقف عن تسجيل الأهداف
- أوكرانيا: معركة دارينا وليبوف لاستعادة أطفال انتزعتهم روسيا ...
- ناشطون: قصف -عين الحلوة- محاولة لتصفية المخيمات الفلسطينية ف ...
- واشنطن بوست: صراع على تسلّم روسي مرتبط بشحنات الطرود التي هز ...
- خبير عسكري: إسرائيل توسّع بنك أهدافها وتختلق ذرائع لتبرير غا ...
- شاهد.. ستيف جوبز يتحدث عن -بيكسار- في مقابلة تنشر للمرة الأو ...
- لحظة وصول ترامب والأمير محمد بن سلمان لحضور منتدى الاستثمار ...
- ولي العهد السعودي يلتقي قادة وأعضاء في مجلس النواب الأمريكي ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - صالح مهدي محمد - النجاح صفة من يقود الحياة