أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي
(Ozjan Yeshar)
الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 16:06
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفصل الخامس: التمرد الثاني – نار نبوخذنصر تهبط على أورشليم
بعد عقد كامل من التوتر الخفي الذي أعقب التمرد الأول، كانت مملكة يهوذا تعيش على فوهة بركان سياسي وروحي يهدد بانفجار مدمر في أي لحظة. فمنذ أن أخذ نبوخذنصر الملك يهوياكين إلى بابل سنة 597 ق.م، ومعه النخب الفنية والدينية والصنّاع المهرة الذين شكّلوا قلب المجتمع اليهودي النابض، أصبحت أورشليم مدينة يتيمة، تعيش في ظل ملكٍ جديد لا يمتلك إلا شرعية مُعلّقة بخيط بابلي رفيع يمكن أن ينقطع تحت أي ضغط. ذلك الملك هو صدقيا، آخر ملوك يهوذا، الذي نصّبه نبوخذنصر لخدمة الاستقرار لا لقيادة المستقبل الحقيقي. كان صدقيا شابًا في بدايات العشرين، هشًّا أمام ضغوط النبلاء والكهنة الذين كانوا يمثلون طبقة اجتماعية محافظة تحن إلى أيام الاستقلال السابقة، وممزقًا بين دعوات الواقعية السياسية التي تفرض الخضوع للإمبراطورية البابلية القوية، ودعوات الكبرياء الوطني التي ترى في التمرد فرصة لاستعادة الهوية اليهودية المفقودة. هذا التوتر الداخلي لم يكن مجرد صراع شخصي؛ بل كان يعكس انقسامًا أعمق في المجتمع اليهودي، حيث كانت الطبقات العليا تتمسك بأحلام الاستقلال بينما كانت الطبقات الدنيا تعاني من الضرائب البابلية الثقيلة والفقر المتزايد، مما جعل المدينة أكثر عرضة للانهيار من الداخل قبل أن يأتي التهديد الخارجي.
ومع مرور السنين، كانت مصر — ذلك الجار الجنوبي العجوز الذي عاش قرونًا من المد والجزر في تاريخها الطويل، منذ عصر الفراعنة القدماء حتى الأسرة السادسة والعشرين — تتحيّن الفرص لاستعادة ما خسرته في معركة قرقميش الشهيرة عام 605 ق.م، تلك المعركة التي غيّرت وجه الشرق القديم إلى الأبد، ورفعت بابل إلى عرش الإمبراطوريات المهيمنة، ودفعت مصر إلى حدودها الجغرافية والنفسية المحدودة. في زمن التمرد الثاني، كانت مصر تحت حكم بسماتيك الثاني (595–589 ق.م)، الذي سعى إلى تعزيز النفوذ المصري في الشام من خلال حملات عسكرية محدودة، ثم خلفه حفور (واهب رع أو أبريس، 589–570 ق.م)، الذي كان أكثر جرأة في مواجهة البابليين وفقًا للسجلات التاريخية مثل تلك الموجودة في النصوص الهيروغليفية والروايات اليونانية لدى هيرودوت. كلاهما كان يطمح لوقف المد البابلي، أو على الأقل إبطاءه، عبر إشعال التحالفات الصغيرة في الشام مع ممالك مثل يهوذا وموآب وعمون، مستغلين الشام كممر استراتيجي حيوي يربط تجارتهم نحو آسيا الوسطى، ونقطة نفوذ رمزية تعني بقاء مصر قوة تتنفس في العالم القديم المتغير. هذا الطموح لم يكن مجرد سياسي؛ بل كان جزءًا من تراث مصري يرى في الشام امتدادًا طبيعيًا لنفوذه، خاصة بعد هزائم سابقة أمام آشور ثم بابل.
ولذلك، أرسلت مصر رسائلها إلى "صدقيا" محمَّلة بالوعود والهوى السياسي الخادع: «بابِل منشغلة بحروبها في الشمال ضد الميديين والأناضوليين. نبوخذنصر يقاتل في الشمال لتعزيز حدوده. تمردك لن يُقابَل إلا بضعف مؤقت… ونحن معك بدعمنا العسكري والاقتصادي، بما في ذلك إمدادات الغذاء والسلاح عبر طرق التجارة السرية.» هذه الوعود كانت مدعومة بحملات مصرية حقيقية، مثل تلك التي قادها حفور نحو الشام، لكنها كانت في النهاية أوهامًا، إذ لم تتمكن مصر من تقديم دعم فعال أمام الجيش البابلي المنظم. ولم يكن "صدقيا" أول ملك يُغرى بمثل هذه الوعود؛ فهي نفس الوعود التي تلقاها يهوياقيم ويهوياكين سابقًا، ودفعتهم نحو الهاوية نفسها، مما يعكس نمطًا تاريخيًا من التحالفات الفاشلة في الشرق الأدنى. لكن الفرق هنا أنّ الوضع في أورشليم كان أكثر هشاشة: مجتمع فقد نخبه في الترحيل الأول، وكهنة فقدوا هيكلهم الداخلي قبل أن يفقدوا حجارة المذبح الفعلية، ومدينة أصبحت بين مطرقة الإمبراطورية البابلية وسندان الكبرياء الوطني، مع اقتصاد يعاني من الانهيار بسبب الجزية البابلية التي بلغت آلاف الشواقل من الفضة والذهب سنويًا.
⸻
نبوخذنصر… الملك الذي لا يسمح بالشرار أن يصبح حريقًا
لم يكن نبوخذنصر الثاني، الذي حكم من 605 إلى 562 ق.م، ملكًا يتغافل عن أي حركة تمتد خارج مركز سلطته في بابل، حيث بنى إمبراطورية مترامية الأطراف من الخليج الفارسي حتى حدود مصر والأناضول. كانت أي شرارة تمرد في أطرافها تُقرأ في بابل كاحتمال انفجار يهدد الاستقرار الكلي، خاصة مع وجود تهديدات خارجية مثل الميديين والفرس الناشئين. ولذلك فإن خبر تمرد صدقيا، مهما بدا محدودًا جغرافيًا، لم يُقرأ بوصفه حدثًا محليًا بسيطًا، بل بوصفه اختبارًا للنظام نفسه: هل الإمبراطورية قوية بما يكفي لردع ملوك الأطراف الذين يحاولون الاستقلال؟ أم أنها ستسمح لأول صدع أن يتكرر ويؤدي إلى تمردات متسلسلة في مناطق أخرى مثل فينيقيا أو أدوم؟ هذا الوعي الاستراتيجي جعل نبوخذنصر يعتمد على شبكة من الجواسيس والحكام المعينين لمراقبة الولاءات، كما يظهر في السجلات البابلية مثل تلك المكتشفة في لوحات الطين في نيبور.
هكذا تحركت الجيوش البابلية سنة 589 ق.م… لا بعجلة متهورة، بل بثبات مدروس ومنهجي، وكأن الإمبراطورية تريد للحصار أن يكون درسًا تعليميًا قبل أن يكون حربًا دموية، مستلهمًا من تاريخ الحصارات الآشورية السابقة التي اعتمدت على الإرهاب النفسي لكسر الإرادة قبل الجسد. كان نبوخذنصر يدرك أن النصر الحقيقي يكمن في جعل الخصم يستسلم من الداخل، مما يوفر على جيشه الخسائر البشرية ويحافظ على موارد الإمبراطورية للحملات الأخرى.
⸻
حصار أورشليم الثاني – 18 شهرًا من التجويع المنهجي
بدأ الحصار، بحسب السجلات البابلية المكتشفة في لوحات الطين والروايات التوراتية في سفر الملوك الثاني (2 ملوك 25) وسفر إرميا (إرميا 52)، في الشهر العاشر من السنة التاسعة لصدقيا، أي يناير 589 ق.م تقريبًا. امتد الحصار ثمانية عشر شهرًا وفق الرواية التقليدية، لكن بعض الباحثين المعاصرين، مثل أولبرايت وبرايت في دراساتهم التاريخية، يميلون إلى اعتباره أقرب إلى ثلاثين شهرًا عندما تُجمع الشواهد البابلية مع حسابات التقويم العبري القمري الذي يختلف عن الشمسي البابلي، مما يضيف طبقة من التعقيد في التأريخ الدقيق.
لم يكن حصارًا عاديًا يعتمد على الهجوم المباشر؛ بل كان حصارًا نبوخذنصريًا، وهذا وحده كفيل بفهم طريقة العمل المتطورة: بناء جدار ترابي هائل حول المدينة لمنع الهرب أو الإمدادات، كما ورد في سفر الملوك، مع استخدام منحدرات حصار (siege ramps) مصنوعة من التراب المكدس معززًا بالخشب والحجارة للوصول إلى الأسوار العالية؛ قطع موارد المياه والغذاء بشكل كامل من خلال السيطرة على الوديان المحيطة؛ استخدام الأبراج المتحركة الضخمة لكشف نقاط الضعف في الدفاعات وإطلاق السهام من ارتفاعات عليا؛ حفر أنفاق تحت الأسوار وإحداث انهيارات صامتة باستخدام أدوات هندسية متقدمة مستمدة من التراث الآشوري؛ وترهيب معنوي مستمر من الأبواق والخيام الممتدة في كل اتجاه، مع عرض الجنود البابليين قوتهم لإضعاف الروح المعنوية داخل المدينة. هذه التكتيكات، كما توثقها الدراسات الأثرية في مواقع مثل تل لاكيش، جعلت الحصار نموذجًا للحرب النفسية في العصور القديمة، حيث كان الهدف إنهاك السكان قبل الاقتحام.
شيئًا فشيئًا، بدأت المدينة تنكمش من الداخل، مع نفاد المخزونات الغذائية في غضون أشهر قليلة. لم تعد أورشليم في تلك اللحظة مدينة مقاومة بطولية، بل مدينة تُستنزف ببطء مؤلم، تروي نصوص مراثي إرميا (سفر الرثاء) تفاصيل مشهد يكاد يجمد الدم في العروق: الأطفال يجفون من الجوع الشديد حتى يصبحون كالهياكل العظمية؛ ألسنتهم تلصق بحناجرهم من الجفاف؛ النساء يغلين أطفالهن ليبقين على قيد الحياة في أعمال يأس مرعبة تعكس الانهيار الأخلاقي؛ النبلاء، الذين اعتادوا الحرير والأرجوان والولائم الفاخرة، يفتشون بين الرماد والأنقاض عن فتات قمح أو أعشاب برية. هذه ليست مبالغات دينية محضة؛ إنها شهادة زمن ينهار تمامًا، مدينة تفقد إنسانيتها قبل أن تفقد أسوارها الخارجية، كما يؤكد علماء التاريخ مثل ديفيد أوسيشكين في دراساته الأثرية التي كشفت طبقات الرماد في أورشليم تعود إلى تلك الفترة.
⸻
التمزق الداخلي – نبوءات إرميا وصراع النخبة
لم يكن العدو وحده هو من حاصر المدينة بقوته العسكرية؛ كانت أورشليم تعيش حصارًا آخر من الداخل أكثر خطورة، يعكس الانقسامات الاجتماعية والدينية العميقة: أنبياء كاذبون يعدون بالنصر الإلهي المباشر من يهوه، مستغلين التراث الديني لإثارة الحماس؛ نبلاء متصلبون لا يريدون الاعتراف بأن القوة المادية لبابل لا تُقهر، خاصة مع جيش يتجاوز عدده عشرات الآلاف؛ وكاهن وقور مثل إرميا، الذي حذّر مرارًا وتكرارًا من أن التمرد ليس إرادة السماء بل طريق مباشر إلى الدمار، كما في نبوءاته في إرميا 21-27 حيث يدعو إلى الاستسلام لإنقاذ الشعب. لكن إرميا سُجن في بئر الطين القذرة كعقاب على آرائه، وكُبل صوته في وقت كان فيه الصمت يعني الموت، مما يبرز الصراع بين التيار الواقعي والتيار الراديكالي داخل المجتمع اليهودي. هذا التمزق الداخلي كلّف المدينة ثمنًا باهظًا، إذ أدى إلى إضعاف الدفاعات وتأخير أي محاولات تفاوض، مما سمح للحصار بالاستمرار إلى حد الانهيار الكامل.
⸻
الاقتحام – تموز 586 ق.م: يوم انكسار الحجر والروح
في إحدى ليالي تموز (أو آب) سنة 586 ق.م، التي أصبحت لاحقًا يومًا يُعرف باسم التاسع من آب في التقويم اليهودي، اليوم الأشهر في الذاكرة اليهودية كرمز للكوارث المتكررة، نجحت القوات البابلية في كسر السور الشمالي للمدينة بعد أشهر من الحفر والضغط المستمر، مستخدمين الكباش الهيدروليكية والأبراج لاختراق النقاط الضعيفة.
انهالت الأرض بالجنود مثل سيل من الحديد والنار، مدعومين بفرق من الرماة والمشاة الثقيلة. فرّ "صدقيا" مع رجاله نحو أريحا عبر وادي قدرون، لكن الهروب كان قاصرًا ومحتوم الفشل؛ فالبابليون يعرفون الأرض جيدًا من واقع الحملات السابقة، ويعرفون كيف يحاصرون البشر كما يحاصرون المدن باستخدام دوريات سريعة. قُبض على الملك في سهول أريحا، واقتيد إلى ربلة في سوريا أمام نبوخذنصر نفسه، الذي كان يقود الحملة شخصيًا في بعض المراحل. كان المشهد رمزيًا بامتياز، مصممًا ليكون درسًا للأجيال التي تجرؤ على التمرد: ذبح نبوخذنصر أبناء صدقيا أمام عينيه كعقاب يهدف إلى إنهاء السلالة الملكية؛ ثم فقئت عيناه ليحيا في ظلام يذكره بفشله؛ ثم قيّد بالسلاسل النحاسية وأُخذ إلى بابل ليعيش ما تبقى من عمره في سجن قاسٍ، كما ورد في 2 ملوك 25:7. هكذا سقط آخر ملوك بيت داود، مما أنهى عصرًا كاملاً من الملكية اليهودية.
⸻
تدمير أورشليم – النار تطال قلب الهوية
بعد القبض على صدقيا، أصدر نبوخذنصر أوامره إلى قائده الشهير نبوزرادان بتنفيذ دمار شامل ومنظم، لم يكن الهدف منه فقط إسقاط المدينة عسكريًا، بل إلغاء قدرتها على النهوض سياسيًا لمدة جيل كامل على الأقل، كجزء من سياسة الإمبراطورية في التعامل مع التمردات: أُحرق الهيكل الأول – هيكل سليمان، جوهرة الملكوت اليهودي التي بنيت قبل قرون كرمز للوحدة الدينية؛ نُهبت أدوات العبادة الذهبية والفضية، بما في ذلك المنارة السبعية والمذبح، ونقلت إلى بابل كغنائم؛ فُككت الأسوار حجراً حجراً باستخدام أدوات هدم متقدمة؛ أُحرقت المنازل والقصور والأحياء التجارية حتى غطى الدخان السماء لأيام؛ ورُحِّلت الطبقات الفاعلة في المجتمع – العلماء، الصناع، الكهنة، النبلاء – ليتم توطينهم في مستوطنات بابلية مثل تل أبيب على نهر كيبار.
عدد المرحّلين في دفعات مختلفة، حسب سفر إرميا 52:28-30، بلغ: 4.600 – 4.200 شخص، بالإضافة إلى نخب أخرى تم أخذها سابقًا في 597 ق.م، مما يقدر إجمالي السبي بحوالي 10,000-20,000 حسب التقديرات الأثرية. وهكذا انتهت مملكة يهوذا، لا كدولة فقط، بل كوجود سياسي مستقل في المنطقة، تاركة أورشليم أطلالاً مدمرة كشفتها الحفريات الحديثة في تل المدينة.
⸻
نبوخذنصر في مرآتين: الباني… والهدّام
في النقوش البابلية، مثل تلك الموجودة على أسطوانات نبوخذنصر في المتحف البريطاني، يظهر كملكٍ رفع بابل إلى عنان السماء، بنى الزقورات العظيمة مثل إيتيمينانكي، عمّر العاصمة بحدائق معلقة أسطورية، نظم الري عبر قنوات متقدمة، نقل الجيوش وانتصاراتها كدليل على رعاية الإله مردوخ. أما في الرواية اليهودية، فقد أصبح الملك الذي «أنزل النار من السماء» كما في مراثي إرميا، رمز الخراب المطلق والقسوة غير المسبوقة. النار التي لا ترحم أي شيء مقدس. الملك الذي لم يكتف بالقوة، بل جعل منها درسًا للأجيال، مستلهمًا من فلسفة الإمبراطورية البابلية التي ترى في الدمار وسيلة للنظام الكوني.
هذا التضاد هو ما يجعل نبوخذنصر شخصية تاريخية لا تُنسى: هو ملك عادل في عين شعبه البابلي الذي استفاد من ازدهاره الاقتصادي؛ متوحش وطاغيه في ذاكرة الآخرين الذين عانوا من حملاته. بانيًا في الشرق بمشاريعه الهندسية؛ وأيضا مُخرّبًا في أورشليم بسياسته التدميرية. وهذا هو جوهر أي إمبراطورية عبر التاريخ: قصة محيرة تكتب بلغة النصر والعظمة… ويكتبها الآخرون بلغة العذاب والفقدان، كما يظهر في التراث اليهودي الذي جعل منه رمزًا للشر في الكتب اللاحقة مثل سفر دانيال.
⸻
من الخراب إلى الولادة – الوعي اليهودي الجديد
بسقوط أورشليم وبدء السبي البابلي الذي امتد لعقود، وُلدت مرحلة جديدة من الفكر اليهودي التي غيرت مسار الديانة إلى الأبد. فلم يعد الدين مرتبطًا بالأرض والهيكل المادي فقط، بل تحول إلى: التوراة ككتاب مقدس يجمع الشعب؛ والنصوص الشفوية التي تطورت إلى المشنا لاحقًا؛ والصلاة الجماعية في المنفى كبديل عن الذبائح؛ وبناء مجتمع يستطيع العيش دون معبد مركزي، مستلهمًا من تجارب السبي السابقة.
نشأت فكرة اليهودية كهوية روحية متنقلة وقابلة للتكيف، وأصبحت أورشليم رمزًا أكثر منها مكانًا جغرافيًا، كما في مزامير السبي مثل المزمور 137: «على أنهار بابل هناك جلسنا وبكينا عندما تذكرنا صهيون». ومن وسط المنفى ظهر رجالٌ سيغيّرون التاريخ الديني لاحقًا: حزقيال بنبوءاته عن الهيكل المستقبلي؛ إرميا برسالته عن العهد الجديد؛ ودانيال، الذي سيقف لاحقًا وسط قصر بابل، متحديًا السلطة نفسها بصموده الروحي، مهيئًا للفصول التالية في السرد التاريخي.
⸻
خلاصة هذا الفصل – النار ليست نهاية… بل بداية الرؤية
الحصار الثاني لأورشليم لم يكن مجرد معركة عسكرية دموية، بل كان محكمة تاريخية أعادت رسم الشرق القديم بأكمله، محولة التوازنات السياسية نحو سيطرة بابل الكاملة. فيه ظهر نبوخذنصر كأعلى تجليات القوة الإمبراطورية: ملكٌ يعرف متى يبني مدنًا عظيمة… ومتى يحرق مدنًا أخرى ليضمن الولاء.
وبينما كانت بابل تبني حدائقها المعلقة الأسطورية كإحدى عجائب العالم القديم، كانت أورشليم تبني في المنفى هويتها الجديدة، مستمدة قوتها من الذاكرة لا من الحجارة. ومن رماد المدينة خرجت قصص لم تنطفئ حتى اليوم: أيام الهيكل الذهبية، التمرد الفاشل، السبي المؤلم، البكاء عند الأنهار البابلية… وكلها ستقود لاحقًا إلى عودة اليهود مع كورش الفارسي عام 538 ق.م، وبناء الهيكل الثاني كرمز للإحياء.
إنها النار التي دمّرت كل شيء مادي، والنار التي أنضجت الذاكرة الجماعية، محولة اليهودية من عقيدة مرتبطة بأرض إلى دين ذو خصوصية عالمية منغلقة تتعثر ولا تموت وتبقى لكي تتحدى الشعوب وتجادل الزمن.
#أوزجان_يشار (هاشتاغ)
Ozjan_Yeshar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟