أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أوزجان يشار - الهندسة الأخلاقية للكون: قراءة في فلسفة براين لويس ومشروعه في “فيزياء الترميم”















المزيد.....

الهندسة الأخلاقية للكون: قراءة في فلسفة براين لويس ومشروعه في “فيزياء الترميم”


أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي

(Ozjan Yeshar)


الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 16:18
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في عالم يبدو فيه العلم والأخلاق كقطبين متنافرين، يأتي براين لويس ليبني جسراً من معادلات فيزيائية وأحاسيس إنسانية عميقة. مقاله “فيزياء الترميم”، الذي صدر في شمال كاليفورنيا عام 1987، ليس مجرد محاولة أكاديمية لدمج الفيزياء الحديثة بالأخلاق؛ بل هو دعوة حميمة لإعادة قراءة الكون كما لو كان قصيدة مكتوبة بلغة النجوم والقلوب. أشعر، وأنا أقرأ لويس، أنني أمام رجل يحاول أن يجعل الأخلاق ليست مجرد وصايا، بل جزءاً من نبض الكون نفسه. هذه القراءة ستدمج بين التحليل المنهجي لأطروحته والانطباعات الشخصية التي تثيرها، لنكتشف معاً كيف يمكن لمعادلة أينشتاين أن تصبح دليلاً للرحمة، وكيف يتحول التعاطف إلى قوة جاذبية تمنع العالم من الانهيار.

أولاً: أينشتاين كنقطة انطلاق – من وهم الانفصال إلى رؤية كونية مليئة بالرحمة

يبدأ لويس مشروعه بمقولة أينشتاين الشهيرة: “الإحساس بالانفصال وهم بصري للوعي”. هذه العبارة، بالنسبة له، ليست مجرد تأمل فلسفي، بل مفتاح علمي لفهم البنية الأخلاقية للواقع. الفيزياء الحديثة، كما يشرح، تكشف أن المادة والطاقة وجهان لحقيقة واحدة، وأن الحدود بين الأشياء غير ثابتة – تماماً كما يجب أن تكون الحدود الأخلاقية بين البشر غير محتومة. النسبية لا تقتصر على وصف الحركة في الفضاء؛ بل تقدم لغة جديدة للوحدة، يمكن أن تكون أساساً لإصلاح العالم.
لكن دعوني أضيف هنا لمسة شخصية: عندما قرأت هذا، شعرت أن لويس يتحدث عن تلك اللحظات التي نعيشها جميعاً، حين يضيق العالم في صدرنا ونشعر بالعزلة. هو يقول لنا، بجرأة العالم وبسذاجة الشاعر، إن هذا الوهم يمكن تفكيكه كما تفكك ذرة في مصادم جسيمات. أن تكون إنساناً، في رؤيته، هو أن ترى الآخر كامتداد لجاذبيتك الداخلية، كأن كل ذرة في الكون مشدودة إلى الأخرى بخيط من رحمة غير مرئية. هذا الربط بين النسبية والرحمة يجعل القراءة ممتعة، كأننا نستكشف كنزاً مخفياً في معادلات العلم.

ثانياً: تيكون عولام والبحث عن “إصلاح الخلق” – معادلة مجازية تحمل قوة الكون

يستعير لويس من التراث اليهودي مفهوم “تيكون عولام” (إصلاح العالم)، ويضعه في إطار رياضي مستوحى من أينشتاين: العلاقة بين الإنسان والأبدية = الأخلاق × (التعاطف)². هذه الصيغة ليست علماً حرفياً، بل نموذج مجازي-علمي يهدف إلى إقناعنا بقوة المعادلات الكونية. إنها تذكرنا بأن الإصلاح ليس فعلاً عشوائياً، بل عملية منهجية تجمع بين القيم والفعل.
في قراءتي الشخصية، أرى هذه المعادلة كدعوة للعيش بوعي أعمق. تخيل لو أننا نعامل جراحنا اليومية بهذه الصيغة: التعاطف يصبح مضاعفاً، يحول الآلام إلى نور. هذا يجعل المشروع ممتعاً، لأنه يدعونا للعب دور “المرممين” في قصة كونية، كأبطال في رواية خيال علمي حيث يصبح الخير قوة فيزيائية حقيقية.

ثالثاً: الأخلاق ككتلة – أساس الجاذبية الإنسانية وثقل القلوب

يُعرّف لويس الأخلاق بأنها “الكتلة”، مستلهماً من الفيزياء حيث تعطي الكتلة للأجسام حضورها وقدرتها على انحناء الزمكان. بالمثل، الأخلاق تحدد جاذبية الإنسان وتأثيره في مجتمعه. الشخص ذو الأخلاق “الثقيلة” يخلق مجالاً يعيد ترتيب العلاقات البشرية في مدارات منسجمة، مما يجعل الوزن الأخلاقي بديلاً عن القوة المجردة.
هذا التشبيه يلامس شيئاً عميقاً فينا. أتذكر أشخاصاً في حياتي، مثل جدي الذي كان حضوره يغير جو الغرفة دون كلمة. هم كالنجوم الصغيرة التي تعيد ترتيب المدارات حولها. هناك بشر كثرتهم كثرة الريح، يتحركون مع الظروف، وآخرون يغيرون شكل المكان. هذا الثقل الأخلاقي ليس مرئياً، لكنه يشعر به في سكون الروح، مما يضيف طبقة عاطفية تجعل التحليل أكثر متعة وإنسانية.

رابعاً: التعاطف كثابت كوني – سرعة الضوء كنموذج للوصول الفوري

يساوي لويس التعاطف بسرعة الضوء لسببين: الضوء لا يخضع للزمن، والتعاطف يلغي المسافة بين الذات والآخر؛ كما أنه ثابت كوني ضروري لاستقامة العلاقات. هذا يجعل التعاطف شرطاً أساسياً لاستمرار الحياة الإنسانية.
شخصياً، أعيش هذا التعاطف كارتجاج داخلي يحدث في اللحظة ذاتها التي يشعر فيها الآخر بالألم. كأن قلوبنا متصلة بخلية واحدة، تصل إلى جرح الآخر قبل أن يشرحه. هذا الربط بين الفيزياء والعاطفة يجعل القراءة مثيرة، كأننا نكتشف أن التعاطف ليس مجرد شعور، بل قانون كوني يمنعنا من الانهيار.

خامساً: لماذا التعاطف “مربّع”؟ – من السلبية إلى الإيجابية، وتحويل الجراح إلى نور

التربيع في المعادلة يشير إلى قوة مضاعفة للتعاطف، تجعله محركاً أخلاقياً ذا أثر كبير، وتحويل السلبي إلى إيجابي – فالعدد السالب يصبح موجباً عند التربيع. هذا يشكل نواة “كيمياء الترميم”: الجراح والإخفاقات تتحول إلى نور عبر تعاطف مكثف.
أحب هذه الفكرة لأنها تذكرني بأننا نحيا لنحول ما انكسر فينا إلى ضوء يقود الآخرين. في حياتي، رأيت جراحاً تحولت إلى قوة عبر الفهم الصادق. هذا يجعل المشروع ممتعاً، كأنه وصفة سحرية لتحويل الظلام إلى نور.

سادساً: علامة المساواة – الانسجام بين القيم والفعل دون تناقضات

كما تتحول الكتلة إلى طاقة بلا ضياع، يجب أن تتحول قيمنا إلى أفعال ثم إلى تأثير في العالم، دون فجوات. هذا يقترح معياراً للسلوك: وحدة القيمة والفعل.
هناك انسجام يجب أن يتكون بين ما نعتقده ونقوله ونفعله ونصلحه. جزء كبير من تعبنا الداخلي يأتي من كسر هذه المعادلة. هذا التحليل يصبح ممتعاً عندما نراه كامتحان يومي، يدعونا للعيش بصدق.

سابعاً: الترميم كموقف ميتافيزيقي وكوسمولوجي – مقاومة ضد انحلال الكون

من قانون الإنتروبيا، يؤكد لويس أن العالم يتجه نحو الفوضى، والإنسان المرمم قوة مضادة. “Repairer of Creation” هو متمرد كوني ينشئ النظام.
أرى كل كلمة طيبة أو يد ممدودة كمقاومة كونية، كخطوط تمنع القماشة الكبيرة من الانفراط. هذا يجعلنا أبطالاً في قصة كبرى، مما يضيف متعة إلى التحليل.

ثامناً: التعاطف كجاذبية – القوة الأضعف والأكثر دواماً

يقارن لويس التعاطف بالجاذبية: كلاهما ضعيف ظاهرياً، لكنهما ذا مدى لا نهائي ويمنعان الانهيار. التعاطف ليس عاطفة، بل بنية كونية.
حين نصغي وننحني على جراح الآخر، نمارس قوانين الكون. هذا يجعلنا مشاركين في ضبط النسيج الوجودي، مما يثري القراءة بعمق عاطفي.

تاسعاً: المشروع الأخلاقي–السلوكي الذي يقترحه لويس – نحو عالم متعاون وموحد

يدعو لويس إلى الانتقال من المنافسة إلى التعاون، من التدمير إلى الترميم، من الانفصال إلى الوحدة، من الفعل الفردي إلى الكوني. التعاطف، كقانون، يصنع جيولوجيا جديدة للروح.

هذا المشروع يدعونا لإعادة تشكيل قلوبنا، لأن القلب جزء من هندسة الكون. إنه طريقة جديدة للوقوف في العالم، تجعل الأخلاق ضرورة كونية.
خلاصة القراءة: دمج العلم بالروحانية لعالم أفضل
براين لويس لا يقدم علماً جديداً، بل ميتافيزيقيا أخلاقية تستخدم لغة الفيزياء لإقناعنا بأننا جزء من نسيج موحد. محاولته دمج العلم بروحانية إنسانية، إعادة تعريف الأخلاق بمعايير فيزيائية، وبناء نموذج سلوكي يستند إلى قوانين الانسجام. إنه مشروع يجعل الأخلاق ليست فضيلة، بل ضرورة للتماسك.

في النهاية أيها الأفاضل وبعد هذه القراءة المتواضعة، أشعر أن لويس يدعونا لنرى الكون كقصة نكتبها معاً، حيث يصبح التعاطف هو الضوء الذي ينير الطريق. إصلاح العالم يبدأ من داخلنا، وهذا ما يجعل فلسفته ممتعة وملهمة، كأننا نعيد اكتشاف أنفسنا في معادلات الكواكب والنجوم.

المصدر:

https://www.facebook.com/cleanwaterequalshealth.cleanwater/posts/25338368815795600



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)       Ozjan_Yeshar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه الخفي لليابان: من صليل سيوف فرسان الساموراي إلى رقة تل ...
- ليوبولد الثاني: الملك الذي امتلك قارّة وأباد شعباً
- ومضات من فن الرسام الإيراني -محمود فرشجيان- رائد المدرسة الر ...
- هيباتيا: شمس الأسكندرية المشرقة في عتمة التطرف والإرهاب
- أصدقاء الله: مأساة -الأنقياء- النور المقموع في جنوب فرنسا
- الوجه الآخر للعبث الإنساني في رحله صيد: حين يتحوّل الإنسان إ ...
- ذو نواس: القصة الأقرب إلى الواقع بين النقوش والروايات والتفس ...
- الوظيفة المرتبكة بين كفاءة الغرباء وثقة الأقرباء: حين تُدار ...
- التفكير التحليلي النقدي: وعي في زمن الفوضى الرقمية
- حياة تتجدد بعد تشيرنوبل: بين أثر الإشعاع النووي وقوة التكيف ...
- العنصرية: ضلال الروح البشرية في عتمة صندوق الاختلاف اللامتنا ...
- خلق الأعداء: آلية الهيمنة الأمريكية من خلال الدعاية والعمليا ...
- ديني: عظمة صغيرة في كهف سيبيري تحمل في طيّاتها سرّ التميز
- فنّ سرقة الفقراء بالوهم: من “رأس المال الوهمي” إلى رهن البيت ...
- قراءة في كتاب “سحر التفكير الكبير” لديفيد شوارتز
- سجن الأوهام والبحث عن الذات: رحلة الإنسان بين الخوف والحرية
- الشجاعة التي لا تنكسر: صعود الروح في وجه الجدار العنصري
- القمامة والقدر: رحلة (كاري) من سلة المهملات إلى عرش الرعب
- على ظهر امرأة: صورة واحدة تكشف ثقل التاريخ
- أندرو جاكسون: الطاغية الذي صنعته السياسة الأمريكية القديمة


المزيد.....




- وفاة 4 بعائلة واحدة بإسطنبول خلال عطلة والشرطة تحقق.. ماذا ن ...
- دونالد ترامب سـ-يُشجّع- عمدة نيويورك: أبرز النقاط من لقاء ال ...
- ترامب وممداني.. ترحاب مجاملات بعد اجتماع بالبيت الأبيض
- بعد التصريحات المثيرة للجدل لرئيس أركان الجيش... هل تواجه فر ...
- فرنسا: مجلس النواب يرفض أجزاء من مشروع موازنة 2026
- أحد آباء الذكاء الاصطناعي يترك -ميتا- ليؤسس شركته الخاصة
- الشرطة البرازيلية تعتقل بولسونارو
- هجمات روسية أوكرانية متبادلة بالمسيرات وبوتين يمتدح خطة ترام ...
- من الشاشات إلى جوائز الغرامي.. صعود أسطوري لفرقة -كاتساي- ال ...
- أربعة صغار فهود تبصر النور في حديقة حيوانات سميثسونيان الوطن ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أوزجان يشار - الهندسة الأخلاقية للكون: قراءة في فلسفة براين لويس ومشروعه في “فيزياء الترميم”