أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حسن مدبولى - صفقة الغاز المصرية الإسرائيلية














المزيد.....

صفقة الغاز المصرية الإسرائيلية


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 16:40
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


لم يكن إعلان بنيامين نتنياهو المصادقة النهائية على صفقة الغاز مع مصر مجرد خبر اقتصادي عابر، بل لحظة كاشفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. رئيس وزراء دولة الاحتلال خرج ليصف الاتفاق بأنه «أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل»، لا بوصفه رقمًا ماليًا فقط، بل باعتباره إنجازًا استراتيجيًا مكتمل الأركان، يُثبت – من وجهة نظره – أن إسرائيل قادرة على توسيع نفوذها الاقتصادي وتثبيت أقدامها الإقليمية حتى وهي تخوض حربًا مفتوحة في غزة، وتواجه عزلة أخلاقية غير مسبوقة.

الصفقة، التي تمتد حتى عام 2040 وتُقدّر قيمتها بنحو 35 مليار دولار، تقوم على زيادة ضخ الغاز من حقل «ليفياثان» إلى مصر، بإجمالي كميات تصل إلى نحو 130 مليار متر مكعب، في تعديل وتمديد لاتفاقيات بدأت فعليًا منذ عام 2019، وبدأ تنفيذها مع تدفق الغاز الإسرائيلي إلى مصر مطلع 2020. الجديد هنا ليس التصدير ذاته، بل ضخامته، وطوله الزمني، وتوقيته السياسي.

تلعب مصر في هذه المعادلة دور «المركز» لا «المنتِج»: تمتلك محطتي إسالة الغاز في إدكو ودمياط، وتعيد تصدير جزء من الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا في صورة غاز مسال، في وقت تعاني فيه القارة العجوز من اضطراب إمدادات الطاقة. القاهرة تصر، عبر بيانات رسمية، على أن الاتفاق «تجاري بحت» ولا يحمل أبعادًا سياسية، وكأن الطاقة يمكن فصلها عن الجغرافيا، أو الاقتصاد عن موازين القوة.

من الجانب الإسرائيلي، الصورة أكثر وضوحًا وصراحة. الصفقة تعني مليارات الدولارات كعوائد مباشرة وغير مباشرة، وتقديرات تتحدث عن نحو 18 مليار دولار ستدخل خزينة الدولة في صورة ضرائب ورسوم. لكنها، قبل ذلك، تعني تثبيت إسرائيل كمُورّد طاقة إقليمي موثوق، وشريك لا غنى عنه، بدعم شركات عملاقة مثل «شيفرون». والأهم: تعني تحويل الغاز إلى أداة نفوذ سياسي، تُستخدم وقت الحاجة دون ضجيج.

ليس مصادفة أن يعلن نتنياهو عن الصفقة في هذا التوقيت تحديدًا. الرجل المحاصر داخليًا، سياسيًا وقضائيًا، والملاحق خارجيًا بانتقادات غير مسبوقة بسبب حرب غزة، احتاج إلى إنجاز «نظيف» يُقدمه لجمهوره: إسرائيل لا تُقاطع، ولا تُعزل، بل تُكافأ بعقود طويلة الأجل، حتى مع أكبر دولة عربية من حيث الثقل السكاني والتاريخي.

أما في القاهرة، فالصورة أكثر التباسًا. صحيح أن مصر أصبحت منذ 2024 مستوردًا صافيًا للغاز، نتيجة تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع الاستهلاك، وصحيح أن استيراد الغاز عبر الأنابيب أقل تكلفة من شراء الغاز المسال من الأسواق العالمية، لكن السؤال الجوهري لا يتعلق بالعام القادم أو الذي يليه، بل بما يعنيه الارتهان لعقد طويل الأمد مع دولة احتلال، في منطقة لا تعرف الاستقرار.

الاعتماد على إسرائيل كمورد رئيسي للغاز حتى 2040 ليس تفصيلًا فنيًا، بل مخاطرة استراتيجية. فهو يمنح تل أبيب ورقة ضغط كامنة، لا تُستخدم بالضرورة اليوم، لكنها تظل حاضرة في أي لحظة توتر أو صدام سياسي. وتجربة توقف أو اضطراب الإمدادات في أوقات الأزمات الإقليمية ليست بعيدة، ولا افتراضية.

تطفو إلى السطح، كذلك، أسئلة قديمة متجددة حول حقل «ليفياثان» نفسه. فالحقل يقع على مسافة قريبة نسبيًا من السواحل المصرية، وقد ذهب بعض الباحثين والمنتقدين إلى أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2003 أسهمت، بشكل أو بآخر، في خروج مناطق غنية بالغاز من نطاق الحقوق المصرية، لتستقر داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل. قد يختلف البعض حول دقة هذه الروايات، لكن النتيجة النهائية لا تقبل الجدل: مصر، التي كان يمكن أن تكون منتجًا رئيسيًا من تلك المنطقة، أصبحت مشتريًا، وممرًا، ووسيطًا لغاز مستخرج تحت السيطرة الإسرائيلية.

وفوق كل ذلك، يظل البعد الأخلاقي حاضرًا بقوة. المصادقة على الصفقة جاءت بينما تُشن حرب مدمرة على قطاع غزة، تُحصد فيها الأرواح، وتُدمر البنية التحتية، ويُفرض حصار خانق على أكثر من مليوني إنسان. في هذا السياق، لا تبدو الصفقة مجرد اتفاق طاقة، بل رسالة سياسية واقتصادية مفادها أن آلة الحرب يمكن أن تُموَّل، وأن الاقتصاد يمكن أن يستمر، وأن الدم لا يعطل العقود.

يزيد من حدة الجدل غياب الشفافية الكاملة حول تفاصيل الاتفاق، وعدم طرحه لنقاش عام أو برلماني واسع، وكأن الأمر شأن تقني لا يمس الأمن القومي، ولا يعيد تشكيل خيارات الطاقة، ولا يرهن المستقبل بعقود طويلة الأجل.

صفقة الغاز، إذن، ليست مجرد أرقام ومليارات. هي تعبير صريح عن اختلال ميزان القوة في الإقليم، وعن إدارة الاقتصاد والموارد الرئيسية كالمياه والطاقة، بمعزل عن السياسة والجغرافيا، وضد التاريخ و الواقع ، والقبول بمكاسب قصيرة الأجل، تقابلها أثمان استراتيجية وأخلاقية باهظة، قد لا تظهر اليوم، لكنها ستُدفع كاملًا في وقت لاحق.



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما تصبح كرة القدم ، مرآة للسياسة
- وهم الحصانة،،،
- حين تصبح كرة القدم مرآة للسياسة ،،
- حملات دعائية !!
- سيكتب عنها اللاحقون !؟
- البعد الإنسانى لحبس الفتيات ،،
- وداد مترى أنطون ، إمرأة من مصر،،
- فاطمة نعمت راشد، والحزب النسائى المصرى
- الأم المصرية ، وولدها
- إبراهيم يسرى ، القابض على جمر الوطن
- أزمة الإسطورة محمد صلاح وقميص عثمان !!
- أبطال نسيهم التاريخ
- المخرج، وسيدة القرن !
- ست البلاد ، الدكتورة نعمات أحمد فؤاد
- أربعة مبدعين ،،،
- أربعة شعراء،انحنوا جميعا،إلا واحد!؟
- دولة التلاوة، وضياع الهوية !؟
- من الديانات الإبراهيمية ،،،
- المقاومة والزمالك ،،
- إزدواجية معايير الدعم الإنسانى !!


المزيد.....




- الهيئات المستقلة وتحرير الاقتصاد علاقة بنيوية
- الركراكي مدرب المغرب: غيرت العقلية من المشاركة للمنافسة وأحذ ...
- كالكاليست: تحذير من فشل مالي يشلّ عمل الحكومة الإسرائيلية في ...
- حروب وفقر وانهيار اقتصادي: أزمة الصحة النفسية تتفاقم في لبنا ...
- ما المخاطر والتحديات التي تواجه الاقتصاد السوري بعد قانون قي ...
- من الحصار إلى -شروق الشمس-: تسريبات عن أخطر مشروع اقتصادي لغ ...
- سوريا.. هل يفتح إلغاء قانون قيصر الباب أمام تعافٍ اقتصادي؟
- ماذا يعني قرار تركيا إعادة تشغيل خط السكك الحديدية المحاذي ل ...
- أوروبا ـ محركات الاحتراق بين إكراهات المناخ وتحديات الاقتصاد ...
- وزير أمريكي: -بطاقة ترامب الذهبية- جلبت أكثر من مليار دولار ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حسن مدبولى - صفقة الغاز المصرية الإسرائيلية