أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - فلسطين… حين تسقط الإنسانية من جدول الأعمال














المزيد.....

فلسطين… حين تسقط الإنسانية من جدول الأعمال


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 21:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


ليس ما يحدث في غزة نقصاً في الغذاء، ولا خللاً في المساعدات، ولا أزمةً إنسانيةً تنتظر إدارةً أفضل. ما يحدث هناك هو إعلانٌ غير مكتوب عن سقوط الإنسان من الحسابات الكبرى، وإقصاء فلسطين من تعريف الحياة التي تستحق الحماية.

في غزة، لا تموت الأجساد فقط، بل تُغتال القيم واحدةً تلو الأخرى. يُدفَع شعبٌ كامل إلى حافة الفناء، لا لأن العالم عاجز، بل لأنه اختار أن يكون أعمى. اختار أن يرى الخراب ويُسمّيه “تصعيداً”، وأن يشاهد المجازر ويُخفِيها خلف لغةٍ باردة، مُعقَّمة، خالية من أي إحساس بالعار.

الخيام التي تُقتلع فوق رؤوس النازحين ليست مجرد قماشٍ مهترئ، بل آخر ما تبقّى من ادّعاء الرحمة في هذا العالم. حين تُدمَّر الخيمة، يُدمَّر معها الوهم بأن هناك حدّاً أدنى لا يجوز تجاوزه. في غزة، لا خطوط حمراء، لأن الدم الفلسطيني لا يرسمها.

الأطفال هناك لا يقرؤون المواثيق الدولية، لكنهم يُقتلون باسمها. يُدفنون تحت ركام صمتٍ عالميّ، أكثر ثِقَلاً من القنابل، وأشدّ فتكاً من الحصار. والأمهات اللواتي يصرخن بين الأنقاض لا يطالبن بالعدالة الكونية، بل بحقٍّ بدائيّ في البقاء، حقٍّ يبدو أنه لم يُدرَج يوماً ضمن أولويات النظام الدولي حين تكون فلسطين هي العنوان.

العالم الذي ينتفض سريعاً دفاعاً عن حقوق الإنسان في بقاعٍ أخرى، يصاب فجأةً بالشلل حين تُنتهك هذه الحقوق في فلسطين. تختفي العقوبات، وتذوب القرارات، وتتحوّل الشرعية الدولية إلى حبرٍ خجول لا يجرؤ على تسمية الجريمة باسمها. هنا، تنكشف الحقيقة بلا مساحيق: حقوق الإنسان ليست مبدأً، بل أداة، تُستخدم حيث تخدم المصالح، وتُعلَّق حيث تُربكها.

ليس الصمت الدولي تجاه غزة حياداً، بل موقف. وليس التردد عجزاً، بل اختياراً أخلاقياً منحازاً للقوة ضد الضعفاء. كل بيانٍ فارغ، وكل دعوةٍ “لضبط النفس”، وكل مساواةٍ فاسدة بين الضحية والجلاد، ليست سوى مشاركة غير مباشرة في الجريمة، وتوقيعٍ متكرّر على شهادة موت العدالة.

في فلسطين، يُطالَب المقهور بأن يكون عاقلاً، مهذّباً، ملتزماً بالقانون، فيما يُمنَح القاتل حصانة الخطاب وحقّ الإفلات. يُطلب من الضحية أن تموت بصمت، كي لا تُحرج الضمير العالمي، ولا تُربك توازناته السياسية الهشّة.

ما يُهدم في غزة ليس البيوت وحدها، بل فكرة القانون الدولي ذاتها. وما يُسحق هناك ليس الأجساد فقط، بل آخر ما تبقّى من مصداقية عالمٍ يدّعي أنه تعلّم من مآسي التاريخ. أمام فلسطين، يفشل هذا العالم فشلاً ذريعاً، لا لأنه لا يعرف ما يحدث، بل لأنه يعرف، ويختار ألا يفعل شيئاً.

غزة ليست استثناءً عابراً، بل هي الفضيحة الدائمة. المرآة التي تعكس وجه نظامٍ دوليّ يتحدّث كثيراً عن الإنسانية، ويمارس القسوة ببرودٍ إداريّ. وفي كل مرة تُدفن فيها روحٌ فلسطينية، يُدفن معها جزءٌ من الوهم بأن هذا العالم ما زال صالحاً لأن يُلقي دروساً في الأخلاق.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُنجب الأمهات للوطن وحده
- حين تُفتحُ الأبوابُ لحميرِ غزّة… وتُغلَقُ في وجهِ أطفالِها
- غزّة تحت العاصفةِ… وحدها في مُواجهةِ البردِ والموتِ
- منتخب فلسطين… كرةٌ تركل الظلام وتنهض من تحت الركام
- حين يُنزلون العلم… ولا يستطيعون إنزال الحقيقة
- باسل الأعرج… حين تصنعُ الأُمُّ بوصلة المُقاومةِ الأُولى
- من جنين إلى الأمتين العربية والإسلامية… فصلٌ جديدٌ من النذال ...
- ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!
- أُم غازي… آخرُ زهرةٍ من بلد الشّيخ
- رجالٌ يحملون الشمس على أكتافهم… حكايةُ نخوةِ رجالٍ من غزّة!
- حين غابت زهرة البيلسان… واشتدّ الحزن في صدورنا!
- على كتفيّ ذبل الضوء… وودّعت زهرة البيلسان العالم!
- باسل الأعرج: الحاضر الذي لا يغيب!
- كيف فقدنا زهرة البيلسان…؟ تساؤلات على رصيف الغياب!
- غزة تصرخ… والعرب والمسلمون يغرقون في صمت العار!
- القيادة التي لا تمثل أحداً: لماذا حان وقت الثورة على مؤسسات ...
- حين يجمعُنا الدَّهرُ صُدفةً… لِيُفرِّقنا الفراقُ إلى الأَبد!
- غزة… صلاةٌ فوق الركام وحياةٌ لا تنطفئ!
- انهيارات في جيش الاحتلال بعد 7 أكتوبر: سقوط الأسطورة أمام ال ...
- سماح إدريس… ذاكرة لقاء، ومرارة الغياب


المزيد.....




- غرق ملعب الرباط قبيل استضافة كأس أمم إفريقيا؟
- نائب حفتر يوقّع اتفاقية تعاون عسكري مع قائد الجيش الباكستاني ...
- ترامب يحث أوكرانيا على استغلال خطته وزيلينسكي يكشف عن نقاط ا ...
- ألبانيز: منفذي -هجوم بوندي- كانا متأثرين بـ-داعش-
- اجتماع -الناقورة- سيبحث منع تجدد الحرب بين إسرائيل ولبنان
- مستوطنون يقتحمون غزة ويطالبون بإعادة احتلال القطاع
- عاجل | مراسل الجزيرة: الرئيس ترامب صدق على قانون الدفاع الوط ...
- نواب ديمقراطيون ينشرون صورا جديدة من أرشيف إبستين
- -أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل-.. ما تقييم الخبراء في مصر ل ...
- غزة تواجه انهيارا شاملا للخدمات رغم توقف الحرب


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - فلسطين… حين تسقط الإنسانية من جدول الأعمال