محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 00:05
المحور:
القضية الفلسطينية
في مشهدٍ يفوق الخيال قسوةً وسخريةً، أُعلِنَ مؤخراً عن إجلاءٍ “إنسانيّ” لحمير من قطاع غزّة إلى ألمانيا، بحجّة حمايتها من الحرب والجوع والخطر.
خبرٌ صادم، ليس لأن إنقاذَ الحيواناتِ خطأ، بل لأن هذا الحدث جاء متزامناً مع رفض إجلاء أطفالٍ فلسطينيين مرضى للعلاج؛ أطفالٍ تتآكلُ أجسادُهم تحت الحصار، وتختنقُ رئاتُهم بنقص الدواء، ويموتُ بعضُهم على أسرّةٍ بلا كهرباء… لأسبابٍ وُصِفَت بكل بساطة: سياسيّة.
السياسة… تلك الكلمةُ الباردة، التي حين تُستدعى، تُجرِّد الإنسان من إنسانيته، وتُحوِّله إلى رقم، أو عبء، أو “مشكلةٍ لوجستيّة”.
الحميرُ نُقِلَت بطائرات، وحُجِزَت لها أماكنُ آمنة، وأُعِدَّت لها تقاريرُ صحيّة، واستُقبِلَت بعنايةٍ واهتمام، وربما ستنال أسماءً جديدةً وحياةً هادئةً خلف أسوارٍ خضراء.
أمّا الأطفال؟
فبقوا في غزّة.
بقلوبٍ مثقوبة، وأجسادٍ هزيلة، وأمّهاتٍ يصرخن في العتمة، وآباءٍ يعدّون الساعاتِ انتظاراً لمعجزةٍ لا تأتي.
أيُّ عالمٍ هذا الذي ينجح في تنظيم إجلاءِ حيوانات، ويعجز — أو يتعمّد العجز — عن إنقاذ طفلٍ يحتاج إلى جلسةِ علاجٍ كيماويّ؟
وأيُّ منظومةٍ أخلاقيّةٍ هذه التي ترى في الحمار “كائناً يستحقّ الحياة”، وفي الطفلِ الفلسطينيّ “ملفّاً سياسيّاً معقّداً”؟
ليس السؤالُ هنا عن قيمة الحيوان، بل عن انهيارِ معيار القيمة الإنسانيّة.
عن عالمٍ اختلَّ ميزانُه إلى حدٍّ باتت فيه الرحمةُ انتقائيّة، تمرّ عبر الفلاتر السياسيّة، وتُمنَح فقط لمن لا يُحرج الضمير الغربيّ، ولا يُزعج الرواية السائدة.
غزّة اليوم ليست فقط ساحة حرب، بل مرآةٌ كاشفةٌ لنفاقِ العالم.
هناك يُترَك الأطفالُ ليموتوا ببطء، لا تحت القصف فقط، بل تحت الصمت، والتجاهل، والرفضِ المتعمَّد لفتح أبواب العلاج.
وحين يُسأل هذا العالمُ يوماً:
أين كنتم؟
سيُجيب بالأوراق، والبيانات، والتبريرات.
لكنّ التاريخَ لن يقرأ المبرّرات…
سيقرأ فقط هذه الجملة القاسية:
تمّ إجلاءُ حميرٍ من غزّة إلى ألمانيا،
بينما تُرِكَ الأطفالُ ليموتوا… لأنهم فلسطينيون.
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟