أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - مظهر محمد صالح - شقاء الطبقة الوسطى: حكاية أمّ وابنتيها حين خانتهنّ الحياة














المزيد.....

شقاء الطبقة الوسطى: حكاية أمّ وابنتيها حين خانتهنّ الحياة


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 22:58
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


في بيتٍ ضيّقٍ يختزن أحلامًا أكبر من جدرانه، كانت الأمّ اليافعة الشباب تحمل أثقال الأيام على كتفيها، فيما تتشبّث ابنتاها الصغيرتان بخيوط أملٍ واهنة. لم يكن الشقاء مجرّد ضيقٍ في الرزق، بل خيانةً صامتة من حياةٍ وعدت الطبقة الوسطى بالاستقرار، ثم تركتها تواجه وحدها قسوة الغدر. بين رغيف خبزٍ يتناقص، وأحلام تعليمٍ تتبدّد.
هنا تتجسّد الحكاية مرآةً لطبقةٍ كاملة ، أمّ وابنتان تختصر وجوههنّ قصة مجتمعٍ بأسره.

رحل الزوج عن ضبية زوجته الشابة ، فوجدت نفسها تقاتل وحدها على جبهاتٍ متوازية: عملٌ شاق لتأمين الخبز، دراسةٌ جامعية انتزعتها من بين أنياب التعب، وتربية ابنتين لا تعرفان من الدنيا سوى أمٍّ تحاول أن تكون كلّ شيء. كانت تدبّر كلّ دينارٍ بوعيٍ موجِع، موزّعةً نفسها بين دفاتر الدراسة، ومستلزمات البيت، وقلق الغد.
أرهقت الحياة الأم ضبية ، تلك السيدة التي فقدت أمّها باكرًا، وبقيت وحيدة بين إخوةٍ وأخواتٍ غير أشقّاء، دون سندٍ أو دفء، بل باغترابٍ داكن اللون في اجتماعيات الشرق. لم تجد خيارًا سوى أن تكابد وحدها، ليلًا ونهارًا، بحثًا عن حيّزٍ نقيّ، ولو مؤقّت، يمنحها وابنتيها حصانةً من غدر العالم، بعيدًا عن أولئك الذين أرادوا استثمار شقائها بمالٍ معادٍ للكرامة والشرف.
قادتها المعركة إلى غرفةٍ صغيرة لدى سيّدةٍ مسنّة داخل مرفقٍ تربوي، تحتمي به من حرّ الصيف وقسوة البرد. وحتى هذه الفرصة لم تكن قدرًا دائمًا. أبكتني السيدة ضبية حين رأيتها بأبهى أناقتها، وابنتاها إلى جوارها ، امرأةٌ لو رآها الناس لحسدوها على حسن الترتيب وأناقة الملبس، تلك الأناقة التي لا تتخلّى عنها نساء الطبقة الوسطى مهما اشتدّ العوز. تركض بين عملها والطرقات، تلهث لتوصل ابنتيها إلى مدرستيهما في الوقت المضبوط، وكأنّ الانضباط آخر ما تبقّى لها من مقاومة، ترسم به لهما مستقبلًا لا تسحقه عجلات الأثرياء الذين يبتلعون الشرف بلا اكتراث.
تنقّلت ضبية بين معارفها من الأشراف وأبناء الطبقة المحافظة، تبحث عن مستقرّ، فيما دخلها الشهري لا يكفي ثمن دواء طفلتها الصغرى المصابة بمرضٍ مزمن وهي في عمر الزهور. أمّا الكبرى، ففي سنّ الصبا، تعيش أحلام جيل (Z) بمتطلباته العصرية التي لا تفهم معنى فقر المال، ولا كيف يتحوّل الحلم إلى عبء
إنه شقاء بنيوي، حكاية أمٍّ عاشت خيانة الحياة، ودافعت عن كرامتها تحت سماءٍ ملتهبة، وعلى أرضٍ تحترق تحت الأقدام، في غياب مجالٍ عامٍّ يحمي الحصانة الإنسانية ويوفّر عيشًا كريمًا بشرف. لم تخن ضبية نفسها، وإن خانتها الحياة. وهي اليوم تتخبّط في عالم طبقةٍ وسطى فقدت قيمها واغتربت عن ذاتها، لكنها ما تزال واقفة، ممسكة بكرامتها، كأنها آخر ما لم يُنهَب بعد…!!



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جين أوستن: حياة قصيرة… وعاطفة طويلة لا تنطفئ (في الذكرى الـ2 ...
- بين الدفع النقدي والدفع الرقمي: امتحان الكرامة خارج الوطن
- علم اقتصاد المعنى…بين القلم والممحاة
- زلزال في اليابان… أم رسالة انتظار خُطّت بالدموع
- أنثروبولوجيا الديمقراطية في العراق
- إفطار في نيويورك وصداه في بغداد
- السعر وصراخ الحرية : زوربا من جديد
- ذاكرة الجوع وابتكارات البقاء: سردية من بكين
- ثلاثية تتناسل في معارك الشرق: التواطؤ… السلطة… التبرير
- عاصفة عيد ميلادي: الخريف الضائع
- الطبيب حميد تاج الدين رجالٌ عظامٌ من بلادي
- خطاب الصمت في الفضاء الرقمي السائل
- منظر دجلة بين طفولتي وكهولتي: الخوف والخجل
- علم النفس التربوي يوم تعثّرت أيديولوجياته في ذاكرة طفولتي
- رغيف الخبز: الأم والوطن والطفولة (من ذاكرة الجمر والقمح)
- قصر النهاية: حين مررنا بالسجن ولم نعد إلى بابل
- الشاي… نباتُ الصين العظيم من قرن الإذلال إلى الحرب التجارية ...
- اقتصاد الدموع : حين يصبح الحنين عملةً رمزية.
- خليجان يحرسهما قمر واحد – من أزمنة لا تموت رحلة تأملية بين ف ...
- السفرة المؤجَّلة: أزمنة لا تموت


المزيد.....




- الناشطة نرجس محمدي تتعرّض لضربات عنيفة خلال توقيفها
- إدانة نحو ثلاثين شخصًا بتقديم بلاغات إغتصاب كاذبة
- رئيس وزراء ولاية هندية يثير الغضب بعد سحبه حجاب امرأة في حفل ...
- “زُهرة قصر” تدهورٌ صحيّ داخل السجن القسري في بريطانيا
- أين انتهى المطاف بسليلي الأسرة العثمانية، وكيف يٌنظر إليهم ف ...
- تقرير دولي: التكنولوجيا توسّع دائرة العنف ضد النساء عالميًا ...
- ليبيا: قرار أمني يقيّد التصوير الدعائي للنساء بذريعة “الآداب ...
- اليمن: تزويج الطفلات باسم الفقر والحرب
- الفاشر: مؤشرات لمقابر جماعيّة وطمسٌ منظّم للأدلة
- بسبب إهانة مديرة المدرسة لها انتحار طالبة في ثانوية النجف لل ...


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - مظهر محمد صالح - شقاء الطبقة الوسطى: حكاية أمّ وابنتيها حين خانتهنّ الحياة