أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - الهدم الإداري للبنايات القديمة في المغرب بين مقتضيات القانون 66.12 ومبدأ عدم رجعية القوانين: قراءة قانونية نقدية في ضوء الممارسات الحالية















المزيد.....

الهدم الإداري للبنايات القديمة في المغرب بين مقتضيات القانون 66.12 ومبدأ عدم رجعية القوانين: قراءة قانونية نقدية في ضوء الممارسات الحالية


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 19:30
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


شهدت الساحة العمرانية والإدارية في المغرب خلال السنوات القليلة الأخيرة موجة واسعة من قرارات الهدم الإداري التي استهدفت مباني قديمة شيدت منذ عقود طويلة، سواء داخل المدار الحضري أو في المحيط القروي، في سياق تطبيق موسع لأحكام القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء. وقد ترتب عن هذا التطبيق هدم آلاف إن لم تكن عشرات الآلاف من البنايات المستقرة عبر التراب الوطني، رغم أن العديد منها لم تطرأ عليه أي تغييرات حديثة، وهو ما أثار ويثير نقاشا قانونيا عميقا حول مدى مشروعية تطبيق قانون حديث على وقائع قديمة، وخاصة في ضوء المبدأ الدستوري حول عدم رجعية القوانين الذي يشكل أحد ضمانات استقرار المراكز القانونية للأفراد¹.
ويعتبر القانون رقم 66.12 نصا زجريا ذا طبيعة خاصة، إذ يتضمن مقتضيات مشددة تخول للإدارة سلطات واسعة في التدخل الفوري، مثل إيقاف الأشغال والهدم المباشر وإحالة المخالفين على النيابة العامة. وبالنظر إلى هذه الطبيعة الزجرية، فإن تطبيقه يخضع لمبدأ عدم رجعية القوانين، ما يعني أنه لا يجوز تطبيق مقتضياته على مخالفات عمرانية يعود تاريخها إلى ما قبل صدوره سنة 2016 ². وقد جسدت المحاكم الإدارية هذا المبدأ في عدد من الأحكام، أبرزها الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 173/7110/2018 بتاريخ 15 مارس 2018، الذي قضى بإلغاء قرار هدم استهدف بناء قديما، واعتبر أن تطبيق القانون 66.12 بأثر رجعي يشكل خرقا للدستور³.
ويذهب باقي القضاء الإداري المغربي في الاتجاه ذاته، إذ اعتبرت المحكمة الإدارية بفاس في حكمها عدد 355/7110/2017 بتاريخ 12 أكتوبر 2017 أنه لا يمكن ترتيب أثر زجري على مخالفة عمرانية قديمة، لأن تقييم المخالفة ينبغي أن يتم في ضوء القانون الساري وقت حدوثها، لا بموجب نص لاحق⁴. وتعد هذه المقاربة تكريسا لفكرة الأمن القانوني التي تفرض على الإدارة احترام الوضعيات القانونية المستقرة، وعدم إعادة تصنيفها كـ"مخالفات" وفق معايير جديدة.
ويلاحظ في الواقع العملي أن عددا هائلا من قرارات الهدم تتخذ اعتمادا على معطيات غير مكتملة على أساس محاضر معاينة حديثة تصف مبان قديمة بأنها "غير مرخصة"، دون التحقق من كون الترخيص لم يكن مطلوبا أصلا عند تشييد تلك البنايات منذ عقود خلت. كما أن بعض القرارات تأتي بتعليل مقتضب وغامض لا يرقى إلى مستوى إعمال خطير كالهدم. وقد تدخل القضاء الإداري لتصحيح هذا الخلل من خلال الحكم عدد 422/2019 الصادر عن المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 20 يونيو 2019، الذي أكد ضرورة التعليل الدقيق والتفصيلي لقرارات الهدم، معتبرا أن عمومية التعليل أو غموضه يجعل القرار مشوبا بالشطط في استعمال السلطة⁵.
ويظهر من خلال الاجتهاد القضائي أن الهدم لا يعد مجرد إجراء تنظيمي عادي، بل هو تدبير يمس بحق الملكية بشكل مباشر، ولا يجوز اللجوء إليه إلا في حالات محددة. وقد أكدت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرارها عدد 299/2020 بتاريخ 3 فبراير 2020 أن الهدم لا يمارس إلا إذا كان هناك خطر داهم أو مخالفة حديثة تستدعي التدخل الفوري، أما في الحالات القديمة المستقرة، فإن اللجوء إلى الهدم يشكل تجاوزا للسلطة التقديرية الممنوحة للإدارة⁶. وتدعم المحكمة الإدارية بأكادير هذا التوجه من خلال حكمها عدد 1123/2019 بتاريخ 28 نوفمبر 2019، الذي اعتبر أن البناء القديم المستقر لا يمكن هدمه إلا بموجب حكم قضائي، لأن اللجوء إلى قرار إداري في هذه الحالة يمس ضمانة أساسية هي حماية المراكز القانونية المستقرة⁷.
إلا أن إدراج الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري ضمن معالجة هذه الدراسة، يظهر بوضوح التباين بين النص القانوني والممارسة الإدارية. فالإدارة، أصبحت في أغلب الحالات، تسعى إلى معالجة تراكمات عمرانية قديمة من خلال استعمال آليات زجرية حديثة، دون التمييز بين الحالات التي تستدعي التدخل الفوري والتي التي تتعلق ببناء مستقر عمره عقود. وتؤكد أغلب الحالات الحديثة أن هذا التوجه يفضي عمليا إلى المساس بمبدأ الأمن القانوني، ويغذي شعورا متزايدا لدى الأفراد بانعدام التوازن بين حماية النظام العمراني وضمان الحقوق الفردية.
ومن الواضح أن معالجة وضعية البناءات القديمة تتطلب رؤية قانونية وسياسية شمولية تقوم على التمييز بين البنايات الخطيرة التي تستوجب تدخلا عاجلا، وبين البنايات المستقرة التي ينبغي إيجاد حلول لتسوية وضعيتها دون اللجوء ربما إلى الهدم. كما تستلزم هذه المعالجة تعزيز الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة، وتطوير مساطر ملائمة تسمح بتسوية الوضعيات القانونية للبناءات القديمة8 بما يضمن الانسجام بين مقتضيات الضبط العمراني ومبادئ الدستور.
إن اتساع دائرة قرارات الهدم الإداري للبنايات القديمة خلال السنوات الأخيرة، استنادا إلى القانون 66.12، يضع المنظومة العمرانية والإدارية أمام اختبار حقيقي يتعلق بمدى احترام مقومات دولة الحق والقانون. فرغم كون ضبط المجال العمراني ضرورة تنظيمية لا غنى عنها، فإن ممارستها تظل مقيّدة بضوابط دستورية جوهرية، وفي مقدمتها مبدأ عدم رجعية القوانين، وحماية الأمن القانوني، وصيانة المراكز القانونية المستقرة للأفراد. وفي هذا الإطار يبرز دور القضاء الإداري في تكريس رقابة فعالة تكبح أي انزياح في استعمال السلطة التقديرية، وتعيد للتشريع روحه وللممارسة مشروعيتها.
وتتأكد خطورة الإشكال حين تنفذ إجراءات الهدم – سواء القانونية أو التعسفية - خلال السنة الدراسية، وفي هذا البرد القارس، لما يترتب عن ذلك من مساس مباشر بالاستقرار الأسري وتشريد فعلي للأسر، بما يخل بالتزامات الدولة في ضمان السكن اللائق وحماية الروابط العائلية. كما ينتج عنه اضطراب عميق في المسار التعليمي للأطفال، ويهدد حقهم في التمدرس - بوصفه حقا دستوريا ومحميا بموجب الاتفاقيات الدولية - سواء عبر الانقطاع عن الدراسة أو التأثير السلبي على جودة التعلم نتيجة فقدان البيئة المستقرة.
إن بناء دولة الحق والقانون لا يتحقق عبر توسيع أدوات الزجر، بل عبر تبني مقاربة متوازنة تراعي خصوصية البناءات القديمة - وحتى الجديدة في بعض الأحيان - وتستلزم حلول تسوية مدروسة، بما يضمن التوفيق بين متطلبات النظام العمراني وحماية الحقوق الأساسية، ويحول دون تفاقم الهشاشة الاجتماعية وتعميق مظاهر الإقصاء، وصولا إلى ممارسة إدارية منسجمة مع روح الدستور ومبادئ العدالة.
ملحوظة: سيكون حديثنا المقبل ان شاء الله حول أسس ومعايير دولة الحق والقانون
الهوامش
1. الفصل 6 من دستور 2011، الذي ينص على مبدأ عدم رجعية القوانين.
2. محمد الأعرج، القانون الإداري المغربي: مبادئ وتطبيقات، دار أبي رقراق، 2019، ص. 211.
3. حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 173/7110/2018 بتاريخ 15 مارس 2018.
4. حكم المحكمة الإدارية بفاس عدد 355/7110/2017 بتاريخ 12 أكتوبر 2017.
5. حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 422/2019 بتاريخ 20 يونيو 2019.
6. قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 299/2020 بتاريخ 3 فبراير 2020.
7. حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 1123/2019 بتاريخ 28 نوفمبر 2019.
8. رخصة التسوية المنصوص عليها في المادة 40 من القانون 12.90 كما تم تتميمه بقانون 12.66
النصوص القانونية
• دستور المملكة المغربية صدر بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011 الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر وتاريخ 30 يوليوز 2011
• القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، 25 أغسطس 2016 بموجب ظهير شريف 1.16.124 الجريدة الرسمية عدد 6501 بتاريخ 19 سبتمبر 2016.
• القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير. الظهير الشريف رقم 1.92.31، بتاريخ 17 يونيو 1992 الجريدة الرسمية عدد رقم 4159، بتاريخ 15 يوليوز 1992.
• القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية، ظهير شريف 1.92.7 بتاريخ 17 يونيو 1992 الجريدة الرسمية عدد 4159 بتاريخ 15 يوليوز 1992
• الظهير الشريف رقم 1.60.063 الصادر في 30 من ذي الحجة 1379 (25 يونيو 1960) بشأن توسيع نطاق العمارات القروية، الجريدة الرسمية عدد 2482 بتاريخ 1 يوليوز 1960



#خالد_خالص (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 8 دجنبر 1975: تهجير المغاربة من الجزائر ومقتضيات الذاكرة وال ...
- قضية المهداوي… قراءة قانونية في اختلالات مسطرة تأديبية تمس ح ...
- حين تتحول إصلاحات مهنة المحاماة إلى أداة سياسية ...
- المغرب – الجزائر: اليد الممدودة ومخاطر الواقعية
- تعليق على أمر قاضي المستعجلات بالإذن بالحيازة
- بين مقتضيات التنظيم واحتمال تكريس الإفلات من العقاب: المادة ...
- عودة تجربة – مباراة المغرب ضد نيجير مجمع مولاي عبد الله، 5 ش ...
- عودة تجربة – مباراة المغرب ضد نيجير- مجمع مولاي عبد الله، 5 ...
- حين تطغى الإثارة الرقمية على حرمة الحياة الخاصة: بين الضجيج ...
- الاعتداء المادي: حينما تتجاوز الإدارة الدستور والقانون
- رسالة مفتوحة ردًّا على «لغز محمد السادس»: بين السرد الإعلامي ...
- قرار المحكمة الدستورية… جرس إنذار للتشريع المغربي
- الدفع بعدم الدستورية في المغرب: الحق المعطَّل ومخاطر التشريع ...
- تغييب المحامين عن صناعة التشريع القضائي: قراءة دستورية ومؤسس ...
- صياغة القوانين ودور المؤسسات الدستورية
- المحكمة الدستورية بين القانون بكامله وبين -الجلي- و-البيّن- ...
- مسار صناعة التشريع ودور المؤسسات الدستورية؛ المجلس الأعلى لل ...
- قرار المحكمة الدستورية: صراع خفي بين -رقمنة العدالة- واستقلا ...
- قرار المحكمة الدستورية بشأن المادتين 408 و410… تكريس لاستقلا ...
- المادة 339 من قانون المسطرة المدنية: قرار المحكمة الدستورية ...


المزيد.....




- الأمم المتحدة: وقف إطلاق النار في غزة لا يزال هشا
- اعتقال خلية لتنظيم الدولة بإدلب واجتماع يبحث الوضع الأمني با ...
- حماس: مصادقة لجنة بالكنيست على حظر خدمات الأونروا إجراء خطير ...
- الأمم المتحدة قلقة إزاء تصاعد القتال في إقليم كردفان بالسودا ...
- -إسرائيل تنتهك حصانات الأمم المتحدة-.. لازاريني: الأونروا تو ...
- حماس: مصادقة الكنيست على حظر تزويد الأونروا بالخدمات الأساسي ...
- مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل تواصل خروقاتها للقرارات ...
- -شبكات- تتناول حياة الأسد في موسكو وإعدام مواطن خارج القانون ...
- الأمم المتحدة: مقتل 100 مدني على الأقل بالمسيرات في منطقة كر ...
- آلاف الخيام تغرق بغزة ورداءة أحوال الطقس تفاقم معاناة النازح ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - الهدم الإداري للبنايات القديمة في المغرب بين مقتضيات القانون 66.12 ومبدأ عدم رجعية القوانين: قراءة قانونية نقدية في ضوء الممارسات الحالية