خالد خالص
الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 15:59
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
ينص الفصل 113 من الدستور صراحة على ما يلي:
"يبدي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك، أو الحكومة، أو من البرلمان، الرأي حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء، مع مراعاة استقلاله.
كما يُستشار المجلس وجوبًا في مقترحات ومشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة به، وكذا في مشاريع النصوص التنظيمية المتعلقة بالتنظيم القضائي، وإقامة المحاكم، وكذا في مشاريع القوانين التي تخص سير العدالة أو الوضعية الفردية للقضاة."
هذا المقتضى يلزم الحكومة، كما البرلمان، باستشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية كلما تعلق الأمر بمشاريع قوانين مرتبطة بسير العدالة. ومن أبرزها مشروعا قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية، اللذان لم نلمس فيهما – واقعًا – بصمة المجلس الأعلى بالقدر الذي كان منتظرًا.
فإذا كان الدستور قد نص على إلزامية استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن الغرض كان واضحًا: حماية استقلال القضاء من أي مساس، ولو جاء في صورة نصوص تقنية أو مقتضيات إجرائية قد تبدو محايدة. غير أن القرار الأخير للمحكمة الدستورية كشف أن هذه الاستشارة انزلقت، في كثير من الأحيان، نحو مجرد إجراء بروتوكولي شكلي، بدل أن تكون ممارسة نقدية صارمة ذات أثر حقيقي على صياغة النصوص النهائية.
وتبقى المفارقة المؤسساتية بادية من خلال التساؤل التالي: كيف يُعقل أن المحكمة الدستورية، بعد عرض النص عليها، رأت بوضوح الخلل وألغت عددا من المواد لمساسها باستقلال القضاء، في حين لم يلتقط المجلس الأعلى للسلطة القضائية نفس الخطر أثناء مرحلة الاستشارة؟
هذا الوضع يفتح النقاش حول ضعف آلية التفاعل بين المؤسسات، وربما محدودية القراءة القانونية داخل المجلس، التي قد تكون اكتفت بالمشروع الحكومي دون مساءلة جوهرية.
إن الرسالة الضمنية التي يوجهها قرار المحكمة الدستورية، عدد 255/25 الصادر بتاريخ 4 غشت 2025، بخصوص الكثير من مقتضيات قانون المسطرة المدنية، هي أن التشريع المختل لن يصمد أمام الرقابة الدستورية، عندما يحال عليه، وأن صمت المجلس الأعلى للسلطة القضائية أمام مقتضيات تمسّ استقلال القضاء يفرغ دوره الاستشاري من مضمونه، ويجعله عرضة لانتقادات مشروعة من الجسم المهني، ومن الأوساط الجامعية والحقوقية.
والأخطر من ذلك، أن استمرار هذا النهج - كما وقع مع الأسف فيما يتعلق بمشروع قانون المسطرة الجنائية - قد يحول المجلس الأعلى للسلطة القضائية من فاعل دستوري منتج للحلول إلى مجرد شاهد صامت على اختلالات تشريعية تمس استقلال القضاء، وتضعف ثقة المواطن في دولة الحق والقانون.
#خالد_خالص (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟