خالد خالص
الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 14:56
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
1- من واقعة إلى مبدأ
شهدت العاصمة الرباط في الآونة الأخيرة وقائع صادمة، تمثلت في إقدام السلطات العمومية على هدم أسوار عدد من الفيلات الكائنة بزنقة سيدي يحيى، بموازات مع شارع محمد السادس – أحد أرقى شوارع العاصمة – وقامت بتوسيع طريق عمومي، دون احترام المسطرة القانونية المتعلقة بالإذن بالحيازة الصادر عن قاضي المستعجلات، علماً أن الجلسة مبرمجة فقط ليوم غد 2025/09/02.
هذه الخطوة ليست مجرد إجراء عملي، بل تشكل اعتداءً مادياً بالمعنى القانوني الدقيق، أي استيلاءً على ملك الغير دون أي سند مشروع.
2- خرق الدستور وضمانات الملكية
ينص الفصل 35 من دستور 2011 بشكل صريح على أن "الملكية حق مضمون"، ولا يمكن نزعها إلا وفق الشروط والإجراءات التي يحددها القانون، وبمقابل تعويض عادل. وما حدث بالرباط يمثل بالتالي خرقاً واضحاً للدستور، إذ جُرّد المالك من ضماناته الأساسية: المسطرة، التعويض، واللجوء إلى القضاء.
3- ظهير 6 ماي 1981، القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت
يُعتبر هذا النص المرجع الأساسي لأي تدخل يمس عقاراً خاصاً. إذ يفرض مساطر دقيقة تبدأ بإعلان المنفعة العامة، مروراً بصدور حكم قضائي بالإذن بالحيازة يصدر عن قاضي المستعجلات الإداري، قبل الانتقال إلى مسطرة نقل الملكية التي تبقى من اختصاص قضاء الموضوع.
وأي هدم لسور أو احتلال لعقار خارج هذه المساطر يُعدّ اعتداءً مادياً يجعل التصرف الإداري غير مشروع، ويعرّض الإدارة للمساءلة أمام القضاء الإداري.
4- خرق حرمة المنازل والحياة الخاصة، فضلاً عن البعد العقاري
تمثل الواقعة أيضاً اعتداءً على حرمة المنازل التي يحميها الدستور والقانون الجنائي معاً. فالهدم أو التوسعة دون سند قانوني لا ينتهكان فقط حق الملكية، بل يمسان بقدسية السكن باعتباره ملاذاً آمناً للأسرة، وهو ما يضفي على الاعتداء المادي خطورة مضاعفة.
5- المسؤولية القانونية والتعويض
استقرت اجتهادات القضاء الإداري المغربي على أن الاعتداء المادي يفتح الباب أمام دعوى التعويض الكامل عن جميع الأضرار، سواء كانت مادية (قيمة العقار المهدوم أو المستولى عليه) أو معنوية (المساس بالاعتبار الشخصي والشعور بالأمان).
كما يتيح للمتضرر إمكانية رفع دعوى شاملة ضد الإدارة قصد إعادة الحال إلى ما كان عليه إن أمكن، أو الحصول على تعويض عادل ومنصف.
الخاتمة
ما جرى في الرباط ليس مجرد "واقعة ميدانية"، بل هو جرس إنذار يؤكد ضرورة احترام أولوية القانون قبل أولوية الجرافات. فالدولة التي تتجاهل المساطر التي وضعتها بنفسها، تفقد مشروعية تدخلاتها، وتحوّل المواطن من شريك في التنمية إلى ضحية للاعتداءات المادية.
#خالد_خالص (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟