خالد خالص
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 18:14
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
لقد شكّل قرار المحكمة الدستورية عدد 255/25 الصادر بتاريخ 4 غشت 2025 بشأن قانون المسطرة المدنية – الذي توقفنا عنده طيلة هذا الشهر – محطة كاشفة عن أعطاب أعمق من مجرد ثغرات مسطرية. فهذا القرار -ولو انه لم يبث الا في "الجلي" و"البين" أعاد إلى الواجهة أزمة التشريع في المغرب، حيث يتجلى تداخل الارتجال الحكومي مع هشاشة الرقابة البرلمانية وتهميش الفاعلين الأساسيين.
فالحكومة تعاملت مع المشروع بأنانية مفرطة، وكأنه ملكية خاصة، متجاهلة ملاحظات المؤسسات الدستورية التي تمت استشارتها، وأبعدت مقترحات الفاعلين والمهنيين، بل وحولت النقاش إلى معركة شخصية، في حين أن التشريع يتطلب الحكمة وروح التوافق والتروي. أما البرلمان فقد اكتفى بدور المتفرج، غائبًا عن النقاش الجاد، ضعيفًا في رصيده القانوني، حتى بدا في لحظة المصادقة أقرب إلى غرفة تسجيل منه إلى مؤسسة تمثل الأمة.
كما برز بوضوح تهميش هيئات المحامين التي يفترض أن تكون شريكا محوريا في التشريع، بحكم خبرتها الميدانية اليومية، بخلاف التجارب المقارنة حيث يُمنح للمحاماة موقع مؤسساتي وازن.
والأخطر أن الفصل 133 من الدستور، المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين، ما يزال معطلاً منذ 2011 بسبب غياب القانون التنظيمي. فهذا النص الذي صادقت عليه الحكومة وأحالته على البرلمان، أُعيد إلى نقطة الصفر سنة 2018 بعدما صرحت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته مسطريًا. ومنذ ذلك التاريخ ظلّ القانون رهين الرفوف، ينتظر المصادقة في مجلس وزاري لم يدرجه بعد في جدول أعماله، وربما قد يُعرض في الشهور القليلة المقبلة، وهو ما يحرم المواطن من وسيلة جوهرية لحماية حقوقه، ويجعل قوانين غير دستورية تستمر في النفاذ دون تصحيح.
الخلاصة: لم يكن قرار المحكمة الدستورية سوى جرس إنذار يفضح هشاشة التشريع المغربي: حكومة مرتجلة، برلمان سلبي، مؤسسات دستورية غير مكترثة، ومحاماة مهمشة، وآلية دستورية معطلة. وهي كلها مؤشرات تؤكد أن أي إصلاح جاد يقتضي أولاً إعادة النظر في القوانين الانتخابية حتى لا يلج البرلمان إلا النخب النزيهة، المثقفة والواعية، بما يفرز حكومة تتحلى بالصفات ذاتها. كما يتطلب الأمر مساءلة المؤسسات الدستورية على ضعف اهتمامها الجدي بالتشريع، وإشراك جميع الفاعلين والمهنيين فيه، ثم الانطلاق في إصلاح تشريعي عميق يعيد للدستور روحه، ويمنحه مكانته كمرجعية حية وفعالة، لا كنص معلّق على الرفوف.
واتمنى صادقا أن تسهم مثل هذه النقاشات في ترسيخ وعي جماعي بأهمية التشريع المسؤول والمتوازن يشارك في صياغته جميع الفاعلين لأننا نشرع لبلد ولأجيال لا لأشخاص.
وسنقف عند هذا الحد بخصوص هذا القرار التاريخي، على أن نعود – في مناسبة لاحقة – إلى فن صناعة التشريع وما يختزنه من أسرار وخبايا.
#خالد_خالص (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟