أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - تغييب المحامين عن صناعة التشريع القضائي: قراءة دستورية ومؤسساتية














المزيد.....

تغييب المحامين عن صناعة التشريع القضائي: قراءة دستورية ومؤسساتية


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 00:20
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


تشكل العدالة أحد الأعمدة الجوهرية لدولة الحق والقانون، وهي لا تقوم إلا بجناحين متكاملين:
• القضاة: أصحاب سلطة الحكم والفصل في النزاعات.
• المحامون: أصحاب سلطة الدفاع وضمان حقوق المتقاضين.
هذا التوازن ليس ترفًا، بل يمثل ضمانة أساسية لتحقيق المحاكمة العادلة كما نص عليها الفصل 120 من دستور 30 يوليوز 2011.
إلا أن الدستور المغربي لم ينص صراحة على مهنة المحاماة
كمؤسسة دستورية، بخلاف ما فعل مع القضاة حيث أفرد لهم بابًا كاملاً تحت عنوان: "السلطة القضائية" (الفصول 107–116) ومنحهم مكانة دستورية صريحة كمكوّن أساسي من مكونات الدولة. بينما تبقى المحاماة مهنة حرة منظمة بقانون عادي، هو قانون مهنة المحاماة.
هذه المفارقة أفضت إلى منح المشرع الدستوري حضورًا لافتًا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في صياغة القوانين ذات الصلة بالقضاء، في حين لا زال المحامون يعانون من غياب دستوري، وهو ما يطرح إشكالية مؤسساتية كبرى.
1. المرتكزات الدستورية لمشاركة الفاعلين في التشريع
1.1 القضاة وحضورهم الدستوري
نص الفصل 113 من الدستور صراحة على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية:
"يبدي رأيه، بطلب من الملك، أو من الحكومة، أو من البرلمان، في كل مسألة تتعلق بسير القضاء، وفي كل مشروع قانون أو نص تنظيمي يخص القضاء."
وهذا يجعل استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلزامية في مشاريع القوانين المرتبطة بالعدالة، وهو ما يمنح القضاة مكانة مؤسساتية قوية في صناعة التشريع.
1.2 المحامون وغياب الحضور الدستوري
على النقيض، لم ينص الدستور على إلزامية استشارة هيئات المحامين، رغم كونها شريكًا أصيلًا في منظومة العدالة. بل أُدرجت ضمن مقتضيات الفصل 12 باعتبارها جزءًا من "الفاعلين المدنيين"، إلى جانب الجمعيات والمنظمات غير الحكومية. وهذا التماثل يُفقدها وزنها المؤسساتي ويجعل حضورها في التشريع هامشيًا.
1.3 الفصل 13 وآليات التشاور
ألزم الفصل 13 من الدستور السلطات العمومية بإحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية. غير أن التنزيل ظل محدودًا في إطار العرائض (القانون التنظيمي 64.14) والملتمسات (القانون التنظيمي 44.14)، دون أن يرقى إلى إشراك فعلي لهيئات المحامين في صياغة القوانين القضائية.
2. الممارسة العملية : من الاحترام إلى التهميش
تاريخيًا، كانت مشاريع القوانين المرتبطة بالعدالة والدفاع تعرض على جمعية هيئات المحامين بالمغرب منذ تأسيسها سنة 1962 باعتبارها الجهاز المنسق بين الهيئات، وكان يُرحَّب برأيها من قبل الحكومات المتعاقبة في إطار من الاحترام المتبادل، رغم أن رأيها كان استشاريًا غير ملزم.
إلا أن السنوات الأخيرة عرفت تراجعًا ملحوظًا؛ إذ باتت الاستشارة، إن تمت، تجري في كثير من الأحيان بنوع من التعالي والفوقية، وبعقلية إجرائية أكثر منها تشاركية، وهو ما يسيء إلى روح التعاون ويفرغ مبدأ المشاركة من محتواه.
هذا ما حصل مثلًا في مشروع قانون المسطرة المدنية (قرار المحكمة الدستورية رقم 255/25 بتاريخ 4 غشت 2025 أبرز بعض ثغراته)، وسيظهر أيضًا في مشاريع قوانين أخرى مثل قانون المسطرة الجنائية وقانون مهنة المحاماة. فرغم المذكرات المفصلة والندوات الوطنية والأيام الدراسية التي نظمتها هيئات المحامين، بقيت النصوص أقرب إلى التصورات الحكومية، بعيدًا عن مقترحات المحامين.
3. انعكاسات التغييب والتهميش : نصوص مثقلة بالاختلالات
إن تغييب المحامين أو إشراكهم صوريًا، إلى جانب غياب التفاعل الجدي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وضعف الأداء التشريعي للبرلمان، كلها عوامل تؤدي إلى إنتاج نصوص قانونية مشوبة باختلالات جوهرية.
وقد كشفت المحكمة الدستورية عن هذه الاختلالات في أكثر من قرار، من أبرزها القرار 255/25، الذي أسقط مواد متعددة لمخالفتها أحكام الدستور أو مساسها بضمانات الدفاع.
وبدل أن تكون القوانين أداة لحماية الحقوق وتعزيز الأمن القانوني، صارت في أحيان كثيرة مصدرًا للأزمات والطعون، لأنها تُصاغ في الغالب برؤية أحادية وتُمرَّر في البرلمان بأغلبية عددية، دون أن تستفيد من خبرة الفاعلين الحقوقيين والمهنيين.
4. المقارنة بالتجارب الدولية
• فرنسا: المجلس الوطني لنقابات المحامين (Conseil National des Barreaux) يُستشار إلزاميًا في مشاريع القوانين المتعلقة بالعدالة، ورأيه يُعتبر عنصرًا أساسيًا في المسار التشريعي.
• تونس: دستور 2014 نص صراحة على أن المحاماة "شريك في إقامة العدل"، وقانون المهنة يفرض استشارتها في مشاريع القوانين ذات الصلة.
هذه التجارب تؤكد أن إشراك المحامين ليس ترفًا أو مطلبًا فئويا، بل ضرورة لضمان جودة التشريع وصيانة الحقوق.
خاتمة وتوصيات
إن العدالة لا يمكن أن تُصان بجناح واحد. فإذا كان القضاة يحظون بحضور دستوري قوي في صياغة النصوص، فإن تغييب المحامين يجعل منظومة العدالة مختلة وغير متوازنة.
ولذلك، فإن معالجة هذا الخلل تستوجب:
1. التنصيص صراحة في الدستور أو القوانين التنظيمية على إلزامية استشارة جمعية هيئات المحامين بالمغرب أو المجلس الوطني للمحاماة المستقبلي في كل مشروع قانون يخص العدالة.
2. إعطاء قيمة إلزامية لرأي هذه الهيئات، أو على الأقل إلزام السلطتين التنفيذية والتشريعية بتعليل أي رفض لمقترحاتها.
3. التفكير في إحداث مجلس أعلى للتشريع يضم القضاة والمحامين والفاعلين الحقوقيين، لضمان جودة النصوص وتوازنها.
فالتشريع الجيد لا يصدر من رؤية أحادية، بل من حوار مؤسساتي متوازن يشارك فيه جميع الفاعلين، ضمانًا لعدالة متكاملة تصون الحقوق وتكرس الأمن القانوني.



#خالد_خالص (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صياغة القوانين ودور المؤسسات الدستورية
- المحكمة الدستورية بين القانون بكامله وبين -الجلي- و-البيّن- ...
- مسار صناعة التشريع ودور المؤسسات الدستورية؛ المجلس الأعلى لل ...
- قرار المحكمة الدستورية: صراع خفي بين -رقمنة العدالة- واستقلا ...
- قرار المحكمة الدستورية بشأن المادتين 408 و410… تكريس لاستقلا ...
- المادة 339 من قانون المسطرة المدنية: قرار المحكمة الدستورية ...
- المادة 288 من قانون المسطرة المدنية: قرار المحكمة الدستورية ...
- قرار المحكمة الدستورية بخصوص المادتين 107 و364 : انتصار لحق ...
- قرار المحكمة الدستورية بخصوص الفقرة الأخيرة من المادة 90: بي ...
- قرار المحكمة الدستورية وإشكالية التخطيط التشريعي: قراءة في ض ...
- قرار المحكمة الدستورية وإشكالية التخطيط التشريعي: قراءة في ض ...
- -أنا جلالة نفسي !-
- -انا عكسنا !-
- دادا الفاهيم... الموسوعة !
- الحقيقة الهشّة: الإنسان كما لا نراه
- الصحافة الرقمية
- عبد اللطيف أحمد خالص
- هل ستكون الحرب الإسرائيلية – الإيرانية سببًا في تغيير خريطة ...
- المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء المغربية
- سعاد خالص - مسيرة حافلة بالعطاء والتميز، منارة في دروب التعل ...


المزيد.....




- اعتقال فتى في فرنسا خطط لمهاجمة سفارات ومقار رسمية
- اعتقال فتى في فرنسا خطط لمهاجمة سفارات ومقار رسمية
- العراق يقدّم تقرير الشفافية الأول للتغيرات المناخية إلى الأم ...
- تونس.. وقفة تضامنية مع معتقلين سياسيين
- وصلت 9 طائرات.. قطر تواصل إغاثة أفغانستان بعد الزلزال المدمر ...
- مظاهرات في إسرائيل للمطالبة بإطلاق الأسرى وحماس تجدد قبولها ...
- تونس.. وقفة تضامنية مع -معتقلين سياسيين-
- عائلات الأسرى تحذر زامير: احتلال غزة لن يعيد المخطوفين بل سي ...
- وكالة الإمارات للمساعدات الدولية تواصل إغاثة غزة عبر 100 شا ...
- الأونروا: كلمة وزير الخارجية المصري تاريخية.. ورسالة دعم لنا ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - تغييب المحامين عن صناعة التشريع القضائي: قراءة دستورية ومؤسساتية