أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - الدفع بعدم الدستورية في المغرب: الحق المعطَّل ومخاطر التشريع بلا رقابة














المزيد.....

الدفع بعدم الدستورية في المغرب: الحق المعطَّل ومخاطر التشريع بلا رقابة


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 15:29
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مقدمة: حق دستوري معطل
جاء الفصل 133 من دستور 30 يوليوز 2011 بمستجد مهم يتمثل في إقرار آلية الدفع بعدم دستورية القوانين، التي تخوّل لأي طرف في نزاع قضائي الدفع بأن القانون المطبق على قضيته يمس الحقوق والحريات المضمونة دستوريا.
وكان يفترض في هذه الآلية أن تجعل المواطن شريكا في حماية الدستور، من خلال تمكينه من إثارة الرقابة على دستورية القوانين أمام المحاكم العادية والإدارية. غير أن هذا الحق ظل معلقا، لأنه مرتبط بصدور قانون تنظيمي يحدد شروطه وإجراءاته. ومع مرور أربعة عشر عاما، لم يصدر المشرع هذا القانون، وهو ما أبقى الفصل 133 حبراً على ورق.
أولاً: بين الرقابة السابقة واللاحقة – فراغ تشريعي خطير
بموجب الفصل 132 من الدستور، تحال وجوبا على المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبث في مطابقتها للدستور.
ويظل حق إحالة القوانين العادية على المحكمة الدستورية حكرا على جهات محدودة: الملك، رئيس الحكومة، رئيسا مجلسي البرلمان، خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعون عضوا من مجلس المستشارين.
وبالتالي، فإن غياب الإحالة من المذكورة صفاتهم يعني أن أي قانون – حتى لو كان مخالفا للدستور – يدخل حيز التنفيذ وينتج آثاره. هنا تبرز خطورة غياب آلية الدفع بعدم الدستورية، لأنها كانت ستسمح للمواطنين والمتقاضين بالطعن في القوانين المخالفة للدستور عند تطبيقها عليهم.
ثانياً: مثال حي – قانون المسطرة الجنائية الجديد
القانون الجديد للمسطرة الجنائية (القانون رقم 03.23 المصادق عليه في 20 ماي 2025) -الذي يتنظر الآن نشره بالجريدة الرسمية- أفرز مقتضيات أثارت نقاشا دستوريا واسعا، لما تنطوي عليه من مساس بمبادئ أساسية كالحق في المساواة وولوج العدالة.
فالمادة 3، وإن هدفت إلى تنظيم تحريك الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام، فإنها حصرت المبادرة في جهات إدارية ورقابية محددة، مما يثير شبهة التمييز بين الضحايا ويضعف ضمانة المساواة أمام القانون.
أما المادة 7، فرغم إقرارها بحق الجمعيات في الانتصاب طرفاً مدنيا، فقد قيدت هذا الحق بشروط شكلية مشددة من قبيل ضرورة التمتع بصفة المنفعة العامة، مرور أربع سنوات على التأسيس، والحصول في بعض الحالات على إذن من وزارة العدل، وهو ما يشكل قيوداً غير متناسبة على ممارسة حق التقاضي.
ورغم جسامة هذه الإشكالات، لم تعرض هذه المقتضيات وباقي المقتضيات الغير دستورية التي سيطول الوقوف عندها فبالأحرى شرحها، على رقابة المحكمة الدستورية، لتصبح نافذة بحكم النشر، وهو ما يكشف عن قصور في آليات المراقبة اللاحقة للدستورية.
ثالثاً: قرار المحكمة الدستورية لسنة 2018 – صفعة دستورية
ويؤكد هذا الوضع ما سبق أن وقفت عنده المحكمة الدستورية في قرارها عدد 70/18 بتاريخ 6 مارس 2018، حين صرحت بعدم دستورية مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين برمته، لا بسبب مضمونه، وإنما لعيب شكلي جوهري تمثل في عدم عرضه على المجلس الوزاري كما يفرضه الفصل 49 من الدستور.
هذا التعثر كشف بوضوح عن قصور الجهاز التنفيذي وضعف الجهاز التشريعي، إذ تعاملا مع القانون التنظيمي كما لو كان مجرد قانون عادي، متجاهلين أو جاهلين الفارق الجوهري بينهما. وهو ما اعتبرته المحكمة مساسا بصرامة المسطرة الدستورية.
لقد شكل هذا القرار صفعة قانونية وسياسية لوزارة العدل وللبرلمان آنذاك، وأدى إلى تأجيل تفعيل آلية الدفع بعدم الدستورية لسنوات إضافية، ليظل الفصل 133 حبراً على ورق، وتتعمق بذلك الهوة بين النص الدستوري والواقع التشريعي.
رابعاً: المخاطر المترتبة عن غياب الدفع بعدم الدستورية
إضعاف الرقابة القضائية: اقتصار دور المحكمة الدستورية على الإحالات السياسية أو المؤسساتية فقط.
إقصاء المواطن من الرقابة: المواطن، وهو المخاطب الأول بالقانون، محروم من حق الطعن في دستوريته.
تهديد الحقوق والحريات: القوانين المخالفة للدستور تبقى نافذة وتطبق رغم تعارضها مع أحكامه.
تفريغ الفصل 133 من محتواه: الآلية التي كان يعول عليها كـ "حصن لاحق" لحماية الدستور ظلت معطلة.
خاتمة: بين النص الدستوري والإرادة السياسية
إن غياب القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية يمثل ثغرة دستورية عميقة، تبقي الحقوق والحريات مجرد وعود دستورية غير قابلة للنفاذ. فالمحكمة الدستورية، مهما بلغت صرامتها في الرقابة السابقة، تبقى عاجزة عن مراقبة القوانين التي لم تعرض عليها، ما لم تفعّل الرقابة اللاحقة عبر آلية الدفع بعدم الدستورية.
لقد كان من المفترض أن يشكل هذا الدفع الحارس الأخير للدستور بيد المواطن، لكن تعطيله لسنوات طويلة جعل الفصل 133 فارغا من المضمون، وأبقى مصير الحقوق الدستورية رهينا بالإحالات السياسية والمؤسساتية المحدودة.
ومع ذلك، فإن الأمل لا زال حيا إذ تشير المعطيات الأخيرة إلى أن مشروع القانون التنظيمي الخاص بالدفع بعدم الدستورية جاهز منذ مدة وربما سيعرض على المجلس الوزاري في أكتوبر أو نونبر من السنة الجارية. وإذا تحقق ذلك، فسيكون بمثابة خطوة منتظرة منذ ما يناهز العقد ونصف، تعيد التوازن للمنظومة القانونية، وتمنح المواطن أخيرا الوسيلة العملية لحماية حقوقه الدستورية.
إلا أن نجاح هذه الخطوة لن يقاس بمجرد إخراج النص، بل بمدى صرامة ضماناته ووضوح إجراءاته، حتى لا يتحول إلى آلية شكلية جديدة، بل إلى أداة حقيقية لصيانة الحقوق والحريات، وتكريس دولة الحق والقانون.



#خالد_خالص (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغييب المحامين عن صناعة التشريع القضائي: قراءة دستورية ومؤسس ...
- صياغة القوانين ودور المؤسسات الدستورية
- المحكمة الدستورية بين القانون بكامله وبين -الجلي- و-البيّن- ...
- مسار صناعة التشريع ودور المؤسسات الدستورية؛ المجلس الأعلى لل ...
- قرار المحكمة الدستورية: صراع خفي بين -رقمنة العدالة- واستقلا ...
- قرار المحكمة الدستورية بشأن المادتين 408 و410… تكريس لاستقلا ...
- المادة 339 من قانون المسطرة المدنية: قرار المحكمة الدستورية ...
- المادة 288 من قانون المسطرة المدنية: قرار المحكمة الدستورية ...
- قرار المحكمة الدستورية بخصوص المادتين 107 و364 : انتصار لحق ...
- قرار المحكمة الدستورية بخصوص الفقرة الأخيرة من المادة 90: بي ...
- قرار المحكمة الدستورية وإشكالية التخطيط التشريعي: قراءة في ض ...
- قرار المحكمة الدستورية وإشكالية التخطيط التشريعي: قراءة في ض ...
- -أنا جلالة نفسي !-
- -انا عكسنا !-
- دادا الفاهيم... الموسوعة !
- الحقيقة الهشّة: الإنسان كما لا نراه
- الصحافة الرقمية
- عبد اللطيف أحمد خالص
- هل ستكون الحرب الإسرائيلية – الإيرانية سببًا في تغيير خريطة ...
- المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء المغربية


المزيد.....




- اعتقال مئات المتضامنين مع -فلسطين أكشن- في لندن
- جبهة الخلاص تتحدث عن خطوات لتقريب المعارضة.. -متمسكون بسراح ...
- وقفة تضامنية مع -معتقلين سياسيين- تونسيين
- وقفة تضامنية مع -معتقلين سياسيين- تونسيين
- اليونيسف: خطر المجاعة يتفاقم بمدينة غزة والوضع في القطاع كار ...
- العقوبات على منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية تُوسّع نطاق معرك ...
- إعدام سعودية قتلت زوجها حرقا بـ«الاسيد»
- إعدام سعودية قتلت زوجها حرقا بـ-الأسيد-
- -سكبت عليه مادة الأسيد الحارقة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام ...
- ألمانيا ـ قلة عدد اللاجئين السوريين العائدين لسوريا بعد سقوط ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - الدفع بعدم الدستورية في المغرب: الحق المعطَّل ومخاطر التشريع بلا رقابة