أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - حين تتحول إصلاحات مهنة المحاماة إلى أداة سياسية ...















المزيد.....

حين تتحول إصلاحات مهنة المحاماة إلى أداة سياسية ...


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 17:43
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


تعيش مهنة المحاماة في المغرب واحدة من أكثر لحظاتها هشاشة منذ عقود. فمنذ الإعلان عن مراجعة "شاملة" للقانون المنظم للمهنة، روج لهذه الخطوة باعتبارها تحديثا ضروريا واستجابة لرهانات المستقبل. غير أن الوقائع تكشف مسارا مغايرا، محكوما بالغموض وغياب الشفافية، وبنزوع واضح نحو إعادة ترتيب موازين القوة داخل الجسم المهني.
فعلى الرغم من الوعود الرسمية بإشراك الهيئات المهنية كما جرت به العادة وكما ينص عليه الدستور المغربي، ظل النص النهائي للمشروع خارج متناول النقباء والمجالس، وكافة المحاميات والمحامين، بل وحتى جمعية هيئات المحامين بالمغرب التي يفترض أن تكون الإطار الجامع لـ17 هيئة وطنية لم تتوصل بالنص – حسب الأخبار المتداولة-، رغم تأكيد رئيسها خلال المؤتمر الأخير للجمعية المنعقد بطنجة من 15 إلى 17 ماي 2025، أنه سيضعه بين أيدي المحامين، لتبقى الوثيقة معلقة بين التعهد والصمت.
أجريت لقاءات، ورفعت شعارات "التشاركية"، لكن ساعة الحقيقة كشفت أن الحوار لم يكن سوى واجهة شكلية. وأمام فراغ التواصل المؤسساتي، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسريبات انتقائية ركزت فقط على شروط الأقدمية والتمثيلية الجندرية للتصويت والترشح الى جانب المجلس الوطني للمحاماة بتركيبته المثيرة للجدل. وهي قضايا مهمة في الحكامة الداخلية، لكنها ليست إصلاحا، ولا ترقى إلى مستوى مشروع يوصف بـ "الشامل". ومع ذلك، دفعت إلى الواجهة عمدا، سواء كانت تسريبات حقيقية أم مضللة، لتفجير سجالات جانبية تشتت الصف المهني وتصرفه عن الأسئلة الجوهرية.
إن الإصرار على دفع عنصر قابل للاشتعال إلى السطح يطرح سؤالا بديهيا: ما الذي يراد إخفاؤه؟ وما الذي يهيأ تمريره بعيدا عن النقاش؟ فبينما ينشغل المحامون بجدل الأقدمية وكوطا المحاميات وتركيبة المجلس الوطني، وكلها كراسي غير دائمة، يبقى جوهر الإصلاح غائبا: استقلالية المحامي، حصانته، علاقته بمختلف السلط، حمايته، وشروط الممارسة المهنية وكرامة المنتمين اليها. وهكذا يتحول النقاش من نقاش حقوقي مؤسساتي إلى جدل إجرائي ضيق، بينما تمرر النصوص الأكثر حساسية بهدوء.
وتزداد الصورة قتامة حين نلاحظ أن القوانين التي صدرت أو عدلت خلال السنوات الأخيرة - وعلى رأسها قوانين المسطرة المدنية والجنائية - لم تبن على رؤية تشاركية تراعي موقع الدفاع داخل المنظومة. بل إن جزءا كبيرا من هذه النصوص، التي تفتقد الى النفس الحقوقي، لا تساعد المحامي على أداء رسالته وهو مطمئن ومحصن، لأنها تغفل طبيعة العلاقة العضوية بين الدفاع والضمانات القضائية، وتقصي المقاربة الحقوقية التي تجعل من المحامي شريكا في إنجاز العدالة لا مجرد طرف إجرائي.
وإلى جانب السياق التشريعي الملتبس، عرفت المهنة خلال السنوات الأخيرة موجة غير مسبوقة من "الإغراق الهيكلي"، بعدما تم تنظيم امتحانين في ظرف سنة واحدة ونيف شابتهما شبهات عديدة أثيرت بقوة في النقاش العمومي، وأسفرا عن تدفق ما يقارب سبعة آلاف وافد جديد على المهنة. وهو رقم ضخم لم تهيأ له مكاتب المحاميات والمحامين ولا الهيئات، ولم يواكبه أي تخطيط مؤسساتي يستحضر البنية الاقتصادية للمهنة، ولا قدرة مكاتب المحامين على التكوين، ولا حتى الطاقة الاستيعابية للمحاكم. ومع غياب هذه الشروط، تحول هذا التدفق إلى عامل إضافي لإضعاف المهنة، عبر الضغط على سوق العمل، وزيادة الهشاشة الاجتماعية للمحامين الشباب، وتعميق الفوارق المهنية داخل الجسم المهني.
إن المواثيق الدولية والدستور المغربي الذي يضعها تسمو على القوانين الداخلية، يضعان المحامي في صلب ضمانات المحاكمة العادلة، لكن هذا الموقع يتعرض اليوم للتآكل أمام ثقل قوانين لا تراعي موقع الدفاع، وسياسات غير مدروسة تغرق المهنة بالأعداد بدل تحديث بنيتها، وإصلاحات تسير نحو إعادة تشكيل التوازنات بدل تعزيزها. فلا أحد يتحدث عن الاستقلالية التي لولاها يفقد المحامي هويته، ولا عن الحصانة التي تتيح له الترافع بحرية، ولا عن موقعه كسلطة مضادة ولا عن الوضع الاجتماعي الهش الذي يعاني منه جزء كبير من المحامين، ولا عن الأزمة الأخلاقية التي تنخر الممارسة المهنية.
وفي العمق، لا يتعلق بسنوات الأقدمية ولا بمعايير الترشح بقدر ما يتعلق بالسؤال المركزي: هل يستطيع المحامي أن يمارس رسالته بكامل استقلاليته واطمئنانه وأمانه المهني؟ وهل نحن أمام تحديث للمهنة أم أمام إخضاع لها؟.
إن مهنة ممزقة، مثقلة بخلافات داخلية، ومثقلة بانتظارات اجتماعية، ومفتوحة على تضخم عددي غير محسوب، ومحملة بانقسامات انتخابية تستنزف طاقتها، هي مهنة معرضة للضعف. ومهنة ضعيفة لا تؤدي دورها كسلطة مضادة، ولا تشكل ضمانة للحقوق، ولا تزعج أحدا من أولئك الذين لا يرغبون في وجود دفاع قوي.
ولهذا، فإن المخاطر الناتجة عن إضعاف المحاماة لا تمس أهل المهنة وحدهم، بل تضرب أسس العدالة نفسها. فحين يخفت صوت الدفاع، يتراجع مستوى سيادة القانون، وتضعف الرقابة القانونية على القرارات الإدارية والقضائية، وتزداد قابلية المؤسسات للانزلاق نحو ممارسات غير خاضعة للمساءلة. كما ينعكس هذا الضعف على جودة المحاكمة العادلة، إذ تتراجع فعالية المواكبة القانونية والطعون، وتصبح الأخطاء القضائية أكثر احتمالا، بينما تهتز ثقة المتقاضين في القضاء.
ويمتد أثر هذا التراجع إلى الاقتصاد، حيث يتضرر الأمن التعاقدي، وتتراجع جاذبية المغرب للاستثمار، لأن أي بيئة استثمارية تحتاج إلى دفاع قوي قادر على تأمين التوازن في مختلف النزاعات. كما تتعرض الحقوق والحريات لهشاشة أكبر، إذ يصبح الصحافيون والحقوقيون والنشطاء أقل حماية، ويتزايد خطر التضييق عليهم في ظل ضعف قدرة الدفاع على التصدي للتعسف.
وتفرز هشاشة التنظيم المهني فراغا تستغله الممارسات غير المهنية، بما فيها السمسرة القضائية، التي تشوه صورة المهنة وصورة القضاء وتمس بثقة المواطنين في العدالة. كما يؤدي ضعف الصوت المهني داخل المحاكم إلى اختلال ميزان القوى، حيث يعلو صوت واحد وتختفي النقاشات القانونية المتعددة التي تغني الاجتهاد وتحسن جودة الأحكام. ويتعمق الخلل حين يستبعد المحامون من ورش الإصلاح التشريعي، فيفقد التشريع مرجعيته المهنية والحقوقية.
إن كل هذه التحولات تؤكد أن قوة المحاماة ليست امتيازا لأهلها، بل هي جزء من بنية الدولة الحديثة. وكل مساس بها هو مساس بسيادة القانون وثقة المواطن وجودة العدالة. ولذلك، فإن إصلاح مهنة المحاماة لا يمكن أن يكون تمرينا تقنيا أو أداة لإعادة هندسة التحكم، بل مشروعا وطنيا يحفظ مكانة الدفاع باعتباره صمام أمان ديمقراطي لا غنى عنه.



#خالد_خالص (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغرب – الجزائر: اليد الممدودة ومخاطر الواقعية
- تعليق على أمر قاضي المستعجلات بالإذن بالحيازة
- بين مقتضيات التنظيم واحتمال تكريس الإفلات من العقاب: المادة ...
- عودة تجربة – مباراة المغرب ضد نيجير مجمع مولاي عبد الله، 5 ش ...
- عودة تجربة – مباراة المغرب ضد نيجير- مجمع مولاي عبد الله، 5 ...
- حين تطغى الإثارة الرقمية على حرمة الحياة الخاصة: بين الضجيج ...
- الاعتداء المادي: حينما تتجاوز الإدارة الدستور والقانون
- رسالة مفتوحة ردًّا على «لغز محمد السادس»: بين السرد الإعلامي ...
- قرار المحكمة الدستورية… جرس إنذار للتشريع المغربي
- الدفع بعدم الدستورية في المغرب: الحق المعطَّل ومخاطر التشريع ...
- تغييب المحامين عن صناعة التشريع القضائي: قراءة دستورية ومؤسس ...
- صياغة القوانين ودور المؤسسات الدستورية
- المحكمة الدستورية بين القانون بكامله وبين -الجلي- و-البيّن- ...
- مسار صناعة التشريع ودور المؤسسات الدستورية؛ المجلس الأعلى لل ...
- قرار المحكمة الدستورية: صراع خفي بين -رقمنة العدالة- واستقلا ...
- قرار المحكمة الدستورية بشأن المادتين 408 و410… تكريس لاستقلا ...
- المادة 339 من قانون المسطرة المدنية: قرار المحكمة الدستورية ...
- المادة 288 من قانون المسطرة المدنية: قرار المحكمة الدستورية ...
- قرار المحكمة الدستورية بخصوص المادتين 107 و364 : انتصار لحق ...
- قرار المحكمة الدستورية بخصوص الفقرة الأخيرة من المادة 90: بي ...


المزيد.....




- تحذير جديد من خطر يهدد الأسير أحمد سعدات.. يتعرض للتعذيب بتع ...
- هيئة فلسطينية: ظروف اعتقال قاسية يواجهها أسرى -عوفر- الإسرائ ...
- الدجاجة بـ25 دولارا.. برنامج الأغذية العالمي يوثق استمرار مأ ...
- اعتقال جايير بولسونارو بعد اتهامه بمحاولة الفرار من الإقامة ...
- اعتقال عشرات احتجوا في لندن على حظر مجموعة -فلسطين أكشن-
- مسؤول بالأونروا يشرح كيف تواصل المنظمة عملها بغزة رغم الحظر ...
- اعتقال عشرات احتجوا في لندن على حظر مجموعة -فلسطين أكشن-
- الأونروا للجزيرة نت: فقدنا 380 موظفا بحرب غزة ونواصل عملنا ر ...
- إهمال طبي واعتداءات جسدية.. انتهاكات الاحتلال بحق الأسرى الف ...
- اعتقال ضابط إسرائيلي بتهمة تهريب عمال فلسطينيين


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - حين تتحول إصلاحات مهنة المحاماة إلى أداة سياسية ...