بهاء الدين الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 17:11
المحور:
الادب والفن
كيف يمجد التاريخ أبطاله وكيف نعيد ونفكك أسطورة البطولة التاريخية التي كانت مخدرا كبيرا لنا بدءا من رمسيس الثاني الذي قيل انه قد انتصر على الحيثيين وامضى معهم عقودا للسلم وعاد لنا بصور على المعابد وبعض عبيدهم ينحنون أمامه تمجيدا لذلك النصر وكذلك قدرتنا على استعادة صلاح الدين الأيوبي عند كل إحساس بالهزيمة في مواقعنا الحالية وهو أمر يؤكد عندنا أزمة في تفكير ذلك الجيل لان السؤال المهم ما هو الفارق ما بين عقل جيل الانتصار وعقل جيل الهزيمة وهل هناك ما يسمى بجيل الانتصار ويسمى بجيل الهزيمة وتبقى عدة أسئلة محورية هل انتصر صلاح الدين الأيوبي وحده على الصليبيين ولماذا تم اختزال كفاح الشعوب العربية بأكملها في شخص واحد هو صلاح الدين الأيوبي وبالتالي جاءت مسرحية باب الفتوح للأستاذ محمود دياب رحمه الله إجابة على عدة اسئلة تدور حول محور واحد وهو تفكيك مفهوم البطولة في الوعي الشعبي وكذلك تحليل أسباب الهزيمة النفسية التي أدت الى مفهوم ذلك الاستدعاء كمفهوم علاجي في حين أنه مفهوم مرضي. وبالتالي مفهوم البطولة وخلق البطل كنموذج خارق للعادة الإنسانية خاصة وأنه يتم اختصار تاريخ صلاح الدين الأيوبي حتى تحرير القدس ولم يذكر فيما بعد احتلال القدس بعده وكذلك خسارة عكا في حياته نفسها وقد صدرت هذه المسرحية عام 1971 بعد مقولات السيد الرئيس وقت ذلك عن رغبته في إقامة السلام مع اسرائيل وبالتالي جاء التفصيل مفهوم الصراع ومفهوم الحرب فليس الغرض الرئيسي هو الحرب بل ان الصراع هو فكرة رئيسية وان عدوك يريد اقتلاعك من الارض فلماذا تريد انت معه السلام وإن اعادة تصوير صلاح الدين الأيوبي وكذلك السادات من بعده على أنه بطل الحرب والسلام فكيف هو بطل الحرب وبطل السلام وهي كلها مفاهيم أراد الكاتب تصحيحها وذلك عبر عدة مسارات درامية:
1 إعادة تمثيل المشهد من خلال رؤية شبابية يكون ثلاث من الرجال واثنان من النساء وذلك من أجل خلق سيناريو بديل للواقع وإعادة إنتاج فكرة العدو وطرح سيناريو مقاوم لما يراد تسويقه حيث انهم لم يجنحوا للسلم أصلا بدليل أن سيمون لم تعطي ابا الفضل بيته بحجة أنها قد اشترته من الأمير بيير ذلك المحتلة حيث أعطى نفسه سلطة الامتلاك وبالتالي خلق نوعا من الوراثة التي تمنع صاحب الحق الرئيسي من استرداد بيته في القدس.
2 ثانيا مناداة القائد المنتصر إذا انتصر بالاصل أن يعيد إنتاج انتصاره على أرض الواقع فالانتصار ليس عسكريا فقط بقدر ما انه نوع من الإصلاح المجتمعي وبالتالي جذرية الحل ما بعد الحرب بقدر جذرية الحرب ما قبل الحرب وهذا أمر قد سماه الله في خلقه فلا قبول التوبة في حالة الحقوق إلا برد المظالم إلى أهلها وهنا يبدو مركب شرقي عند قادتنا المنتصرين وهو مركب كبرياء القائد الذي وعد ولا يريد أن يخلف وعده فقد أعطي صلاح الدين الامان لليهود وبالتالي سيطروا على حقوق المسلمين الذين اغتصب حقهم وبالتالي لم يتم تحرير مظلمة او تحرير تاريخ الظلم حيث يرصد صاحب الحق ليرد له حقه ما بعد الانتصار هنا مفهوم التحرير الحقيقي فليس التحرير تحريرا عسكريا بقدر ما انه تحرير اقتصادي واجتماعي.
3 المجايلة الحقيقية في مقياس النصر من عدمه حيث تم توظيف الشخصيات الافتراضية مثل أسامة بن يعقوب وفكره كتاب الفتوح و كتاب الفتوح هنا هو الشروط القياسية للتطور الحقيقي تلك الشروط التي يتم تداولها على لسان الشبان الأربعة حيث يقول الشاب الرابع في صفحه 22: ففكرتي ان التاريخ وهو ينافق السادة تجاهل الثوار عن عمد فالثوار هم في العادة ضد السادة. ولم تكن شخصية أسامة بن يعقوب إلا كنوع من الحيلة العقلية لدى هؤلاء الشباب حيث لا يفترض دوما ان البطل هو الوحيد الذي يصنع كل شيء فلابد من مجموعة من الثوار المحيطين به وذلك على قول الفتاة رقم 2 في صفحه 23: ان الايام التي صنعت صلاح الدين القائد كان من الممكن ان تصنع ثائرا.
4 السد الذي يصنعه الساده حول المنتصر ويحولون دون اكتمال نصره على المستوى الاجتماعي هذا أمر قد صنعه المبدع محمود دياب في مسرحيته بكفاءة شديدة روعه وهو يشير هنا إلى طائفة أغنياء الحرب أو طائفة المستفيدين من هذه الحروب وكذلك بدهاءهم صانعي بطولة وهمية كي يخلقوا جدارا ما بين القائد وشعبه هنا تصبح الازمه الحقيقيه في خلق سورة البطل الوهمية ذلك تلك الصورة التي تمثل نوعا من التخدير التاريخي للواقع الاجتماعي فيما بعده خاصة وان تشابهت الأزمات الاجتماعية تاريخيا، وقد تجسد ذلك في شخصية سيف الإسلام والعماد ذلك المؤرخ الذي كتب بطولة صلاح الدين الأيوبي سجعا وكأنه يمارس دور شاعر الحماسة ولم يكن يملك وعي المصلح الاجتماعي ولا عالم الاجتماع الذي يحلل الأحداث ليقرر لنا شروطا قياسية للانتصار من عدمه.
5 نجاح الكاتب في خلق إطارات وهمية للصراع حيث تدور المسرحية حول محاولة إيصال كتاب الفتوح وهو الشروط القياسية التي يقتضيها وعي ذلك الجيل الجديد والتي يطلبها من قادة الماضي حيث يحاكم الجيل المستقبلي الجيل الماضي وتكون الصراع حول فكرة الواقع الآن وهي ثورة ضد مقالات السلام الوهمية التي أطلقتها القيادة 1971 والمبادرات التي جاءت بعد هزيمة 1967، الرؤية هنا مرهونة بعدة أشياء إن هذا الجيل لم يجد احد يسمعه ثانيا ان هذا الجيل ليس سطحيا هو جيل جذري في طرحه لان حفيدي اصدق مني على أنه رأى تجربتي بأكملها وبالتالي طرح مسألة التوفيقيه وفكره استراحة المحارب تلك الفكرة شديدة السوء عبر تاريخنا المعاصر والقديم لأننا إذا استندنا الى فرد ليكون ممثلا لنا في حروبنا ونحمله اكاليل البطولة دون غيره يحتاج هذا البطل بحكم ضعفه الانساني الى فترة من الاستراحة وبالتالي يلقي ما وضع في يده لأنه لم يكن كفئا لإحتماله لأننا أعطيناه هدايا مجانيه قلنا له كن انت المسيح الذي يخلصنا من خطايانا واهملنا رؤانا الشخصية وقدرتنا على تعديل من يمثلوننا تلك هي الرؤية التي يقدمها الشباب في طرحهم لمستقبلهم.
6 هنا تأتي فكرة الشروط الموضوعية للنهضة وهنا الغرض الابستمولوجي الخاص بتلك المسرحية لأن محمود دياب لا يقدم لنا طرحا قائما على فكرة التسلية بقدر ما أنه قائم على فكرة التنوير والذكاء هنا في طرح تلك المسرحية أنها قد جاءت على لسان فتى قادم من الأندلس وبالتالي رؤية مغايرة لفكرة التاريخ ان ثغرات التاريخ التي ادت الى سقوط الأندلس لا يكون علاجها تقديسا للحاكم أو فكرة التوفيق او فكره المهادنة مع العدو لأن فكرة المهادنة مع العدو قد تم تجربتها في الأندلس ثم جاءت تجربة غرناطة دليلا على فشل تلك المهادنة وبالتالي جاء الرجل من الأندلس ليقول لصلاح الدين لا تهادن ولكن صلاح الدين لم يستمع اليه ولكن جاء العماد وسيف الإسلام وهما اسمان كان قد صنعنا تاريخا لصلاح الدين بصيغة أخرى وتأسيسا لأن العماد هو مؤرخه الرئيسي إذا نحن أخذنا الصورة الذهنية عن صلاح الدين وانتصاراته عن ذلك العماد فعندما يأتي العماد ليجادل الشباب افتراضيا لأن فكرة الزمن المسرحي هنا متداخلة فيقول لهم ماذا تريدون، فيقدمون روشتة الإصلاح من وجهة نظرهم والتي تتمثل في النقاط التالية:
اعتاق عبيد الأمة، لا يوجد بلد حر، بغير شعب حر، ما من شيء يدفع عبدا أن يستشهد ليصون الحرية للاسياد، ان يحمي ارضا لا يملك فيها شبرا ، ان يحفظ عين لا يعطى منها جرعة ماء، ان يمنح دمه ليحيى جلادوه هذا حق الله.
7 يطرح الكاتب رب فكرة التنوير حيث تقوم على بعد رئيسي أن الوعي لا يموت وأن الوعي ليس كتابا يقرأ بقدر ما أنه قناعات يتم تواترها حيث حتى أن كتاب الفتوح الذي جاء به أسامة بن يعقوب قد نسخه زياد وزياد هذا هو كاتب العماد ونظرا لأنه شابا يعاني حياته من باب وعيه وليس من باب امتهانه وكذلك قدرته على نشر تلك الفكرة حتى صار كل الشباب الذين قبض عليهم لم يمتلكون ذلك الكتاب هم جميعهم أسامة بن يعقوب وتأكيدا على فكرة أن الوعي لا يموت وهنا يقدم البعد الطبقي للصراع الفكري حيث يأتلف تاجر الرقيق مع تاجر النفائس مع سيمون اليهودية يصبح أسامة بن يعقوب نفسه محاصرا ولن يستطيع الوصول إلى صلاح الدين ليقرر له باب الفتوح هنا ذلك العنوان القابل للرؤية على اكثر من باب فباب الفتوح في مصر العتيقه هو الباب الذي يخرج منه الجيوش للفتوح وكذلك هو باب من أبواب كتاب التاريخ فكما أن في كتاب التاريخ باب للفتوح فهناك باب واخر للهزائم وهناك باب آخر للعمل وهناك باب آخر يحتمل كل الأشياء فليس التاريخ بابا واحدا كي يتم حصر الأحداث التاريخية في شخص واحد او رؤية واحدة أو بطل واحد. ثم يطرح الشباب عدد من الأفكار الثورية ليس الحكم بجارية مبتذلة يتخطفها الفتيان، يملكها الاسرع سيفا ، والادهى والأخبث في تدبير القتل، من حق الأمة أن تختار حاكمها بحريه ، أن تعطي البيعة للأحكم والأعدل والأكثر إيمانا بقضايا الناس. كل هذه الآراء قيلت في مناقشة لذلك العماد حتى ان العماد قد اختزل كل أعماله في قصيدة لمدح ذلك الخليفة وهو صلاح الدين الأيوبي.
قدم لنا محمود دياب مسرحية قادرة على البقاء لأجيال الاجيال لانها تطرح محاكمة المستقبل للواقع والماضي وذلك كي يتم تأسيس ذلك الواقع على أسس صحيحة هنا الراي التنويري الأهم الذي أراد محمود دياب طرحه وذلك حتى يطرح عن ذلك الماضي قداسته لأن الماضي هو لحظة من لحظات واقع ما في زمن ما كانت له شروطا موضوعية جعلت ذلك الإنتاج الخاص به متميزا عن حالة الهزيمة المعاصرة وبالتالي فإن إعادة إنتاج تلك الشروط الموضوعية هو الادق والاقوى في معالجة ذلك الواقع. وبالتالي يكتسب ذلك العمل واقعيته على الرغم من افتراضيه الزمن عنده حتى وان كان مشهد النهاية في تلك المسرحية يقتصر على مساحة المدح الممتده من خلال ذلك السجع الذي يقوله العماد في وصف شخصية صلاح الدين بينما يلف الظلام أسامة بن يعقوب حيث يتحلق حوله كل من اراد وعد أفكاره ولكن الأفكار لا تموت.
#بهاء_الدين_الصالحي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟