نجيب سرور وإعادة الطرح

بهاء الدين الصالحي

الحوار المتمدن-العدد: 8376 - 2025 / 6 / 17 - 17:34
المحور: الادب والفن
    

القدره على نقد الذات تلك مهارة لا يؤتاها إلا الحكماء لأنهم قادرون على إيجاد مساحة بينهم وبين الواقع لتكون الرؤية الثلاثية الأبعاد : البعد الأول القدرة على تجريد الحقائق ومحو الاشياء من مضاعفاتها المصطنعة. البعد الثاني: تحديد نطاق الرؤية حتى يتم البعد عن العموميات التي تعد بابا للتبرير من خلال التمترس خلف عبارات جاهزة توقعنا في مأزق التنميط الذي تجيد المؤسسة /الأخر صياغته وجعله سلطة لدى الكتلة الصماء التيأعادو تشكيلها لتصبح جدارا أمام الحقيقة. ثالثا: إعادة إنتاج الذات القادرة المتوافقة مع طبيعة الواقع الذي تمارس الذات الأولى الجدل معه. هنا الأزمة التي عاناها نجيب سرور، ذلك النموذج الإنساني الذي جاء في بروتوكولات حكام ريش إنتاج اللغة ليمارس عندنا نوعا من تكثيف اللغة حيث يتم إعادة تعريف الكلمات من خلال عدة سياقات يتم خلالها خلق بنيةجنينية قادرة على توليد المعاني التي تلتبس معانيها لتصبح اللغه غير ثابتة كصدي.
حيث الصوت في البروتوكول الثاني تأتي عدة سياقات لمعنى الكلمة: الباروكات - السفريات- المعكوسات في الاحذيه الجلاسيه اللماعه - الأقنعة - النفطيات - الحدآت - الآذان - الأعين - الأظفار - الأنياب - الملفوفة في ورق المرحاض. حيث يرصد ذلك العهر الثقافي ولعل رصد تلك الاستخدامات تؤكد على ثقل المعارك التي يعلنها حيث يقرر هدفه: جئت ألملم كل الكلمات المسمومة/ قطع الثلج/ حقن النسيان /البنج. هنا نجيب سرور يقدم صرفا لغويا جديدا حيث وهب نفسه نبيا للكلمة فجاء ليطهرها من كل دنس، ومن هنا جاء وصف حازم حسن له بدون كيشوت ولكنه وصف نختلف معه لأن جهد نجيب سرور لم يذهب هباء بل كان مسيح تلك الفترة ولكن الأزمة عند نجيب لدى الجيل الحالي والقادم في تقديم نجيب كمتمرد يجيد النطق سبا في حق عمن يعجز عنه الكتلة الهلامية عن ممارسته ليكون صوت الخرساء الذين أجهدهم الخوف قدرتهم عن التعبير عن ذواتهم.
مسألة التنبؤ من خلال عده مصطلحات: هاتف- صوت- بروتوكول. وهو أمر يعكس طبيعة الأزمة التي عانها نجيب في أخريات أيامه حيث القدرة على إستيعاب كم الهموم المجتمعية ولكن من يحارب مجتمعا بأكمله من خلال أدوات تكاد تكون غائبة من خلال سطوة عناصر الإنسحاق تحت قدم ذلك الكابوي ولكنه لم يكن يمتلك سوى المسرح هذا الجهبز في كل فنون الفكر المعاصر، هنا القدرة على طرح المعنى الحقيقي للأشياء دون مجاملة لتتعرى اللغة من كل أدوات البيان التي أصطكها مثقفي عصور الاقطاع الفكري ليكون تبريرا لنفسه أمام ضميره وكنوع من حفظ ماء الوجه ، وبالتالي جاءت قسوة الألفاظ التي شكلت قاموس نجيب سرور كنوع من المقاومة لكشف مساحة الازدواجية التي التي يمارسها ذلك المادح العصري من خلال أدوات النثر والشعر، وذلك على سبيل تهويد الفكر المصري: طبع بمقهي ريش /الإبداع /الشقق المفروشة/ التوزيع بأورشليم. وكآن ذلك صرخة أمام ذلك الزحف الذي مارسه دهاقنة البيع لتكون أزمة الوعي، ولكن القدرة على ذلك الوضوح هو أمر نابع من براءة النفس وشفافية الوعي لديه ليكون الصدق، وذلك العنوان وهو نوع من التوحد مع المثل ليكون بطلا رومانسيا قادما من عالم الأساطير ليكون الوضع الحقيقي عباره عن تجسيد مقابلة الجسد كضريبة للحقيقة. وهي تقنيه الخلود التي إصطنعها سقراط عبر التاريخ ليقدمها نجيب سرور في العصر الحديث، ليكون أل يهوذا مركب رئيسي في حياة مصر ذلك من خلال إعادة تلوين الاماكن وكأنه ينعي ذاته من خلال واحديته بعدما إستراح بعض رفاق السلاح في استراحه محارب مأزوم حيث الغربة في الوطن ولكن الحلم أصبح وطنه الجسد فصار الجسد المسكون بالحلم هو وقود لتلك المعركة لتكون النهاية هي الموت ولكن تبقى تلك الإشعاعات قادرة على الحلول في ذلك الجيل مدينا لفكرة الإستهلاك التي دمرت الصفوة من فرسان الامس لتصبح الخيانة مزدوجة هنا تصبح القدرة على المواجهة نوع من مسحنة الأداء ليصبح ذلك الجسد القابع تحت إستقطاب أتجاهين يتمزق الجسد ما بينهما، الغرائبيه التي وجد نجيب سرور الذي إمتلا جسده مثلا فصارت الحاجة لتجسيد الذات تداني الحاجة البيولوجية لولا ضغط الأولاد ، ذلك الإمتداد، هنا أزمة المثقف الذي تضاءلت حياته العظيمه التي صاغها من خلال وعيه المقلق، حتى صارت تلك الذوات التي باعت أشبه بالأفيال التي إنتهكها الفئران وهنا الاشارة لذلك التحالف غير المقدس بين دين السلطة الذي تحول لشرطه دين ولكنه من الفعل دان وأدان وإستدان وكل مركبات الدنو والدني، حتى يشعر ذلك المثقف بكمية العجز حتى يقرر لذلك الفأر بالسيادة لأن الفتوى المغرضة كانت بابا للصورية من الحقائق ثم تصبح تلك التقنية البروتوكول/ الصوت/ الهاتف. صورة ثلاثية للجدل حيث نقض الواقع الذي يتم تجريده وتعريته، ثم نقض من خلال الصوت ثم التنبؤ من خلال الهاتف ليصنع من خلال البروتوكولات ملحمه السقوط عبر ذلك الواقع: يا طالع الشجرة/ هات لي معاك بقرة/ الحق أقول /العبث اليوم هو المعقول.
ليعلن موت الفارس القديم وكأنه ينعي نفسه ضمن متلازمة الجسد وقود الحقيقة.
ما هي قيمة لقائنا الليلة بصدد مناقشة رواية عابر على الجسر لعبير درويش؟ إنه يقدم لنا عدة معايير معرفية:
١ إنتزاع الصورة الذهنية المتواترة عن نجيب سرور وإختزاله عبر الأميات وذلك بحكم الضخ في أنبوب التنميطات، تلك الصورة الذهنية التي تخلق العائق المعرفي ما بين المثقف الحقيقي والجماهير التي ألهتها لقمة العيش فصار الإعتزال قدرا إلا على الأبطال الذين قدسوا معادلة الجسد قربانا للحقيقة.
٢ خلق نمط أخلاقي شبه إسطوري من خلال التسكين الذهني دراميا لتلك الشخصية وإنتزاعها من قوة جفاف الحقائق التاريخية خاصة وأن مجال السياسة الفكرية لذلك الواقع الإجتماعي الذي عاش نجيب وعاشه نجيب سرور خاصة وأن ذلك الإنتزاع هو محاولة إنصاف للبحث عن طبيعة الإستجابة الإنسانية لنجيب سرور تجاه واقع اجتماعي نختلف نحن معاصروه أو تابعوه على توصيفه، هنا تكون تلك الروايات والدراسات النقدية عن نجيب لإعادته لكونه نموذجا قابلا للإقتداء بعد 100 عام وهو ما فعله شكسبير في طرحه تشخيصيا ذلك الأمير الدنماركي هاملت حيث حوله من حاكم كلاسيكي إلى شخص إقتات من جسده على حساب قلقه الوجودي، حيث يبحث عن قيمة الوفاء فلم يجدها ووجد ترسانة من الخيانات حوله تصيغ عالمه.
٣ لا يعد ذلك الإنتاج الروائي حول شخصية نجيب سرور نوعا من السردية الذاتية حتى وأن تضمن العمل بعض الأحداث الحقيقية من واقع السيرة الحياتية بل هي تحمل رؤية الروائي لذلك الواقع حيث يرصد ذلك الواقع من خلال التماس إنسانيا ما بين شخصية الروائي والبطل، ولكن حداثة ذلك العصر مع أنماط الفعل الإنساني المحتمل بفعل المجايلة وحالة الثبات الإجتماعي من خلال الخلل في الحراك الإجتماعي عبر التنازل عن ثوابت الشخصية المصرية بدءا من 1974 حتى كل طبقات الهبوط داخل جب التبعية الامريكية، وذلك بحكم تباين الخلفية الاجتماعية للروائي عن الواقع التاريخي لنجيب سرور نفسه وبالتالي يبحث الروائي عن الإنساني / الخالد/ الباقي /القيمة. وبالتالي يتحول المادي التاريخي إلى الإنساني/ الباعث /القيمة. هنا دور الفن فلم يكن نجيب سرور أيديولوجيا يتمترس خلف نظرية ولكنه كان يبحث عن وعيه الإنساني أولا ليكون ممارسا له من خلال متلازمة الصدق، ليصبح الجلاء في النظر مصدرا للشقاء والدليل الأبرز على ذلك وقوعه في فخ التناقض بين ملكية والده 13 فدان وطرحه لفكرة المساواة أمام الفلاحين ليصبح المقياس هنا مدي تطابق المعرفة مع الواقع وبذلك يكون العقل ومصدر القلق الوجودي وبذلك تبدا مأساة المبدع الحقيقي.
القلق الوجودي كمدخل لقراءة الإنسان المبدع المثقف داخل نجيب سرور حيث يرى هيدجر ان القلق الوجودي ليس مجرد شعور سلبي بل هو حالة رئيسية من حالات الوجود البشري، يتيح للإنسان إستكشاف حقيقة وجوده وليس الخوف بل هو إدراك عميق لوجود الإنسان في العالم وتفوقه على جميع الكائنات الأخرى حيث القلق يحقق عدة وظائف هامة:
* القلق يساعد الإنسان على التخلص من الهم الذي يعبر عن الإلتزام بالمعايير الإجتماعية وعلى التوجه نحو الأصالة أي العيش وفق التوجه الشخصي. * القلق يساعد على تجاوز العدم لأنه يساعد الإنسان على إستيعاب مفهوم العدم أو الفراغ الوجودي الذي يحيط به ويجعله يدرك أن الوجود لا معنى له إلا من خلال إختيار الإنسان وتفاعلاته* القلق يثير مسألة الحرية ويأتي القلق كتعبير ناتج عن سؤال ما هي الميتافيزيقا حيث أن القلق يقوم بإنتشال الذات من عمق الإنحطاط والعمومية التي تطبع ما هو يومي.
وهو أمر يشترك فيه المؤلف بالشخصية حيث البحث عن الوجود وبالتالي يتحول نجيب من خلال وعي الروائي لحالة قياسية تتيح له من خلال تحليل المواقف المشتركة من خلال المجايلة خاصة مع تعمق الأزمة المجتمعية لمصر عبر خمس عقود بما يوحي بالأزمة التي تستدعي لحظات مشتركة حيث يكون التناول هنا مرتبط بوعي الروائي بأحد أبعاد الشخصية مسار التعبير عنها مثال ذلك رواية سرور لطلال فيصل حيث تتناول الرواية حياة نجيب سرور من خلال أصوات المحيطين به مثل زوجته ساشا وشقيقه ثروت وطبيعة المعالج جلال عيسى وكذلك تتناول الرواية العلاقه بين الإبداع والإضطراب العقلي إعتمادا على بقاء نجيب فترة في مستشفى الأمراض العقلية والأمر هنا يعكس عدم الإشتراك الأيديولوجي مع نجيب حيث لم يكن نجيب مريضا عقليا ولكنه قلقا وجوديا، يعاني من حاله التضادم بين القيم والمثل وكذلك الواقع ولكن ذلك قدر الشخصيات المثيرة للجدل مثل نجيب سرور فقد أخذ المؤلف الحدث الذي اصطكته السلطة لخلق صورة ذهنية عن معارض السلطة فإفترض أنها حالهة يقينية وبنى على أساسها العمل الروائي ولكن المأزق هنا إذا تعاملنا روائيا مع سيرة إسماعيل المهداوي الصحفي الفيلسوف، كيف تعامل إنتاجه الفلسفي مع فكرة إنتاج الجنون كفكر فلسفي خالد تم تناوله عبر ميشيل فوكو. وبالتالي جاء إنتاج دكتور طلال فيصل إدراكا منه لشخصية نجيب من منظور الروائي نفسه وهو طبيب نفسي ولد عام 1985 أي بلغ عشرينياته عام 2005 خاصة وأنه قد درس الفلسفة وقد نال جائزة ساويرس عن روايته تلك 2015.
ماذا أضافت عبير درويش؟
ما هو المشترك بين عبير درويش ونجيب سرور بحيث يتم إستدعائه روائيا؟ بالعودة إلى موقع صدى : ذاكرة القصه المصريه بتاريخ ٣٠/١٢/٢٠٢٣حيث سردت عبير درويش رحلة التحدي حيث فكرة الشغف بالحرية وذلك من خلال تجربة القيد الزواجي حيث إدراج فكرة الزواج المبكر بعد حصولها على شهادة الإعدادية ولكن قيد الإنجاب لم يمنع فكرة الشغف المؤدي للتمرد بعودتها لمقاعد الدراسة مع ثلاثهة من الأبناء حتى وصلت إلى مرحلة الجامعة ولكنها فكرة التحدي والمشاعر المصاحبه له من اللذة والطموح والقهر والمحبة وإشتراكها مع نجيب في إدراك الصورة القميئة لذلك الواقع القائم على إستهلاك جهد المتدربين الصحفيين المخلصين تحت واقع الرغبه في التحقق وهي دائره شديده القبح، بعيدا عن الأخلاقيات المهنية ه تماما ، وتسوق عبير درويش قول يوسا عن الكتابة : هي عملية يقوم فيها كل جزء من شخصية الكاتب بدوره ، أفكاره، غرائزه ، حواسه ، كما يلعب الجانب المظلم في شخصيته دورا هاما شديد الفعالية إثناء الكتابة بعد ثمانية أعوام من العمل بالصحافة نشرت خمس مجموعات قصصيه ورواية حلم قصير التي تحكي عن تاريخ الإسكندرية تحت الاحتلال لمدة 74 عام ولم تلجأ على حد قولها للتخييل السردي حيث إستعانت بوثائق مكتبة الإسكندرية ولعل عشقها للاسكندريه اخرج خلالها رواية اخرى اسمها في مواجهة البحر. وليس غريبا أن تستند لإعادة نجيب سرور من خلال حقائق وتشترك في عملية المعاناة حيث ترصد أن المتعة هي المقابل المعنوي لزمن الإنكفاء على الصفحة البيضاء وهي وسيلة التحقق الوحيده لها وهي تقابل عندها عشق المسرح عند نجيب وفي ذلك يلتقيان وتلك المتعة ليست بالانكفاء لتسويد الورق ولكن بغاية بلوغ الهدف الرئيسي وهو المتلقي. وتختم قولها بتلك الكلمة الرائعة عن فكرة الجسد/ القيمة /الإبداع النور/ الإلهام.
( فما الذي سوف يحترق بعد وقد أهدرنا ما تبقى من فتيل شمعتنا فيما نعشق ورقصنا ونفخنا في بوق الكلمة حتى تهدلت على أثرها اوداجنا.

#بهاء_الدين_الصالحي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل