بهاء الدين الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 8262 - 2025 / 2 / 23 - 19:50
المحور:
الادب والفن
عاش الملك مات الملك: محاوله لقراءة مسرحية( بعد أن يموت الملك لصلاح عبد الصبور)
متى يعيش الملك ومتى يموت؟ هل هو قدر أم قرار ومن هو الملك وما هي ملامحه وما هو نصيبنا في صناعة ذلك الملك وكيف يموت الملك هل هو القدر أم قرارنا؟ تلك أسئله كلها تدور حولها مسرحية( بعد أن يموت الملك) لصلاح عبد الصبور ، ليقدم لنا بنية مسرحية أصر عليها من خلال تكرار ذلك عبر مسرحية ليلى والمجنون حيث دلالات العناوين المسرحية لديه أنها تحمل زادا معرفيا حيث يحتوي العنوان على سؤال فالحلاج مثلا يأتي العنوان حول أبعاد الماساه ليكون التساؤل حول طبيعة تلك المأساه من خلال الربط بين ذلك الصوفي السابح في ملكوت الله حيث الطبيعة الروحانية لذلك العالم ومساحة النعيم الذي لا ينتج إلا روحانيات وبالتالي أين ماساه الحلاج؟ وفلسفة العنوان عند صلاح عبد الصبور أنه يتحكم في وعي المتلقي ليكون السؤال الرئيسي الذي تولد داخله منارة رئيسيه يستكشف من خلالها أبعاد ذلك العنوان.
ثم نأتي إلى ليلى والمجنون ليكون الأمر مرهونا بليلى وليس بالمجنون، فالمجنون أدرك أزمته من باب عجزه عن إمتلاك ليلي لتكون القصة بأكملها حول وفاء أحد الذكور الراغبين في ليلي لتكون فضيلة ذكورية أيضا وأن العيب أن ليلى هنا لم تقاوم وتضحي كما ضحى ذلك المجنون. الجديد هنا في عنوان صلاح عبد الصبور هي ليلى الساردة عبر الزمان رؤيتها لعشاقها وتقييمها لهم ولعل تلك المسافة ما بين الليلي وعشاقها تأكد أن ليلى أبقى من عشاقها بدليل أن الطرح الذي قدمه صلاح عبد الصبوره هو إعادة تقييم الفارس/ العاشق /الشاعر /المثقف لذاته بعد أزمته في التعبير أولا ثم الولوج داخل ذاته ليكتشف أنه يحتاج لصيغة أخرى عبر القصيدة الاخيرة في النص والتي تناولت عجز خطابه عن الأداء برغبته الانسانية ، هنا تتجرد ليلي لتصبح معبرا للخلود وحلما للإمتلاك ولكنها أكبر من ذات ذلك الفرد وأن طريق منالها يحتاج نوعا من البطولة وإعادة تقييم الذات لتتحول ليلي من موضوع إلى حلم/ وطن/ ملهم.
ثم نأتي إلى عنوان مسرحيتنا بعد أن يموت الملك لتكون أداة الإستفهام محذوفة وذلك الحذف جاء لتوسيع الإستنتاجات وذلك لإتساع التساؤل وفق خبرة المتلقي بالدلالة المعرفية لكلمة الملك وإرتباطها بمفهوم السلطة ذلك المفهوم الذي إكتسب من خلال تعقيدات الحياة في العالم الثالث وتداعيات الدولة الوطنية الفاشلة ولكن المبهر في هذه المسرحية عدة دلالات معرفية:
١ تعدد الأبطال الفاعلين عبر المشهد المسرحي لتكون النساء الثلاثة الراويات هن الرابط ما بين فلسفة المؤلف وطبيعة الفعل المسرحي، وذلك لتحقيق تجريبي لدور الكورس كشاهد على تاريخ علاقة الشعب بالملك بدلا من كونه مبرزا لبعض جوانب المشهد الدرامي، كما كان في المشهد الدرامي اليوناني القديم ليكون الكورس فاعلا في المشهد لتحقيق الرسالة الفعلية من باب البطوله.
٢ هامشية دور الملك وجوقته ومركزية فعل الشاعر عبر التاريخ من خلال دلالة فعل الإخصاب ليعطي الملك ذلك الولد المعادل الموضوعي لفعل المستحيل القادر على محو دور التبعية المغرقة في الماضي ،ممثلا الملك والقاضي والمؤرخ والجلاد، وتلك أسماء مفاتيح قادرة على إثاره جدل حول تراتبية دورهم عبر تاريخ الحالة المسرحية وكذلك تخريج تاريخ المجتمعات التي تحتفظ بتاريخ مكثف من القهر، وذلك بفعل سلطان الموت الذي إزدوج فعله عبر تلك البنية المسرحية فموت الفكر وتجمده لدى المؤرخ /القاضي /الجلاد، جعلهم يزرعون إنسان الخوف داخلهم حتى ألغي ذواتهم فصار الماضي حاكما لهم لاغيا لديهم حياتهم الفعلية بدليل سعيهم لآسر الملكة التي تركت القصر مع الشاعر حيث رحلوا لموطن البراءة الاول وهو الماء ذلك النبع القادر على تطهير الأثام من خلال القدرة على التجاوز لتصبح متلازمة الألم مرحلة عابرة وخالقة لبعد الثورة داخل الذات الانسانيه القادرة على التجدد.
٣ تعبير المسرحية تعبيرا فلسفيا عن قدرة الثقافه والفن على تغيير شكل الواقع من خلال إيراد تفاصيل صغيرة ذات دلالة معرفية داخل النص التمثيلي المدمج داخل بنية الوعي الحواري القائم على حديث السيدات الثلاث اللائي قررن في نهاية المسرحية طرح النهايات الثلاثه المقترحة على الجمهور ليقرروا إنحيازهم إلى ما يقررون، على أن يتم تكييف نص المسرحية القادم وفق مشيئة الجماهير /الشعب/ المتلقي /الصانع للمستقبل، وذلك من خلال دلالة المزمار الذي فقأ عين الجلاد ففقد الصواب والرؤية وفقد سيفه ، وقتل بسيفه الذي قتل به كثيرا من الناس لمجرد تلبية رغبة الملك، وكذلك مقتل الجلاد بيد الشاعر الذي كان يمقته ليكون النصر المرتجي في النهايه للفكر على حساب القوة إذا أراد الشاعر أن يجرب مزماره ليكون الدم ذات دلالة مزدوجة هنا فالدم هنا مراق من خلال لسان الخياط الذي تزلف للملك ليلاقي جزاء سينمار، وكذلك دلالة إراقة دم الجلاد ليطال الملكه والشاعر، ليكون عربونا للحرية المتمثلة في حياة الملكة وإبنها الشاب القادم مع إدراك الشاعر لحريته وقدرته على الفعل ( هنا تكون نهاية ليلى والمجنون حيث قصيده سعيد الطويل لذلك النبي القادم بالسيف) لتشهد مسرحية عندما يعود الملك تنامي الرؤية لدى المبدع من التجريد إلى التجسيد بفعل سقوط كل نماذج السلطة لصالح نماذج الثقافة/ الحلم.
٤ اعلان عبثية فكرة القهر والسلطة وتلازمهما وكذلك التاكيد على أن الحرية هي الباب الملكي لإعادة تشكيل الرؤية القادرة على إعادة مفردات الحياة من خلال إنتاج عقلي جديد ليكون المستقبل من صنع الفكر والإخصاب ليكون القادم متحققا من خلال عدم صلاحية هيكل الحكم القديم بدليل تحطم العرش القديم وقرار الأبن الشاب بعدم صلاحية ذلك الهيكل كمسرح لأحلامه.
ويبقى السؤال هل كانت تلك المسرحيه إدانة لعهد دون أخر كما روج البعض على أنه إدانة لعهد عبد الناصر؟ الإجابة هنا: لا. لأن الشاعر هنا يبحث عن مفهوم الحرية بعيدا عن المواضعه الزمنيه والمكانيه علاوه على طبيعه الابداع لدى صلاح عبد الصبور انه يريد ان ينتج من الادب نمطا فلسفيا او اعاده تهذيب وجداني للذات الإنسانية ، من خلال هيكل القيم القائم على عالم المثل وفق نظريه أرسطو.
#بهاء_الدين_الصالحي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟