أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - تعدّد الأصوات النسويّة في رواية -علَقَة- للدكتورة نيفين سمارة














المزيد.....

تعدّد الأصوات النسويّة في رواية -علَقَة- للدكتورة نيفين سمارة


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 16:12
المحور: الادب والفن
    


تتناول هذه القراءة رواية «علَقَة» لنيفين سمارة (2024) بوصفها نصًا سرديًا ينتمي إلى تحوّلات الرواية العربيّة الحديثة التي أعادت النظر في بنية الصوت السرديّ ووظيفته، ولا سيما من خلال تقنيّات تعدّد الأصوات. فقد شهد الأدب العربيّ، منذ بدايات القرن العشرين، انتقالًا تدريجيًا من السرد الأحاديّ القائم على سلطة الراوي العليم إلى أشكال سرديّة أكثر انفتاحًا، تسمح بتجاور وجهات نظر متعدّدة دون إخضاعها لمنظور مهيمن. ويعدّ هذا التحوّل ذا دلالة فكريّة وأخلاقيّة، لأنّه يرتبط بإعادة تمثيل الإنسان بوصفه ذاتًا متشظّية، وبإفساح المجال لأصوات طالما جرى تهميشها في السرد التقليديّ.
تنطلق رواية "علَقَة" من هذا الأفق، إذ تقوم بنيتها على توزيع السرد على ثلاثة عشر فصلًا، يحمل كلّ منها اسم شخصيّة نسويّة مختلفة هي: مَلَكِة، خالدة، عائشة، جورجيت، سميّة، هديّة، رغدة، بثينة، غصون، حنان، سارة، هديل، وريم. ومن خلال هذا التوزيع، لا تسعى الرواية إلى تقديم حكاية واحدة متماسكة بقدر ما تسعى إلى بناء فسيفساء سرديّة، تتكوّن من شظايا تجارب نسويّة فلسطينيّة، لكلّ منها خصوصيتها النفسيّة والاجتماعيّة. كما أنّ اختيار الأسماء نفسها لا يخلو من دلالة رمزيّة، إذ تجمع الرواية بين أسماء ذات حمولة ثقافيّة ودينيّة وتاريخيّة متنوّعة، ما يعكس تعدّد الانتماءات والخبرات داخل المجتمع الفلسطينيّ. فاسم مثل "ملكة" يوحي منذ البداية بعلاقة ملتبسة بالقوّة والكرامة، في حين تحيل "خالدة" إلى فكرة الاستمرار والمقاومة الزمنيّة، وتستدعي "عائشة" حضورًا دينيًا وثقافيًا مألوفًا يعمّق الإحساس بالانتماء الجمعيّ. في المقابل، يشكّل اسم "جورجيت" علامة على التنوّع الدينيّ والثقافيّ، ويكسر أيّ تصوّر نمطي لهويّة نسويّة واحدة، بينما توحي أسماء مثل "هديل" و"ريم" بخفّة صوتيّة تقابل ثقل التجربة، بما يعمّق المفارقة بين الاسم والواقع المعاش.
تقدّم الرواية فلسطين بوصفها خبرة معيشة تتجلّى في تفاصيل الحياة اليوميّة للنساء، لا بوصفها خطابًا وطنيًا مجرّدًا. فموضوعات مثل المرض، والعنف، والاعتقال، والغياب، والفقد، والخيبة، والحبّ المقيَّد، تظهر من خلال أجساد الشخصيّات وذاكرتهن، بحيث يغدو الجسد موقعًا مركزيًا لتقاطع الخاصّ والعامّ. ولا يُقدَّم الجسد هنا بوصفه ضحيّة فحسب، بل بوصفه حاملًا للذاكرة، ومساحة تسجَّل فيها آثار القمع، وفي الوقت نفسه إمكانات الاستمرار.
من هذا المنظور، يمكن القول: إنّ الرواية تبتعد عن السرديّات الوطنيّة الكبرى، وتتّجه إلى مساءلة أثر الواقع السياسيّ والاجتماعيّ في التكوين النفسيّ للمرأة الفلسطينيّة. ويلاحظ أنّ النصّ لا يسعى إلى توحيد التجربة النسويّة أو اختزالها، وإنما يصرّ على إبراز تعدّدها واختلافها، بما يعكس وعيًا بأنّ الوجع الفلسطينيّ ليس واحدًا، وإنّما يتشكّل بحسب الموقع الاجتماعيّ، والطبقة، والعلاقة بالجسد، وبالذاكرة.
يحمل عنوان الرواية "علَقَة" دلالة رمزيّة كثيفة، يمكن قراءتها في سياق العلاقات القسريّة وغير المتكافئة التي تحكم مصائر الشخصيّات.
وفي سياق السرد النسويّ الفلسطينيّ، يمكن وضع "علَقَة" في موقع وسيط بين نصوص ركّزت على البعد التوثيقيّ المباشر لمعاناة المرأة تحت الاحتلال والبنى الأبويّة، ونصوص أخرى انشغلت بتجريب الشكل السرديّ على حساب الحمولة الاجتماعيّة. فالرواية لا تنخرط في خطاب احتجاجيّ مباشر، ولا تكتفي في الوقت ذاته بالانشغِال بالذات المعزولة، بل توازن بين تمثيل التجربة النسويّة بوصفها خبرة فرديّة وبين إدراجها ضمن أفق جمعيّ أوسع. وبهذا المعنى، تسهم "علَقَة" في توسيع مسار السرد النسويّ الفلسطينيّ عبر اعتمادها تعدّد الأصوات أداةً لإنتاج معرفة سرديّة مركّبة، تتجاوز ثنائية: الضحية والمناضلة، وتقدّم المرأة كذات تعيش التناقض وتنتج المعنى من داخله.
تخلص هذه القراءة إلى أنّ رواية "علَقَة" تقدّم نموذجًا سرديًا واضح المعالم يقوم على تعدّد الأصوات النسويّة بوصفه خيارًا فنيًا واعيًا، لا مجرّد تقنيّة شكليّة. ويظهر تحليلنا أنّ هذا التعدّد يسهم في بناء صورة مركّبة للتجربة الفلسطينيّة من منظور نسويّ، حيث يتداخل الجسد مع الذاكرة، والخاصّ مع العامّ، دون الوقوع في خطاب توحيديّ أو تبسيطيّ. كما يتبيّن أنّ الرواية تنجح، على الرغم من تشظّيها البنيويّ، في تحقيق تماسك داخليّ قوامه وحدة الوجع وتنوّع تمثّلاته.
وعليه، يمكن القول: إنّ "علَقَة" تضيف إلى الأدب النسويّ الفلسطينيّ المعاصر نصًا يوسّع أفق السرد الروائيّ، ويعيد تثبيت المرأة بوصفها ذاتًا فاعلة في إنتاج المعنى السرديّ، لا بوصفها موضوعًا له فقط. وتكمن أهميّة الرواية في قدرتها على تحويل التجربة الفرديّة إلى معرفة سرديّة قابلة للتأويل الأكاديميّ، ما يجعلها نصًا مفتوحًا على قراءات نقديّة متعدّدة، وجديرًا بالدرس ضمن سياق تطوّر الرواية العربيّة الحديثة.

الطيرة- 13.12.2025



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدليّة الغياب والحضور: قراءة نقديّة في رواية -الخليفة- سرديّ ...
- كلارا بوصفها محفّزًا سرديًّا: قراءة في التحوّل والانعكاس الذ ...
- الذاكرة والصراع النسويّ في الأدب الفلسطينيّ: قراءة نقديّة في ...
- قصيدة -سطعتْ- للشاعر أسامة مصاروة: جدليّة الضوء والهويّة في ...
- غياب المشروع الثقافي الجامع لدى اتحادات الكتّاب العرب في إسر ...
- حين يعود المكان قلبًا آخر: قراءة نقدية في قصة -وحلوة يا بلدي ...
- البحث عن المعنى في مرايا الوجود: قراءة نقديّة موسّعة في قصيد ...
- الإنسان بين الصورة والغياب في قصّة -الواتسآب في خدمة المتقاع ...
- قراءة في قصّة -الأستاذ وحصّة النهايات- للكاتب جمال أسدي
- سخرية الموت واللغة في قصَّة -الجنازة- للأديب الفلسطينيّ محمد ...
- قراءة نقديّة في قصيدة -أكل الولد التفاحة- للشاعر تركي عامر
- الذكاء الاصطناعيّ بين الرفض والقبول
- جماليّات اللهجة العاميّة في القصّة الفلسطينيّة المعاصرة: بين ...
- النقد في غرفة الإنعاش: أزمة العلاقات الاجتماعيّة تقتل الجدلي ...
- بين الصّمت والمقاومة: قراءة في رواية -لتكن مشيئتك-
- فاضل جمال علي: شاعر الطفولة وصوت الهويّة الفلسطينيّة في أدب ...
- مِنَ الصَّوْتِ إِلى الصَّمْتِ إِسْتِرَاتِيجِيَّاتُ التَّعْبِ ...
- المعلِّمُ العربيُّ: من مصدرٍ للمعلوماتِ إلى مُوَجِّهٍ للمعرف ...
- جمال عبد الناصر القائد الذي سكن قلوب العرب
- محمد علي طه: عميد القصّة الفلسطينيّة بين التجربة الإنسانيّة ...


المزيد.....




- لم يتراجع شغفه بالكوميديا والأداء.. الممثل ديك فان دايك أتمّ ...
- سوريا تنعى وزير ثقافتها الأسبق رياض نعسان آغا
- -إعلان باكو- يعزز الصناعات الإبداعية في العالم الإسلامي
- -بين الطين والماء-.. معرض تركي بالقدس عن القرى الفلسطينية ال ...
- هل حُلت أزمة صلاح وليفربول بعد فيديو الفنان أحمد السقا؟
- من الديناصورات للتماسيح: حُماة العظام في النيجر يحافظون على ...
- انطلاق الدورة الـ36 من أيام قرطاج السينمائية بفيلم فلسطيني
- أيام قرطاج السينمائية تنطلق بعرض فيلم -فلسطين 36-
- بعد تجربة تمثيلية فاشلة بإسرائيل.. رونالدو يتأهب للمشاركة في ...
- نافذة على الواقع:200قصة حقيقية تُروى في مهرجان-سينما الحقيقة ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - تعدّد الأصوات النسويّة في رواية -علَقَة- للدكتورة نيفين سمارة