أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - غياب المشروع الثقافي الجامع لدى اتحادات الكتّاب العرب في إسرائيل















المزيد.....

غياب المشروع الثقافي الجامع لدى اتحادات الكتّاب العرب في إسرائيل


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 20:15
المحور: الادب والفن
    


يشهد الوسط الثقافيّ العربيّ في الداخل الفلسطينيّ حالة من التعدديّة المؤسسيّة التي كان يفترض أن تثري المشهد الأدبيّ وتوسّع آفاقه، غير أنّ هذه التعدديّة تحوّلت تدريجيًا إلى انقسام بنيويّ يضعف القدرة على بلورة مشروع ثقافيّ مشترك. ولا يمكن فهم هذا الانقسام بوصفه خلافًا طارئًا أو نتيجة توتّر آنيّ، بل باعتباره حصيلة تراكمات طويلة ارتبطت بواقع اجتماعيّ وسياسيّ وثقافيّ معقّد. فقد نشأ الحراك الأدبيّ في بيئة تتّسم بانقسامات حزبيّة ومناطقيّة واضحة، وبغياب مرجعيّة ثقافيّة جامعة تُنظّم العمل وتوجّه مساراته، إلى جانب تباين الخلفيات الفكريّة والخيارات التنظيميّة لدى الأدباء والفاعلين الثقافيين.
ويتبيّن عند تحليل هذا الواقع أنّ عدّة عوامل أساسيّة أسهمت في تكريس حالة التباعد بين الاتحادات الثقافيّة. أوّل هذه العوامل يتمثّل في تداخل الانتماءات الحزبيّة مع العمل الثقافيّ، وهو تداخل انعكس على آليّة تشكيل الأطر الأدبيّة وعلى نوعيّة الاصطفافات داخلها، ما أضعف قدرة أيّ جسم ثقافيّ على العمل بوصفه مؤسسة محايدة تستند إلى معايير ثقافيّة لا حزبيّة. أمّا العامل الثاني فيرتبط بغلبة المبادرات الفرديّة وتشتّت الجهود؛ إذ أدّت الأدوار الشخصيّة لبعض القيادات الأدبيّة، على أهميّتها، إلى بناء مؤسسات ترتبط بشخصيّات بعينها أكثر مما ترتبط برؤية مؤسسيّة مستدامة، ما جعل التنافس الشخصيّ يتغلغل تدريجيًا في بُنى العمل الأدبيّ. ويأتي العامل الثالث ليُبرز غياب مشروع ثقافيّ مرجعيّ مُتّفق عليه يحدّد أهداف الحقل الأدبيّ في الداخل، ويعرّف أولوياته، ويؤسّس لمسارات تعاون واضحة بين مختلف الأطر القائمة. ومع غياب هذا المشروع ظلّت كلّ مؤسسة تعمل ضمن رؤيتها الخاصّة، دون وجود قناة تُحوّل التعدّد إلى مصدر قوّة أو مساحة إثراء.
نتيجة لذلك، لم تنجح الأطر الأدبيّة في بناء إطار ثقافيّ جامع، بل ظلّت التحركات الثقافيّة متوزّعة على مسارات منفصلة رغم تقارب الأهداف وتشابه المهامّ. وبذلك لم تكن الإشكاليّة في تعدّد الاتحادات بحدّ ذاته، بل في عدم وجود آليات تنسيق فاعلة تُنظّم العلاقة بينها وتمنح الثقافة العربيّة في البلاد حضورًا موحّدًا قادرًا على التأثير.
ويبرز الاتحاد العامّ للكتّاب الفلسطينيين - الكرمل 48 بوصفه أحد الأجسام الثقافيّة الأساسيّة والفاعلة في المشهد الأدبيّ داخل الداخل الفلسطينيّ، إذ يمثّل إطارًا يسعى إلى رعاية الإبداع وتوفير مساحة جامعة للكتّاب والشعراء والباحثين. وتضمّ هيئته الإداريّة أمينه العامّ الكاتب مصطفى عبد الفتاح، ونائب الأمين العامّ الشاعر زاهر بولس، وسكرتير الاتحاد الكاتب زياد شليوط، إلى جانب أعضاء الأمانة العامّة: محمد علي سعيد رئيس تحرير مجلة شذى الكرمل، وأمين زيد الكيلاني مسؤول قطاع المثلث والجنوب، وفهيم أبو ركن مسؤول قطاع حيفا، وفوز فرنسيس محرّرة المواقع الإلكترونيّة، ونزيه حسون، إضافة إلى محمد كناعنة سكرتير لجنة المراقبة والفنان عماد فرو عضو لجنة المراقبة. وتشكل هذه التشكيلة بتنوّعها وخلفياتها الأدبيّة والجغرافيّة محاولة للحفاظ على حضور ثقافيّ فعّال، وهو حضور يتطلّب جهودًا جماعيّة مستمرّة في ظلّ واقع يتّسم بتشتّت تنظيميّ.
وفي مقابل هذا الاتحاد، ينشط الاتحاد القطريّ للأدباء الفلسطينيين، الذي يمتلك بدوره بنية تنظيميّة واضحة وفاعلة. يرأسه د. بطرس دلّة، بينما يشغل د. أسامة مصاروة منصب نائب رئيس الاتحاد، ويتولى د. محمد هيبي منصب الأمين العامّ، وتشغل أسمهان خلايلة منصب نائبة الأمين العامّ. ويتميّز هذا الاتحاد بتنفيذ سلسلة واسعة من الفعاليات الميدانيّة، أبرزها الزيارات الأسبوعية للمدارس العربيّة، حيث يلتقي أعضاؤه الطلاب ويتحدثون عن اللغة العربيّة ويشجعون القراءة والكتابة، في محاولة لترسيخ الوعيّ الثقافيّ لدى الأجيال الجديدة. ويُعقد المؤتمر العام للاتحاد كلّ ثلاث سنوات، وتُنتخب خلاله الهيئات القياديّة بصورة دوريّة.
ورغم هذه الجهود لدى كلا الاتحادين، يبقى العمل الثقافيّ موزّعًا على مسارات منفصلة يندر أن تلتقي. فغياب التعاون المستدام وعدم وجود منصّة مشتركة أو برنامج ثقافيّ موحّد يؤدي إلى حالة من التفكك الوظيفيّ، حيث يعمل كلّ جسم منفردًا رغم تشابه أهدافه مع الآخر. والمشكلة هنا ليست في اختلاف جوهريّ في الرؤى، بل في تراكم علاقات شخصيّة وتنظيميّة وفي تأثيرات حزبيّة محليّة انعكست على بنية الحقل الثقافيّ. ويؤدي هذا الواقع إلى إضعاف القدرة على صياغة مشروع ثقافيّ منهجيّ ومشترك يخدم المجتمع العربيّ برمّته.
وتكشف قراءة متأنيّة للتجربتين أنّ كلا الاتحادين يمتلك عناصر قوّة مهمة: حضورًا أدبيًا، برامج ثقافيّة، علاقة وثيقة بالمجتمع وخصوصًا بالمؤسسات التعليميّة، وإسهامات مستمرّة في دعم اللغة العربيّة وتعزيز الأدب المحليّ. غير أنّ هذه العناصر حين تبقى متناثرة دون تنسيق تفقد الكثير من أثرها المحتمل. ومن هنا، فإنّ معالجة غياب المشروع الثقافيّ الموحد لا تتطلّب إلغاء أيّ إطار أو دمجه قسرًا، بل تستدعي تفكيرًا عمليًا في إعادة بناء العلاقة بين الاتحادات عبر إيجاد مساحة مشتركة تسمح بالتعاون وتبادل الخبرات.
إنّ المرحلة الراهنة تطرح ضرورة الانتقال من حالة العمل المتوازي إلى حالة العمل المشترك، وذلك عبر خطوات واقعيّة يمكن أن تشكّل أساسًا لبناء رؤية ثقافيّة جامعة، مثل إنشاء مجلس تنسيقيّ يجمع ممثلين عن الاتحادات المختلفة لتنظيم الفعاليات الكبرى وتحديد الأولويات، وصياغة وثيقة مرجعيّة تُحدّد المبادئ الثقافيّة العامّة، وتطوير مشاريع مشتركة تتعلّق بالمهرجانات والإصدارات والبرامج التدريبيّة. من شأن هذه الخطوات أن تُعيد بناء الثقة وأن تُسهِم في خلق مناخ ثقافيّ أقلّ انقسامًا وأكثر قدرة على التأثير.
وفي المحصلة، فإنّ إمكان الوصول إلى وحدة ثقافيّة، أو على الأقلّ إلى هيكليّة مشتركة تُنظّم العلاقة بين الأطر الأدبيّة، يظلّ قائمًا شرط توافر الإرادة المهنيّة والحوار الهادئ. فالمشهد الأدبيّ العربيّ في الداخل يمتلك طاقات واسعة وتجارب مؤسسية راسخة، وما يحتاج إليه اليوم هو الإطار القادر على جمع هذه الطاقات في خدمة هدف واحد: تعزيز الثقافة العربيّة وصياغة مشروع أدبيّ يعبّر عن المجتمع العربيّ ويحمل رؤيته وهويته إلى المستقبل.

الطيرة – 23.11.2025



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يعود المكان قلبًا آخر: قراءة نقدية في قصة -وحلوة يا بلدي ...
- البحث عن المعنى في مرايا الوجود: قراءة نقديّة موسّعة في قصيد ...
- الإنسان بين الصورة والغياب في قصّة -الواتسآب في خدمة المتقاع ...
- قراءة في قصّة -الأستاذ وحصّة النهايات- للكاتب جمال أسدي
- سخرية الموت واللغة في قصَّة -الجنازة- للأديب الفلسطينيّ محمد ...
- قراءة نقديّة في قصيدة -أكل الولد التفاحة- للشاعر تركي عامر
- الذكاء الاصطناعيّ بين الرفض والقبول
- جماليّات اللهجة العاميّة في القصّة الفلسطينيّة المعاصرة: بين ...
- النقد في غرفة الإنعاش: أزمة العلاقات الاجتماعيّة تقتل الجدلي ...
- بين الصّمت والمقاومة: قراءة في رواية -لتكن مشيئتك-
- فاضل جمال علي: شاعر الطفولة وصوت الهويّة الفلسطينيّة في أدب ...
- مِنَ الصَّوْتِ إِلى الصَّمْتِ إِسْتِرَاتِيجِيَّاتُ التَّعْبِ ...
- المعلِّمُ العربيُّ: من مصدرٍ للمعلوماتِ إلى مُوَجِّهٍ للمعرف ...
- جمال عبد الناصر القائد الذي سكن قلوب العرب
- محمد علي طه: عميد القصّة الفلسطينيّة بين التجربة الإنسانيّة ...
- الأطلال في الأدب الحديث: سرديّات الذاكرة والغياب
- أدونيس ورؤاه في ثقافة الفرد والحاكم العربي: جدلية المصلحة وا ...
- الأدباء بين التهميش والانتشار
- أثر الكتابة الرقمية ووسائط التواصل الاجتماعي على الأجناس الأ ...
- ردّ على مقال الدكتور رافع يحيى: الحداثة وما بعد الحداثة بين ...


المزيد.....




- إجراءات جديدة لتسهيل تصوير الأفلام الأجنبية في مصر
- عرض خاص لفيلم -أطياف ذلك الضوء- عن الشاعر سلطان العويس
- اختفاء أقارب الفنان الغيني المعارض يثير قلق الأمم المتحدة
- اختفاء أقارب الفنان الغيني المعارض يثير قلق الأمم المتحدة
- بهجت رزق: لابد من تسوية بين الثقافة والسياسة لتجنب الصراعات ...
- من -آنا كارينينا- إلى -الجريمة والعقاب-.. الأدب الروسي يفتح ...
- من صدمة الحرب إلى شاشة السينما... بوسنيان سويسريان يرويان قص ...
- فيديو -المسلح والخط الأصفر- بغزة.. مسرحية دعائية أم ذريعة لا ...
- -ترانزيشن- تفتح ملف السودان: أصوات من قلب الكارثة المنسية
- لجنة مصر للأفلام: هل تضع التسهيلات الجديدة مصر على خريطة الس ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - غياب المشروع الثقافي الجامع لدى اتحادات الكتّاب العرب في إسرائيل