أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - قراءة نقديّة في قصيدة -أكل الولد التفاحة- للشاعر تركي عامر














المزيد.....

قراءة نقديّة في قصيدة -أكل الولد التفاحة- للشاعر تركي عامر


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 14:08
المحور: الادب والفن
    


اخترتُ هذه القصيدة للبحث والتحليل لما وجدته فيها من كثافة رمزيّة وعمق دلاليّ يجعلها تتجاوز حدود النصّ الشعريّ القصير إلى فضاء التأمّل الفلسفيّ والاجتماعيّ، فهي من النصوص التي تفتح أمام القارئ أكثر من باب للتأويل، وتستفزّ وعيه بأسئلة تتعلّق بالسلطة، والمعرفة، والحريّة واللّغة. كما أنّها قصيدة العنوان في ديوان "أكل الولد التفاحة: قصائد ونصوص" للشاعر تركي عامر، وهو ديوان يضمّ مجموعة من القصائد التي تتأرجح بين السخرية المرّة والتأمّل العميق في الواقع الإنسانيّ والاجتماعيّ، بلغة مكثّفة تجمع بين البساطة والعُمق، وتغوص في تفاصيل التجربة اليوميّة لتكشف ما فيها من مفارقات وقهر وجمال.
تبدو قصيدة "أكل الولد التفاحة" للوهلة الأولى بسيطة في بنائها، لكنّها محمّلة بالرموز والإيحاءات. يبدأ الشاعر بقوله: " كان جائعًا"، ليضع القارئ مباشرة أمام الدافع الإنسانيّ الأصيل للفعل، وهو الجوع. غير أنّ الجوع في القصيدة لا يقتصر على المعنى البيولوجيّ، بل يمتدّ إلى جوعٍ آخر أعمق: الجوع إلى المعرفة، إلى الحريّة، إلى كسر القيود. ثم يقول: "أكل الولد التفاحة، في حصة القواعد." وهنا تتجلّى المفارقة المركزيّة في النصّ، إذ يقع الفعل الإنسانيّ البريء (الأكل) داخل فضاء النظام والانضباط (القواعد). القواعد هنا ليست مجرّد مادة لغويّة، بل رمز شامل للسلطة التي تفرض النظام وتراقب السلوك، وتحدّد ما يجوز وما لا يجوز.
يتحوّل الأكل، وهو فعل فطريّ، إلى تمرّد على السلطة، وكأنّ الولد بفعله هذا يعلن رفضه الخضوع للنظام الجامد الذي يقيّد الحياة والعفويّة. غير أنّ العقاب يأتي سريعًا: “ضُرب على قفاه، قبل أن يشبع." وهنا تتحوّل القصيدة إلى مرآة لعلاقة القمع بين الفرد والسلطة، إذ لا يُعاقَب الولد لأنّه ارتكب خطأً حقيقيًا، بل لأنّه مارس حقّه الطبيعي في الإشباع. الضربة على القفا، رمز الإذلال، تكشف الوجه العنيف للمؤسّسة التعليميّة التي يفترض أن تكون فضاء للتعلّم والحريّة.
ثمّ يواصل الشاعر المشهد بقوله: "طُرد وشريكته من المدرسة، بتهمة النّتش قبل التقشير" . وهذه الجملة تُلخّص مأساة الشكليّة التي تحكم المجتمع، فالمشكلة ليست في الأكل، بل في الطريقة، في مخالفة التسلسل المرسوم. النظام لا يُعاقب على الجوع، بل على كسر البروتوكول. إنّها صورة ساخرة ومؤلمة في آن واحد، تكشف كيف تتحوّل القواعد إلى غاية في ذاتها، بينما يضيع المعنى الإنسانيّ.
ويأتي المقطع الأعمق والأكثر سخريّة في النصّ حين يقول الشاعر: "وفي رواية أخرى: بتهمة القذف والتشهير، وذلك جراء خطأ بشريّ في الإعراب." هنا يبلغ النقد ذروته. فالخطأ اللغويّ يتحوّل إلى جريمة أخلاقيّة، والزلّة البشريّة البسيطة تُقدَّم بوصفها فعلاً يستوجب العقاب. وهكذا يكشف الشاعر العلاقة الملتبسة بين اللّغة والسلطة، فحين تتحوّل اللّغة إلى منظومة من القواعد الجامدة، فإنّها تصبح وسيلة للاتهام والتجريم لا وسيلة للتعبير والتحرّر. "الخطأ في الإعراب" يتحول إلى رمز لكلّ خطأ إنسانيّ بسيط يُضخَّم داخل نظام لا يعرف الرحمة.
وتبلغ القصيدة ذروتها في الختام حين يصدر المعلم حكمه المطلق: "لا أريد أن أراكما هنا ، قبل يوم القيامة." إنّه طرد أبديّ، ونفيّ خارج حدود الزمن الإنسانيّ، يجعل من المعلم سلطة كونيّة لا تُستأنف أحكامها. وهنا تتخذّ القصيدة بعدًا أسطوريًا يعيد إلى الأذهان رمزيّة "الخروج من الجنة"، فالتفاحة التي كانت في البدء رمزًا للمعرفة تتحوّل إلى سبب للطرد والإقصاء.
بهذا البناء المتقن، ينجح تركي عامر في تحويل مشهدٍ طفوليّ بسيط إلى نصّ نقديّ ساخر يكشف هشاشة النظام القائم على القواعد. إنّها قصيدة عن الإنسان في مواجهة السلطة، وعن البراءة حين تُدان باسم النظام. الشاعر، بلغة مكثّفة وسخريّة ذكيّة، يطرح سؤال الحريّة في زمنٍ تُقاس فيه القيم بمدى الانضباط، ويجعل من التفاحة رمزًا للمحظور الدائم، ومن الجوع دلالة على الوعي والرغبة في الحياة.
قصيدة "أكل الولد التفاحة" ليست مجرّد نصّ شعريّ، بل هي قراءة في علاقتنا باللّغة والسلطة والمعرفة، وصيحة ضدّ كل نظام يجعل من القاعدة سجنًا للفطرة، ومن الخطأ مبررًا للإقصاء. إنّها قصيدة تُعيد للطفل مكانه الرمزيّ ككائن يرفض القمع بالفطرة، ويذكّرنا بأنّ الحياة تبدأ دائمًا من تفاحة، ومن جوعٍ صغير لا يُراد له أن يُشبَع.
22.10.2026



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعيّ بين الرفض والقبول
- جماليّات اللهجة العاميّة في القصّة الفلسطينيّة المعاصرة: بين ...
- النقد في غرفة الإنعاش: أزمة العلاقات الاجتماعيّة تقتل الجدلي ...
- بين الصّمت والمقاومة: قراءة في رواية -لتكن مشيئتك-
- فاضل جمال علي: شاعر الطفولة وصوت الهويّة الفلسطينيّة في أدب ...
- مِنَ الصَّوْتِ إِلى الصَّمْتِ إِسْتِرَاتِيجِيَّاتُ التَّعْبِ ...
- المعلِّمُ العربيُّ: من مصدرٍ للمعلوماتِ إلى مُوَجِّهٍ للمعرف ...
- جمال عبد الناصر القائد الذي سكن قلوب العرب
- محمد علي طه: عميد القصّة الفلسطينيّة بين التجربة الإنسانيّة ...
- الأطلال في الأدب الحديث: سرديّات الذاكرة والغياب
- أدونيس ورؤاه في ثقافة الفرد والحاكم العربي: جدلية المصلحة وا ...
- الأدباء بين التهميش والانتشار
- أثر الكتابة الرقمية ووسائط التواصل الاجتماعي على الأجناس الأ ...
- ردّ على مقال الدكتور رافع يحيى: الحداثة وما بعد الحداثة بين ...
- الأحزاب العربية في الكنيست: حضور بلا تأثير!
- المناهج التعليميّة لا تواكب العصر ولا تلبي احتياجات سوق العم ...
- من الصمت إلى الصوت: إصلاح التعبير الشفوي في التعليم الابتدائ ...
- تراجع الأدب العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين: بين الواقع ...
- ضعف تمثيل النساء العربيات في مواقع القرار في الداخل الفلسطين ...
- هل الأدبُ يعكسُ الواقعَ النفسيّ أم يشكّله؟ قراءةٌ نقديّةٌ في ...


المزيد.....




- لن يخطر على بالك.. شرط غريب لحضور أول عرض لفيلم -بوجونيا-
- اهتمام دولي واقليمي بمهرجان طهران للفيلم القصير
- تفاعل واسع مع فيلم -ويبقى الأمل- في الجونة.. توثيق حقيقي لمع ...
- الجامعة العراقية تستضيف الشاعر الإماراتي محمد عبد الله البري ...
- الإمام الحسين: ما سر احتفال المصريين بمولد -ولي النعم- مرتين ...
- المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي.. سيرة البحث عن إشراق الم ...
- ترامب: ضجيج بناء قاعة الرقص في البيت الأبيض -موسيقى تُطرب أذ ...
- لقطات نادرة بعدسة الأميرة البريطانية أليس... هل هذه أول صورة ...
- -أعتذر عن إزعاجكم-.. إبراهيم عيسى يثير قضية منع عرض فيلم -ال ...
- مخرجا فيلم -لا أرض أخرى- يتحدثان لـCNN عن واقع الحياة تحت ال ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - قراءة نقديّة في قصيدة -أكل الولد التفاحة- للشاعر تركي عامر