أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - جماليّات اللهجة العاميّة في القصّة الفلسطينيّة المعاصرة: بين التعبير الفنّيّ وبناء الهًويّة السرديّة















المزيد.....

جماليّات اللهجة العاميّة في القصّة الفلسطينيّة المعاصرة: بين التعبير الفنّيّ وبناء الهًويّة السرديّة


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 14:10
المحور: الادب والفن
    


تكتسب اللّغة مكانة مركزيّة في الأدب الفلسطينيّ المعاصر، لا سيما في إطار القصّة القصيرة، حيث تتجاوز الوظيفة التواصليّة المباشرة لتصبح أداةً لتشكيل الهويّة الثقافيّة وبناء الفضاء السرديّ. وتبرز اللهجة العاميّة كأحد الأبعاد الأساسيّة لهذا التشكيل، فهي ليست مجرد نمط لغويّ مكمل للفصحى، بل أداة فنيّة تُعيد إنتاج الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ بصدق وحيّز تعبيريّ دقيق. إذ تسمح العاميّة للكاتب بالتعبير عن حيوات الشخصيّات اليوميّة، مشاعرها، وأصواتها الخاصّة، بما لا تتيحه الفصحى وحدها، وبالتالي فهي تدخل في صلب تجربة النصّ الإبداعيّ الفلسطينيّ وتكسبه أصالة وإيقاعًا فنيًا متفردًا.
تتناول الدراسات النظريّة الحديثة العلاقة بين اللّغة والنصّ الأدبيّ من زاوية تعدّد الأصوات والتعدّد اللغويّ. فقد اعتبر باختين أنّ الرواية هي فضاء تتقاطع فيه أصوات متعدّدة تمثّل الطبقات الاجتماعيّة والثقافيّة المختلفة، وهو ما أطلق عليه مفهوم “تغاير اللغات” (Heteroglossia). وفي هذا الإطار، تصبح العاميّة الفلسطينيّة صوتًا مكونًا داخل النصّ، يوازي الفصحى في أهميّته، ويخلق نوعًا من الحوار الداخليّ الذي يعكس تعدّديّة الرؤى والتجارب في المجتمع (باختين، 1981، ص. 261). وتبرز هذه الظاهرة بوضوح في أعمال كُتاب فلسطينيين معاصرين، حيث تمثّل العاميّة وسيلة لإيصال صوت الواقع الشعبيّ وإبراز الأبعاد الطبقيّة والمكانيّة للشخصيّات ضمن فضاء سرديّ متماسك.
ويؤكّد صلاح فضل أنّ اللّغة الأدبيّة الحديثة تتّسم بالقدرة على احتواء تعدديّة الأصوات دون أن تفقد انسجامها البنائيّ، ما يجعل التداخل بين الفصحى والعاميّة في النصّ الفلسطينيّ ممارسة جماليّة متكاملة، تضيف للنصّ حيويّة وعمقًا دلاليًّا، وتُسهم في خلق تجربة قراءة تفاعليّة للمتلقّي (فضل، 1992، ص. 133). ومن هذا المنظور، لا تُعدّ العاميّة مجرد لهجة محكيّة، بل أداة لتعزيز الجماليّة الفنيّة للنصّ، ومنح القارئ شعورًا بالانتماء إلى سياق الأحداث وتجربة الشخصيّات بطريقة أكثر واقعيّة وصدقًا.
أمّا من الجانب النقديّ، فيرى محمد برّادة أنّ تعدّد مستويات اللّغة داخل النصّ يمثّل انعكاسًا لتعدّد الرؤية للعالم، ما يتيح للكاتب مساحة أوسع للتعبير عن التعقيدات الاجتماعيّة والثقافيّة، ويعزّز قدرة النصّ على التفاعل مع وعي القارئ وتجربته الشخصيّة (برادة، 1990، ص. 102). ويؤكّد هذا الطرح على أنّ العاميّة ليست عنصرًا زخرفيًّا أو هامشيًّا في السرد، بل جزءًا أساسيًّا من آليّة إنتاج المعنى الفنيّ، وتحقيق التعدّد الصوتيّ والطبقيّ الذي يميز التجربة الفلسطينيّة في القصّة القصيرة.
في المقابل، تتيح دراسة الأعمال الأدبيّة تطبيقيّة فهم كيفيّة توظيف العاميّة في بناء الشخصيّات والمواقف السرديّة. ففي رواية نجوم أريحا للكاتبة ليانة بدر تظهر العاميّة كعنصر تكامليّ في بنية النصّ، حيث تُستخدم لتحديد الطبقة الاجتماعيّة والبيئة المحليّة للشخصيّات، وكأداة لتصوير نبض الحياة اليوميّة في المخيّمات الفلسطينيّة. وقد أظهرت الدراسات أنّ استخدام العاميّة يضفي على النصّ نوعًا من الحيويّة والصدق العاطفيّ، ويخلق حالة من القرب من القارئ، الذي يشعر بأنّ الأحداث تجري في فضاء مألوف يمكنه سماع صوته (بدر، 1993، ص. 47).
وبالمثل، في مجموعة قصص الظلّ الكبير لسميرة عزّام، نجد أنّ العاميّة تتسلّل إلى الحوار في لحظات التوتّر والانفعال، ما يعكس خصوصيّة التجربة الإنسانيّة الفلسطينيّة في تلك الفترة ويكسب النصّ بعدًا شعوريًّا دقيقًا (أنظر عزام، 1956، ص. 29). ويظهر من التحليل أنّ العاميّة ليست مجرد محاكاة للغة الشارع، بل أداة لإضفاء طبقة من المعنى الرمزيّ والاجتماعيّ على النصّ، فهي تعكس الانتماء المكانيّ والطبقيّ للشخصيّات، وتُتيح للكاتب خلق حوار داخليّ غني متعدّد الأصوات.
تُعدّ العاميّة الفلسطينيّة في القصّة القصيرة أيضًا وسيلة لإبراز الهويّة الوطنيّة والثقافيّة، فهي تُعيد إنتاج الذاكرة الجمعيّة بطريقة لغويّة، وتجعل اللّغة الحيّة مرآة للواقع الاجتماعيّ والسياسيّ. ومن منظور سيميائيّ، يمكن القول: إنّ الكلمات والعبارات المحليّة تصبح علامات دالّة على المكان والانتماء والذاكرة، كما يوضح لوتمان في تفسيراته لبنية النصّ الفنيّ، حيث يشير إلى أنّ اللّغة تحمل معاني ثقافيّة ورمزيّة تتجاوز وظيفتها التعبيريّة المباشرة (لوتمان، 1977، ص. 69).
ويُظهر التحليل النقديّ أنّ التوظيف الفنّيّ للعاميّة في السرد الفلسطينيّ يخلق أيضًا توازنًا بين الصوت الشخصي والبعد الجماعي للنصّ. فالمؤلف حين يستخدم العاميّة، لا يُجسّد شخصيّة الفرد فقط، بل يُحيي تجربة المجتمع بأكمله، وينقل مشاعر الجماعة وتحدياتها اليوميّة. وبهذا المعنى، تتحوّل العاميّة إلى أداة مقاومة ثقافيّة، تعيد إنتاج الأرض والذاكرة والتاريخ الفلسطينيّ عبر اللّغة، وتمنح النصّ قدرة على الصمود أمام محاولات الطمس الثقافيّ.
إنّ الفهم النظريّ والتطبيقيّ لاستخدام العاميّة في النصّ الفلسطينيّ يتقاطع مع رؤية كيليطو حول الكتابة كعمليّة حياة للّغة، حيث يعتبر النصّ مساحة تنصت فيها اللّغة إلى نفسها وإلى المجتمع الذي تنتمي إليه، ويصبح النصّ الحيّ انعكاسًا للتفاعل بين المؤلف والبيئة والمجتمع (كيليطو، 1985، ص. 74). وبذلك، فإنّ حضور العاميّة لا يقتصر على الوظيفة التعبيريّة البحتة، بل يمتدّ ليشمل بناء البنية السرديّة، وتطوير الشخصيّات، وإعادة إنتاج الواقع المكانيّ والثقافيّ.
إنّ هذه الممارسات النقديّة والفنّيّة تتلاقى في دعم فكرة أنّ العاميّة ليست تهديدًا للفصحى، بل تكملها وتضيف للنصّ طاقة صوتيّة ودلاليّة تجعل القراءة تجربة متعدّدة الأبعاد، تحاكي التعدّديّة الاجتماعيّة والثقافيّة للمجتمع الفلسطينيّ. وبهذا، يصبح استخدام العاميّة في القصّة الفلسطينيّة المعاصرة ممارسة جماليّة واعية، قادرة على إنتاج نصّ متوازن بين الفكر والعاطفة، بين العمق الفكريّ والصدق الانفعاليّ، وبين الفكرة واللّذة الفنّيّة للمتلقّي.
في ضوء ما تقدّم، يمكن القول: إنّ العاميّة في السرد الفلسطينيّ تمثل عنصرًا جماليًّا ومبدعًا، يجمع بين وظيفة التعبير الفنّيّ والوظيفة الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، كما أنّها أداة لاستدعاء ذاكرة جماعيّة، وتحقيق التعدّد الصوتي، وإنتاج نصّ متفاعل مع القارئ المحليّ والدوليّ على حدّ سواء. وعليه، فإنّ إعادة النظر في تقدير العاميّة في النصّ الفلسطينيّ ليس مجرد مسألة لغويّة، بل قضيّة ترتبط بالوعيّ الفنّيّ، والهُويّة الثقافيّة، والقدرة على التعبير عن الواقع المتعدّد الأبعاد للشخصيّات والمجتمع.

ثبت بالمراجع
• باختين، ميخائيل. (1981). الخيال الحواري: أربع مقالات (ترجمة: سي. إيمرسون ومايكل هولكويست، تحرير: مايكل هولكويست). أوستن: مطبعة جامعة تكساس.
• بدر، ليانة. (1993). نجوم أريحا. بيروت: دار الهلال.
• عزّام، سميرة. (1982). الظل الكبير وقصص أخرى. بيروت: دار العودة.
• برادة، محمد. (1990). الكتابة في لحظة عريها. بيروت: المركز الثقافي العربي.
• فضل، صلاح. (1992). بلاغة الخطاب وعلم النصّ. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
• كيليطو، عبد الفتاح. (1985). الكتابة والتناسخ. الدار البيضاء: دار توبقال.
• لوتمان، يوري. (1977). بنية النص الفني. آن أربور: جامعة ميشيغان.
الطيرة- 15.10.2025



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد في غرفة الإنعاش: أزمة العلاقات الاجتماعيّة تقتل الجدلي ...
- بين الصّمت والمقاومة: قراءة في رواية -لتكن مشيئتك-
- فاضل جمال علي: شاعر الطفولة وصوت الهويّة الفلسطينيّة في أدب ...
- مِنَ الصَّوْتِ إِلى الصَّمْتِ إِسْتِرَاتِيجِيَّاتُ التَّعْبِ ...
- المعلِّمُ العربيُّ: من مصدرٍ للمعلوماتِ إلى مُوَجِّهٍ للمعرف ...
- جمال عبد الناصر القائد الذي سكن قلوب العرب
- محمد علي طه: عميد القصّة الفلسطينيّة بين التجربة الإنسانيّة ...
- الأطلال في الأدب الحديث: سرديّات الذاكرة والغياب
- أدونيس ورؤاه في ثقافة الفرد والحاكم العربي: جدلية المصلحة وا ...
- الأدباء بين التهميش والانتشار
- أثر الكتابة الرقمية ووسائط التواصل الاجتماعي على الأجناس الأ ...
- ردّ على مقال الدكتور رافع يحيى: الحداثة وما بعد الحداثة بين ...
- الأحزاب العربية في الكنيست: حضور بلا تأثير!
- المناهج التعليميّة لا تواكب العصر ولا تلبي احتياجات سوق العم ...
- من الصمت إلى الصوت: إصلاح التعبير الشفوي في التعليم الابتدائ ...
- تراجع الأدب العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين: بين الواقع ...
- ضعف تمثيل النساء العربيات في مواقع القرار في الداخل الفلسطين ...
- هل الأدبُ يعكسُ الواقعَ النفسيّ أم يشكّله؟ قراءةٌ نقديّةٌ في ...
- الإدمان الرقمي.. حياة مسروقة خلف الضوء الأزرق
- الشعر في زمن الفيسبوك والواتساب وتحوّلات صورة الشاعر العربي ...


المزيد.....




- لماذا قد لا تشاهدون نسخة حية من فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- ...
- محمد المعزوز يوقع روايته -أول النسيان- في أصيلة
- مهرجان كتارا الـ11 يواصل فعالياته بمشاركة نخبة من الروائيين ...
- مهرجان كتارا الـ11 يواصل فعالياته بمشاركة نخبة من الروائيين ...
- الوجه المظلم لـ-كريستوفر كولومبوس- و-عالمه الجديد-
- قناطر: لا آباء للثقافة العراقية!
- المخرج الايراني ناصر تقوائي يودَّع -خاله العزيز نابليون-
- إنجاز جديد للسينما الفلسطينية.. -فلسطين 36- بين الأفلام المر ...
- وليد سيف يسدل الستار على آخر فصول المشهد الأندلسي في رواية - ...
- موسم أصيلة الـ 46 يكرم أهالي المدينة في ختام فعاليات دورته ا ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - جماليّات اللهجة العاميّة في القصّة الفلسطينيّة المعاصرة: بين التعبير الفنّيّ وبناء الهًويّة السرديّة