أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - الشعر في زمن الفيسبوك والواتساب وتحوّلات صورة الشاعر العربي في الداخل الإسرائيلي














المزيد.....

الشعر في زمن الفيسبوك والواتساب وتحوّلات صورة الشاعر العربي في الداخل الإسرائيلي


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 15:36
المحور: الادب والفن
    


لم يعد الشعر العربي في زماننا مجرّد ديوان يُطبع أو أمسية تقليدية تُقام في قاعة ثقافية، بل صار جزءًا من الفضاء الرقمي اليومي، يتنقّل بين الشاشات المحوسبة والهواتف النقّالة، يتقاسمه الناس كما يتقاسمون صورهم وتعليقاتهم العابرة. "فيسبوك وواتساب" تحوّلا إلى منصات جديدة لولادة النصوص الشعرية وانتشارها، حيث يكتب الشاعر يجول في صدره ومباشرة يجد أمامه قارئًا يتفاعل، يعلّق، أو يعيد النشر. هذا التغيّر الجذري في طريقة إنتاج النص وتلقيه انعكس مباشرة على صورة الشاعر العربي بعامة، والشاعر الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي بشكل خاص، وبدأ يطرح أسئلة نقدية عميقة حول القيمة الأدبية، واستمرارية النص، وحدود التفرد الفني.
ففي السياق الفلسطيني داخل إسرائيل، ظل الشعر منذ عقود مساحة للصوت المقموع، من محمود درويش وسميح القاسم إلى راشد حسين وتوفيق زيّاد، وقد ارتبط الشاعر بصورة "المتفرّد"، حامل الذاكرة والهوية، الذي يقف في مواجهة السلطة والمجتمع معًا. لكن مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، انكسرت هذه الصورة الكلاسيكية، إذ لم يعد الشاعر يقف على المنبر أو يطل من صفحات كتاب مطبوع، بل صار حاضرًا على الشاشة الصغيرة، ينشر مقطعه الشعري إلى جانب عشرات النصوص والآراء اليومية. وهكذا لم يعد الشاعر بعيدًا في مقام رمزي، بل صار قريبًا، بشريًا، يتفاعل مع جمهوره كصديق في قائمة الدردشة.
هذه النقلة منحت الشعراء الشباب في الداخل فرصة كبيرة للظهور من خارج المؤسسات الرسمية التي كثيرًا ما أُغلقت في وجوههم. فالكلمة باتت تصل مباشرة إلى القرّاء من دون وساطة نقدية أو إعلامية، وهو ما ساهم في بروز أصوات جديدة قادرة على التعبير عن قضايا الجيل المعاصر: قضايا الهوية المركبة، الاغتراب داخل الوطن، الحنين إلى الجذور، والتوتر اليومي مع منظومة السلطة وغيرها. لقد فتحت هذه المنصات فضاءً ديمقراطيًا جديدًا مكّن الموهوبين من التعبير، لكن هذه الديمقراطية نفسها جعلت النصوص تتزاحم وتتداخل إلى حد يصعب معه التمييز بين الشعر العميق والكلام العابر.
ومع ذلك، فإن ما يكتبه شعراء الداخل على فيسبوك وواتساب لا يمكن الاستهانة به. فالكثير منهم يعيد إحياء وظيفة الشعر كمساحة للمقاومة الرمزية، لكن بلغة جديدة تتناسب مع جيل شاب يتنفس عبر الشاشات. أسماء مثل الشاعر سلمان مصالحة، الذي يجمع بين العربية والعبرية في كتاباته، أو شعراء متمرسون مثل: حسين جبارة، أسامة مصاروة ، سامي مهنا، محمود ريان، مقبولة عبد الحليم، فاتن مصاروة، آيات أبو شميس، درين طاطور، نِداء خوري، أسماء عزايزة، ميساء الصِّح وآخرين ممن جعلوا من صفحاتهم فضاءً شعريًا مفتوحًا، يقدّمون نموذجًا على تحوّل النص الشعري إلى جسر بين الهويّة الخاصة والانفتاح على الآخر. بل يمكن القول إن الشاعر الفلسطيني في الداخل حين يكتب على فيسبوك أو يرسل مقطعًا عبر واتساب، فإنه يعلن وجوده في الفضاء العام بلغة لا تستطيع الرقابة الرسمية السيطرة عليها بسهولة، وفي هذا بُعد رمزي مهم.
غير أن لهذه الظاهرة وجهًا آخر يستحق النقد. فالنص الشعري الذي كان يُصقل طويلًا قبل أن يرى النور صار يولد بسرعة ويموت بسرعة أكبر. كثير من القصائد تتحول إلى ومضات سريعة، تُستهلك ثم تُنسى وسط طوفان المنشورات. هنا يطرح السؤال: هل يظل الشعر شعرًا حين يفقد خاصية التأمل والخلود، أم أنه يتحوّل إلى شكل جديد من الكتابة اليومية، أقرب إلى الهمس الجماعي منه إلى الصوت الفريد؟
لقد غيّرت وسائل التواصل مفهوم الشاعر العربي في الداخل: من رمز جماعي مقدّس إلى فرد يعيش قلقه اليومي بين الآخرين، يكتب لهم ومعهم، ويترك نصه مفتوحًا للتأويل والتفاعل. وهذا التغيير ليس بالضرورة سلبيًا؛ فهو يعكس تحوّلًا في الثقافة نفسها، حيث صار الأدب فعل مشاركة لا فعل عزلة. وفي زمن يتعرض فيه الفلسطيني في الداخل لضغوطات الهوية والسياسة والتهميش، فإن هذا الانفتاح يمنح للشعر حياة جديدة، وإن كانت مختلفة عمّا عرفناه من قبل.
إن الكلمة في فضاءات الفيسبوك والواتساب قد تكون عابرة، لكنها تظل محمّلة بطاقة رمزية، تؤكد أن الشاعر العربي في الداخل ما زال يحفر مكانه وسط العاصفة، حتى لو كانت وسيلته هذه المرة شاشة صغيرة بدلاً من منبر أو ديوان مطبوع. وبين الزوال الرقمي والخلود الكلاسيكي، يقف الشعر اليوم عند مفترق طرق، يبحث عن توازن جديد يضمن له الاستمرار، ويعيد للشاعر مكانته كحارس للذاكرة وناطق بالوجدان الجمعي، وإن كان بلغة أكثر قربًا من نبض الناس.



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن تحقيق الوحدة وإعادة بناء القائمة المشتركة
- دور المرأة في التعليم بالداخل الفلسطيني: وقائع وفرص وتحديات
- دور المعلم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي في بناء الوعي ومنا ...
- جدلية الانتماء والاغتراب في سيرة وليد الصادق: قراءة في كتاب ...
- قراءة في قصة -الخطيب المُسْتَبْرِد- للكاتب القاصّ سمير كتاني
- الشعر العربي كان وما زال فن وصناعة في آن واحد
- محمود أمين العالم وأدونيس ناقدان للأدب العربي الحديث
- النّقد الأدبيّ في خمسينات القرن العشرين؛ بداية لمرحلة نقديّة ...
- تعلّم اللّغة العربيّة في الجامعات والمعاهد العليا في إسرائيل
- قراءة في قصّة -الرّحلة القصيّة في طلب الكُنافة النابُلسيّة- ...
- كتابة القصيدة الشعريّة -الأنشودة- في أدب الأطفال المحليّ
- إشكاليّة الترجمة في الكتابة المحليّة الموجّهة للأطفال
- تعليق على ترجمة قصيدة -عابرون في كلام عابر -لمحمود درويش إلى ...
- قراءة في ديوان - وأقرأ صمت التراب الجميل- للشاعرة الفلسطينية ...
- الكتابة الطفليّة المحليّة أمام تحدّيات التكنولوجيا
- قراءة في ديوان -القصائد الدافئة- للشاعر الفلسطيني حسين جبارة
- منابع ثقافة الشاعر العربي -أدونيس-
- قراءة في قصة (للأطفال) بعنوان -المطر الأول - للكاتب نعمان عب ...
- انحسار اللغة العربية مقارنة بلغات وليدة -الطفرة- التكنولوجية
- دعوة لتعريب مناهج النقد الأدبي


المزيد.....




- لتوعية المجتمع بالضمان الاجتماعي .. الموصل تحتضن اول عرض لمس ...
- -شاعر البيت الأبيض-.. عندما يفتخر جو بايدن بأصوله الأيرلندية ...
- مطابخ فرنسا تحت المجهر.. عنصرية واعتداءات جنسية في قلب -عالم ...
- الحرب في السودان تدمر البنية الثقافية والعلمية وتلتهم عشرات ...
- إفران -جوهرة- الأطلس وبوابة السياحة الجبلية بالمغرب
- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - الشعر في زمن الفيسبوك والواتساب وتحوّلات صورة الشاعر العربي في الداخل الإسرائيلي