أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أحمد كامل ناصر - دور المعلم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي في بناء الوعي ومناهضة العنف المجتمعي














المزيد.....

دور المعلم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي في بناء الوعي ومناهضة العنف المجتمعي


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 16:11
المحور: قضايا ثقافية
    


يشهد المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي تصاعدًا مقلقًا في مظاهر العنف المجتمعي، حتى بات هذا العنف بمثابة ظاهرة مستفحلة، تهدد البنية الأخلاقية والاجتماعية لمجتمع بأكمله. فمنذ بداية العام 2025 حتى نهاية شهر حزيران، تجاوز عدد ضحايا جرائم القتل حاجز 130 قتيلًا، ما يعكس صورة قاتمة لحالة تآكل القيم وتراجع شعور الأمان الجمعي، ويطرح تساؤلات جدية حول مسؤولية الفاعلين الاجتماعيين، وعلى رأسهم المعلمون والمعلمات، في التصدي لهذه الأزمة. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إعادة تأمل موقع المعلم الفلسطيني داخل المنظومة الاجتماعية، ليس فقط كمقدم للمعرفة، بل كفاعل ثقافي وقيمي، قادر على بناء الوعي وتحصين الأجيال الناشئة ضد ثقافة العنف والتفكك.
المعلم الفلسطيني في الداخل، بما يحمله من وعي مركب ناتج عن موقعه الهوياتي والسياسي، يمتلك قدرة فريدة على قراءة الواقع، وفهم تحوّلاته، والتفاعل معه بصورة خلاقة. فهو لا يقف عند حدود المناهج والكتب المدرسية، بل ينخرط، بوعيه وسلوكه، في صياغة خطاب تربوي يقوم على الاحترام، والانتماء، والنقد المسؤول. مثل هذا المعلم لا يُلقّن الطلاب أجوبة جاهزة، بل يدرّبهم على طرح الأسئلة، وعلى التفكير المستقل، وعلى الانخراط الواعي في المجتمع بوصفهم شركاء في تغييره لا مجرّد مستهلكين له.
الوعي الذي يبنيه المعلم في طلابه ليس وعيًا سياسيًا فئويًا، ولا خطابًا تعبويًا مؤقتًا، بل هو وعي إنساني شامل، يتأسس على احترام الذات والآخر، وعلى فهم تعقيدات الواقع من دون الانجرار وراء العنف كوسيلة للتعبير أو الاحتجاج. إن قدرة المعلم على تمكين طلابه من التفكير النقدي، واحتضان اختلافاتهم، وتوجيه طاقتهم نحو الإبداع والمعرفة، تمثل حصانة ضد انزلاقهم إلى مسارات سلبية ومدمّرة.
وتتضاعف أهمية المدرسة بوصفها الإطار الجامع لمختلف الشرائح المجتمعية، خاصة في سياق الأقلية الفلسطينية في الداخل، حيث تكاد تكون المدرسة المساحة العامة الوحيدة التي تمارس فيها الأجيال الناشئة تفاعلاتها اليومية ضمن بيئة منظمة. لذا، فإن المدرسة لا يمكن أن تظل محصورة في دورها الأكاديمي التقليدي، بل لا بد أن تصبح فضاءً حيويًا لإنتاج الثقافة المدنية، وتعليم آليات إدارة الخلاف، وترسيخ مفاهيم التعددية، واللاعنف، والانتماء الجماعي.
من خلال تطوير برامج تربوية تدمج قيم التسامح وقبول الآخر، وتخصيص حصص وأنشطة تفاعلية تهدف إلى تعزيز الحوار وفهم الذات والواقع، يمكن للمدارس أن تتحول إلى ورش عمل تربوية تنتج أفرادًا قادرين على المساهمة الفعلية في بناء مجتمع أقل عنفًا وأكثر تماسكًا. ولتحقيق ذلك، لا بد من إشراك المعلمين في وضع سياسات التعليم، وتدريبهم على مهارات إدارة الصف بطريقة تُعزّز مناخ الأمان والانضباط الذاتي، لا القمع والخوف.
أما المعلمة، فهي تحمل في هذا السياق خصوصية إضافية، إذ تزاوج بين دورها المهني كمعلمة داخل الصف، ودورها الاجتماعي كأم ومربية وفاعلة ثقافية داخل الأسرة والمجتمع. في كثير من الأحيان، تتعلم الطالبات من المعلمة كيف تكون المرأة مستقلة، واثقة، قادرة على التعبير عن رأيها والتفاعل مع العالم بصورة فاعلة. كما تلعب المعلمة دورًا محوريًا داخل الأسرة، في نقل قيم الاحترام والحوار والتعاطف إلى أولادها، وتشكيل وعيهم تجاه أنفسهم والآخرين.
إن تمكين المعلمات فكريًا ومهنيًا، وتوفير بيئات عمل داعمة وآمنة لهن، ليس فقط خطوة نحو العدالة التربوية، بل هو استثمار مباشر في الحصانة النفسية والاجتماعية للمجتمع. فالمعلمة الواعية تشكل، في كل بيت ومدرسة، نقطة توازن قد تمنع انزلاق الأسرة أو الطالب إلى دوائر العنف أو العزلة أو الانفجار.
إن العنف لا ينشأ من فراغ، بل هو غالبًا نتيجة شعور بالإقصاء، أو غياب فرص التعبير، أو انعدام الأفق. وعندما لا يجد الشاب من يستمع إليه، أو يحتضن قلقه، أو يفسح له مجالًا للمشاركة، قد يتحول إلى العنف وسيلة لإثبات وجوده. هنا تحديدًا يظهر دور المعلم المثقف، القادر على رصد التحولات النفسية والسلوكية لطلابه، والتدخل في الوقت المناسب، من خلال التوجيه والتواصل مع الأهل، أو عبر ربط الطلاب بمؤسسات الدعم المجتمعي.
تُعدّ هذه الأدوار وقائية بامتياز، لأنها تسبق لحظة الانفجار، وتعمل على تفكيك دوافع العنف قبل أن تتبلور سلوكًا مدمّرًا. المعلم في هذا الإطار لا يكون مربيًا فحسب، بل حلقة وصل بين الطالب والعائلة، بين المدرسة والمجتمع، بين الفرد والمؤسسة، وبين الذات والآخر.
لكن لا يمكن للمعلم أن يؤدي هذه الأدوار دون وجود رؤية استراتيجية مجتمعية تعترف بمكانته كقائد ومثقف. فالمجتمع الذي يهمّش معلميه، ولا يمنحهم الأدوات اللازمة للعمل، ولا يستمع إلى صوتهم في صياغة السياسات، هو مجتمع يحرم نفسه من أحد أهم أدوات الإصلاح. لا بد إذًا من إعادة الاعتبار للمعلم والمعلمة كمحورين في عملية التغيير، عبر تعزيز ظروفهم المهنية والمعنوية، وتوسيع مجالات تطويرهم المهني، بحيث تشمل مهارات التربية على اللاعنف، والذكاء العاطفي، وإدارة الأزمات، ومرافقة الطلاب نفسيًا واجتماعيًا.
في زمن تتعالى فيه أصوات العنف، وتنهار فيه منظومات القيم بسرعة، يبقى صوت المعلم صوتًا ضروريًا، لا لأنه الأعلى، بل لأنه الأعمق. هو صوت لا يتكلم كثيرًا، لكنه لا يصمت أبدًا. هو من يزرع الكلمة الأولى في عقل طالب، وينير الفكرة الأولى في درب التغيير. ومن هذا الصوت تبدأ رحلة استعادة الأمل، لا بصفتها حلمًا رومانسيًا، بل باعتبارها مشروعًا اجتماعيًا مقاومًا.

الطيرة – 3.8.2025



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الانتماء والاغتراب في سيرة وليد الصادق: قراءة في كتاب ...
- قراءة في قصة -الخطيب المُسْتَبْرِد- للكاتب القاصّ سمير كتاني
- الشعر العربي كان وما زال فن وصناعة في آن واحد
- محمود أمين العالم وأدونيس ناقدان للأدب العربي الحديث
- النّقد الأدبيّ في خمسينات القرن العشرين؛ بداية لمرحلة نقديّة ...
- تعلّم اللّغة العربيّة في الجامعات والمعاهد العليا في إسرائيل
- قراءة في قصّة -الرّحلة القصيّة في طلب الكُنافة النابُلسيّة- ...
- كتابة القصيدة الشعريّة -الأنشودة- في أدب الأطفال المحليّ
- إشكاليّة الترجمة في الكتابة المحليّة الموجّهة للأطفال
- تعليق على ترجمة قصيدة -عابرون في كلام عابر -لمحمود درويش إلى ...
- قراءة في ديوان - وأقرأ صمت التراب الجميل- للشاعرة الفلسطينية ...
- الكتابة الطفليّة المحليّة أمام تحدّيات التكنولوجيا
- قراءة في ديوان -القصائد الدافئة- للشاعر الفلسطيني حسين جبارة
- منابع ثقافة الشاعر العربي -أدونيس-
- قراءة في قصة (للأطفال) بعنوان -المطر الأول - للكاتب نعمان عب ...
- انحسار اللغة العربية مقارنة بلغات وليدة -الطفرة- التكنولوجية
- دعوة لتعريب مناهج النقد الأدبي
- أيديولوجية النقد الأدبي
- المثقف الفلسطيني وأزمة الهوية القومية من خلال قصة -الغريب- ل ...
- النقد الأدبي الفلسطيني في إسرائيل ما زال عالقًا بين الدراسة ...


المزيد.....




- -النظام الإيراني يظهر بشكل أكثر صلابة بعد الضربات الأمريكية ...
- زلزال بقوة 3.0 درجة يضرب نيويورك بعد أيام من فيضانات ناتجة ع ...
- تصاعد الهجمات بين روسيا وأوكرانيا: صواريخ ومسيرات تهز الجبهت ...
- القنابل الضوئية.. تكتيك حربي للإرباك والتمويه الليلي
- -رادع-.. قوة أطلقها أمن المقاومة لمواجهة الانفلات الأمني بقط ...
- الاحتلال يمنع 22 ألف شاحنة مساعدات من دخول غزة
- معاريف: نتنياهو يهمش زامير والجيش يعاني من إرهاق خطير
- هيئة البث الأميركية تتوقف عن العمل بعد 60 عاما والسبب ترامب ...
- ماذا وراء مخاوف حاكم إقليم دارفور من انقسام السودان؟
- منع وصول وقود تنتجه بكتيريا الأمعاء إلى الكبد يحسّن مستوى ال ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أحمد كامل ناصر - دور المعلم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي في بناء الوعي ومناهضة العنف المجتمعي