|
أيديولوجية النقد الأدبي
أحمد كامل ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 4436 - 2014 / 4 / 27 - 23:19
المحور:
الادب والفن
لقد شاع بين علماء اللغة والكتاب الاجتماعيين في العصر الحديث، أن الأيديولوجيا تعني نظامًا من الأفكار المتداخلة كالمعتقدات، والتقاليد، والمبادئ والأساطير التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما، وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية، والأخلاقية، والدينية والاقتصادية وتبررها في نفس الوقت. وكثيرًا ما يحتمي النقاد الأيديولوجيون "أصحاب هذه الأفكار" خلف مفهوم الأيديولوجيا في سبيل تقديم التصورات والتبريرات المنطقية والفلسفية لنماذج السلوك والاتجاهات والاهداف وأوضاع الحياة السائدة . هذا الاتجاه النقدي يرى أن المنطلق الأيديولوجي أو الفكري للعمل الأدبي هو الذي يحدد مسبقًا نوعية أو هوية النص، كما أنه لا يكتفي بالنظر في الموضوع بشكل عام؛ بل يتجاوز ذلك إلى المضمون. أي إلى ما يفرغه فيه الأديب من أفكار وأحاسيس ووجهة نظر. إنّ أهم العوائق التي تعترض حركة النقد الأدبي نحو تحقيق الموضوعية المعرفية، تكمن في العوامل الشخصية والأيديولوجية التي تشكل مجموعة القيم والمعتقدات والثقافة الحضارية التي يدين بها الناقد نفسه، تلك الثقافة التي تحكمت في تكوينه، وشكلت نتاجه الأدبي وبلورت تصوره إزاء النقد الأدبي بشكل عام. وطبعته بطابع البيئة التي تثقف وتفاعل مع أحداثها. هذا الافتراض يشير إلى وجود تعارض بين الالتزام الأيديولوجي الذي تمليه البيئة الثقافية والظروف الاجتماعية على الناقد، وبين الالتزام العلمي الذي يقتضي الحياد وتقرير الحق ورفض الباطل، بغض النظر عن انتماءاته وقناعاته الفكرية. ولعل ما ذكره الناقد محمود أمين العالم في معرض حديثه عن مفهوم النقد يستحق الإشارة إذ يقول: إنّ النقد الأدبي مهما "استند إلى اجتهادات موضعية وموضوعية في التحليل الوصفي للعمل الأدبي، ومهما تسلح بنتائج المحاولات العلمية لدراسة الأدب، فهو في النهاية موقف أيديولوجي. وليس المقصود أن يسقط الناقد أيديولوجيته إسقاطًا خارجيًا على العمل الأدبي الذي يدرسه، بل أنّ موقفه من هذا العمل الأدبي لن يكون مجرد موقف وصفي تحليلي وحسب" . ولعل في هذا التعريف طرحًا لبعض القضايا التي تحتاج إلى تفصيل وتحقيق، وبخاصة قضية الأبعاد الفلسفية والأيديولوجية للأسس النظرية، ومن ثم المنهج النقدي الذي اتخذه الناقد. وربما لم يعد خافيًا أنّ الزعم بموضوعية مطلقة حتى في العلوم الطبيعية قد أصبح لاغيًا. فقد ثبت في التجربة العملية أنّه مهما كانت شدة الاحتياط المتخذة لوضع المادة الأصلية في ظروفها الطبيعية لتحقيق حيادية الموضوع المدروس؛ فإنها لا تخلو من تدخلات تخل بهذه الشروط والأهداف الخاصة. تلك التي تنطلق من تحيزات أيديولوجية واضحة. ولا نغالي إذا قلنا: إنّ حجم التحيز الأيديولوجي في النقد الأدبي يفوق حجمه في العلوم الطبيعية. بهذا المعنى لا بد من نفي العلمية والموضوعية بمعناها الوضعي المطلق وإحلال مفهوم يعترف بدور الوقائع التاريخية والاجتماعية والذاتية في الممارسة النقدية. وإذا كانت الأيديولوجيا تدل على مجموعة الأفكار والآراء التي ترسخ في عقلية الناقد انعكاسًا لمصالحه، فإن هذا يعني أن هذه الأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها لا يمكن أن تكون إلا تعبيرًا عن نزعة ذاتية وآراء شخصية ولا يمكن ان تكون تعبيرًا عن قضايانا ومشكلاتنا الاجتماعية كما هي في حقيقتها. كما أن الناقد الملتزم بالقيم التي تمليها مصالحه يتحول من ناقد محايد الى ناقد يخدم مجموعة الأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها، ومن ثم تبرز لديه النزعة الذاتية في تحليل النصوص وتفسيرها. مما يؤدي الى التعارض المنهجي مع الموضوعية العلمية والنظرة المحايدة الى القضايا الاجتماعية الواقعية. نعود ونؤكد أنّ تركيز النقد الأدبي الحديث على الخلفيات الأيديولوجية والمعتقدات ذات الصلة بالظروف التاريخية هي التي تثير وتحرك الأديب، وأن طبيعة الأدب نفسه تساهم في ذلك عن طريق طرح القضايا والموضوعات التي تستقطب الأدباء والمضامين التي يضمرها الأدب في بنية لا يمكن النظر إليها كمعطى موضوعي، ولكنها تنتمي لبنية التعبير مما يجعلها غير قصدية وغير مباشرة وتختفي وراء العناصر الفنية التي يعتمدها الأديب في عمله الإبداعي. وهذا ما يجعلها غير مطابقة بالضرورة لأيديولوجية الناقد. وعلى ذلك نرى أنه لا سبيل الى تحقيق الموضوعية العلمية في إطار أيديولوجيا ترتفع على المصالح الطبقية والنزعات الشخصية، لا تخدم قومية دون أخرى، ولا تخدم مصالح طبقة بعينها. وليس هناك منهج نقدي خاص بإمكانه ان يرتفع الى هذا المستوى من الحياد ويحتكم في تحليلاته وتفسيراته الى تصورات ومبادئ وقيم لا تكون معبرة عن مصالح ذاتية أولاً، وتقرر الحق المجرد عن كل تلك الميول والاهداف ثانيًا. أضف إلى ذلك، أنّ الموضوع الواحد يمكن أن يصب فيه أديبان مختلفان مفهومين متناقضين تبعًا لاختلاف نظرة كل منهما إليه واختلاف طرائق معالجته.
#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف الفلسطيني وأزمة الهوية القومية من خلال قصة -الغريب- ل
...
-
النقد الأدبي الفلسطيني في إسرائيل ما زال عالقًا بين الدراسة
...
المزيد.....
-
مروان حامد يتحدث عمّا -يثير الاهتمام- في فيلم -الست- ويشيد ب
...
-
مسرحية -الفيل يا ملك الزمان-.. إسقاطات رمزية على مأساة غزة
-
رحيل المخرج العراقي قيس الزبيدي أحد أبرز رموز السينما الوثائ
...
-
دمياط المصرية في المصادر العربية وكتب الرحالة والمؤرخين
-
سحب الجنسية الكويتية من فنانين وإعلاميين يثير مزيدا من الجدل
...
-
وزير الإعلام العماني: الفيلم الوثائقي -الخنجر- ثري ومبهر بصر
...
-
إيران: إطلاق سراح مغني الراب توماج صالحي بعد إلغاء حكم بإعدا
...
-
لوكاشينكو يدعو وزير الثقافة الجديد لترتيب الأوضاع أو الموت
-
12 دولة تشارك في مهرجان -تشيخوف- المسرحي الدولي عام 2025
-
مسقط: RT كما -الخنجر- العماني ينبغي الحفاظ عليها كشكل من أش
...
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|