أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - جدلية الانتماء والاغتراب في سيرة وليد الصادق: قراءة في كتاب -منفي في وطنه: من الطيبة إلى الكنيست-














المزيد.....

جدلية الانتماء والاغتراب في سيرة وليد الصادق: قراءة في كتاب -منفي في وطنه: من الطيبة إلى الكنيست-


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 18:16
المحور: الادب والفن
    


زمن تتصارع فيه الأسئلة الحارقة حول الهوية والانتماء والمكان، تأتي السيرة الذاتية لتكون أكثر من مجرد سرد لحياة فردية؛ إنها أحيانًا تصبح عدسة كاشفة لفهم واقع جماعي متشظٍّ، وصوتًا فرديًا ينبض بوجع شعب بأكمله. وهذا تمامًا ما يقدّمه وليد الصادق في سيرته الذاتية "منفي في وطنه: من الطيبة إلى الكنيست"، حيث تتقاطع الذات مع الجماعة، والتجربة الخاصة مع القضية العامة، في رحلة متوترة بين الانتماء والاغتراب.
السيرة هنا ليست اعترافًا شخصيًا فحسب، بل مرآة لجدلية معقدة تحكم الواقع الفلسطيني داخل إسرائيل، حيث الجغرافيا لا تفصل الجسد عن الأرض، لكن الانتماء يظلّ هشًا ومساءَلًا، والهوية محل شك دائم. فالتعبير "منفي في وطنه" لا يأتي كمجاز أدبي فقط، بل كصرخة وجودية تختزل التناقض البنيوي الذي يعيشه الفلسطيني في الداخل: هو في وطنه، لكنه دائمًا في موقع المغترب، الغريب، المشكوك في شرعيته.
يأخذنا الكتاب في مسار زمني متدرج يمتد عبر ثمانية وعشرين فصلاً، يبدأ من مدينة الطيبة، ويمر بمفاصل تعليمية ومهنية، وصولًا إلى أروقة السياسة والكنيست. لكن هذا التدرج لا يُقاس بالمواقع التي بلغها الكاتب، بل بالتجربة الداخلية التي خاضها في كل مرحلة، بما تحمله من صراعات بين الرغبة في الاندماج والخوف من التماهي، بين الطموح الشخصي والجدران البنيوية التي تعيق الانتماء الكامل.
في هذه السيرة، لا يدوّن وليد الصادق مسيرة شخصية فقط، بل يخطّ شهادة حيّة على ما يعنيه أن تكون فلسطينيًا مواطنًا في دولة قامت على نكبة شعبك. فهو لا يتحدث فقط عن السياسة بمعناها الرسمي، بل عن السياسة كحالة وجود، كحياة يومية مليئة بالاصطدامات مع المؤسسة، مع المجتمع العربي ذاته، ومع الذات التي تئن تحت ثقل الأسئلة الوجودية.
ولعل ما يمنح هذا العمل خصوصيته هو المزج العميق بين التأمل الذاتي والتوثيق الجماعي. فالكاتب لا يسعى لتبرئة الذات، ولا لتخوين الآخر، بل يطرح الأسئلة التي يخشى كثيرون طرحها: ما معنى أن تكون عربيًا داخل نظام لا يعترف بك؟ ما جدوى النضال من الداخل في ظل اتهامات دائمة بالخيانة؟ كيف نربّي أبناءنا على الانتماء، ونحن لا نكاد نحدد ما هو هذا "الانتماء"؟
لغة الكتاب تجمع بين البساطة والعمق، بين السرد والتأمل، وتبتعد عن التنظير الأيديولوجي لتغوص في تفاصيل الحياة اليومية، حيث تظهر وجوه الاغتراب والانتماء في أبهى تناقضاتها: في المدرسة، في العمل، في الحي، في المؤسسات الرسمية، وحتى في اللغة. كل مشهد يعكس توترًا متجددًا بين الذات التي تريد أن تُعاش بكرامة، والواقع الذي لا يرحب بها بالكامل.
يتموضع وليد الصادق في الكتاب لا كبطل ولا كضحية، بل كشاهد يسعى لأن يكون صوته امتدادًا لأصوات كُتمت طويلًا. هو يقول ما لا يُقال غالبًا في السرديات الرسمية، ويضعنا أمام أسئلة محرجة دون أن يدّعي امتلاك الإجابات. وهنا تكمن قوة العمل: في كونه فعل مقاومة ناعمة، لا بالسلاح، بل بالكلمة، لا بالشعارات، بل بالتجربة الصادقة التي لا تمجد الإنجاز، ولا تخجل من الخيبة.
الكتاب، بهذا المعنى، يتجاوز حدود السيرة الذاتية ليصبح خطابًا ثقافيًا حول الهوية الفلسطينية في الداخل، وحول الوجود العربي في ظل واقع سياسي واجتماعي متشظٍ. إنه يسلط الضوء على المسكوت عنه في العلاقة بين الفرد ودولته، وعلى هشاشة الانتماء حين لا يُقابَل بالاعتراف، وعلى الشعور الدفين بالمنفى، حتى حين لا تُغادر الأرض.
إن جدلية الانتماء والاغتراب التي تتخلل صفحات الكتاب، ليست حالة فردية معزولة، بل حالة جماعية يعيشها جيل كامل من الفلسطينيين في الداخل. وهي جدلية تتجلّى في تفاصيل بسيطة: في الشعور بالارتياب من نظرة المؤسسة، في التردد عند رفع العلم، في الإحساس بالخذلان من المجتمع أو من الذات. كل ذلك يُكتب بلغة صادقة، خالية من الادعاء، لكنها مشحونة بالأسى والوعي.
في الختام، فإن "منفي في وطنه: من الطيبة إلى الكنيست" ليس فقط حكاية رجل عاش بين الطموح والخذلان، بل هو وثيقة ثقافية تسائل التاريخ من الداخل، وتدعونا إلى إعادة التفكير في ما نعتبره بديهيًا حول الانتماء، الهوية، والمكان. إنه تذكير بأن الكفاح من أجل الاعتراف لا يمر فقط عبر المؤسسات أو الحدود، بل أيضًا عبر السرد، اللغة، والذاكرة. وهو قبل كل شيء، نداء لأن نكتب ذواتنا بأيدينا، لا أن نترك للآخرين أن يكتبوا عنا.



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصة -الخطيب المُسْتَبْرِد- للكاتب القاصّ سمير كتاني
- الشعر العربي كان وما زال فن وصناعة في آن واحد
- محمود أمين العالم وأدونيس ناقدان للأدب العربي الحديث
- النّقد الأدبيّ في خمسينات القرن العشرين؛ بداية لمرحلة نقديّة ...
- تعلّم اللّغة العربيّة في الجامعات والمعاهد العليا في إسرائيل
- قراءة في قصّة -الرّحلة القصيّة في طلب الكُنافة النابُلسيّة- ...
- كتابة القصيدة الشعريّة -الأنشودة- في أدب الأطفال المحليّ
- إشكاليّة الترجمة في الكتابة المحليّة الموجّهة للأطفال
- تعليق على ترجمة قصيدة -عابرون في كلام عابر -لمحمود درويش إلى ...
- قراءة في ديوان - وأقرأ صمت التراب الجميل- للشاعرة الفلسطينية ...
- الكتابة الطفليّة المحليّة أمام تحدّيات التكنولوجيا
- قراءة في ديوان -القصائد الدافئة- للشاعر الفلسطيني حسين جبارة
- منابع ثقافة الشاعر العربي -أدونيس-
- قراءة في قصة (للأطفال) بعنوان -المطر الأول - للكاتب نعمان عب ...
- انحسار اللغة العربية مقارنة بلغات وليدة -الطفرة- التكنولوجية
- دعوة لتعريب مناهج النقد الأدبي
- أيديولوجية النقد الأدبي
- المثقف الفلسطيني وأزمة الهوية القومية من خلال قصة -الغريب- ل ...
- النقد الأدبي الفلسطيني في إسرائيل ما زال عالقًا بين الدراسة ...


المزيد.....




- -الألكسو- تُدرج صهاريج عدن التاريخية ضمن قائمة التراث العربي ...
- الطيور تمتلك -ثقافة- و-تراثا- تتناقله الأجيال
- الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
- الممثل الإقليمي للفاو يوضح أن إيصال المساعدات إلى غزة يتطلب ...
- الممثل الإقليمي للفاو: لا يمكن إيصال المساعدات لغزة دون ممرا ...
- عائلة الفنان كامل حسين تحيي ذكراه الثامنة في مرسمه
- في فيلم -عبر الجدران-.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
- -غرق السلمون- للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن
- وفاة الفنان المصري لطفي لبيب عن عمر 77 عاما
- لجنة الشهداء ترفض قائمة السفراء: أسماء بعثية ومحسوبية تهدد ن ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - جدلية الانتماء والاغتراب في سيرة وليد الصادق: قراءة في كتاب -منفي في وطنه: من الطيبة إلى الكنيست-