أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - محمد علي طه: عميد القصّة الفلسطينيّة بين التجربة الإنسانيّة والفنّ السرديّ















المزيد.....

محمد علي طه: عميد القصّة الفلسطينيّة بين التجربة الإنسانيّة والفنّ السرديّ


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 14:46
المحور: الادب والفن
    


يُعتبر محمد علي طه واحدًا من أعلام الأدب الفلسطيني الحديث، وقد نال لقب "عميد القصة الفلسطينيّة" لما قدمه من أعمال تمزج بين التجربة الشخصيّة والتاريخيّة، وبين الرسالة الإنسانيّة والفنيّة، وهو ما يجعله نموذجًا فريدًا في السرد الفلسطيني المعاصر. وُلد طه عام 1941 في قرية ميعار بالجليل، وشهد بنفسه نكبة عام 1948 وتهجير قريته، وهي تجربة شكلت المحور الأساسي في كتاباته، إذ جسدت معاناة الفلسطينيين في الشتات، وأعادت بناء الذاكرة الجماعيّة للمجتمع الفلسطيني، مع إبراز الحنين إلى الأرض، والصمود في مواجهة التحديات، وهو ما أكسب أعماله أبعادًا وطنيّة وإنسانيّة تتجاوز حدود المكان والزمان. وقد بدأ طه مسيرته الأدبيّة في ستينيات القرن الماضي مع نشر مجموعته الأولى "لكي تشرق الشمس"، التي لم تكن مجرد بداية لمجموعة قصصيّة، بل كانت بداية مشروع وعي ثقافي ووطني شامل، حاول من خلاله الجمع بين الأدب كفن وبين الأدب كرسالة للتغيير الاجتماعي والفهم الإنساني، ومنذ تلك البدايات ظهرت سماته الأدبيّة المميزة، التي تشمل المزج بين الواقعيّة والرمزيّة، والسرد التاريخي والتجربة الفرديّة، والبعد النفسي للشخصيات، إلى جانب النقد الاجتماعي الراسخ.
تميزت أعمال طه بقدرته على تصوير الإنسان الفلسطيني في ظل التحديات اليوميّة، وبجسده الانكسار والأمل معًا، حيث يظهر الفلاح الفلسطيني وهو يعاني من فقدان الأرض، ولكنه يظل صامدًا محتفظًا بكرامته، كما نجد ذلك في مجموعته "عائد وحفيظة" (طه، 1989، ص. 45)، التي توثق صراع الفرد الفلسطيني مع الاحتلال، وفي الوقت نفسه تعكس صراعًا إنسانيًا عامًا يعكس قدرة الإنسان على مواجهة الخسارة والظلم، والتمسك بالقيم الأساسية للكرامة الإنسانيّة. ومن خلال هذه القصص يظهر تفاعل الإنسان الفلسطيني مع ظروف التهجير واللجوء، وكيفيّة مواجهة الصعوبات اليوميّة، وهو ما يمنح النصوص أبعادًا وجدانيّة قويّة تجعل القارئ يعيش التجربة كاملة، من شعور بالحنين والانكسار إلى صمود وإرادة للبقاء.
وفي مجموعة "الشيخ الأبيض" (طه، 1990، ص. 102) نجد استخدام طه للحنين إلى الماضي، مع إدراك الواقع المؤلم، حيث تتحرك الشخصيات بين الذكريات والأحداث اليومية، وبين الحنين إلى ما كان والوعي بما أصبح، وهو ما يعكس التوتر بين الماضي والحاضر، ويتيح للغة أن تكون وسيلة للتعبير عن صراع الإنسان الداخلي، وإظهار الانكسار النفسي والاجتماعي على حد سواء. وتظهر براعة طه في استخدام لغة عربيّة فصحى ميسرة، لكنها عميقة، قادرة على نقل المشاعر المعقدة للشخصيات، وتمكن القارئ من العيش داخل تفاصيل المكان والزمن، والتفاعل مع الأحداث بشكل حي، ما يعزز الصلة بين النص والواقع، ويمنح القصص مصداقيّة إنسانيّة عالية. ويستخدم طه الرموز المحليّة والثقافيّة، مثل أسماء القرى والأدوات التقليديّة، ليس كديكور فقط، بل كعنصر أساسي في بناء الهوية الثقافيّة والوطنيّة، ليكون السرد وسيلة للحفاظ على التراث ونقل القيم الفلسطينيّة للأجيال القادمة (طه، 1990، ص. 134).
لقد لمست أعمال طه النقد الاجتماعي بعمق، حيث تناول التقاليد المقيّدة، والانقسامات الداخليّة بين الأجيال، والصراعات المجتمعيّة، في قالب سردي يمزج بين الواقعيّة والرمزيّة (طه، 1995، ص. 56). وفي مجموعته "النخلة المائلة" نجد تصويرًا دقيقًا للصراع بين الفرد والمجتمع، بين التقاليد والحداثة، وبين الانتماء والاغتراب، وهو ما يظهر أن طه لم يكتب للنقد الأدبي فحسب، بل لجعل النص الأدبي وسيلة لفهم المجتمع وتحليل العلاقات الإنسانيّة الداخليّة، وفي الوقت ذاته تقديم رسائل تربويّة وأخلاقيّة، خاصة عند الأطفال، حيث كتب عشر قصص تحمل القيم الوطنيّة والإنسانيّة بطريقة مبسطة وجاذبة ( 2020، (Aljarmaq Center. ويؤكد هذا التوجه أن مشروعه الأدبي لم يكن مجرد كتابة للكبار، بل رؤية شاملة تربط بين الفن والرسالة، وبين التربيّة والهُويّة، وهو ما يجعل أعماله مرجعًا مهمًا لدراسة تأثير الأدب على الوعي الاجتماعي والثقافي للأطفال والكبار على حد سواء.
وفي السيرة الذاتيّة التي أصدرها طه بعنوان "نوم الغزلان" (2017)، تتجلى قدرته على المزج بين التجربة الذاتيّة والبعد الوطني، فهو يروي مراحل حياته منذ طفولته في ميعار، مرورًا بالتهجير واللجوء، وصولًا إلى نشوء وعيه الوطني والأدبي، وقد جاءت هذه السيرة كإضافة مهمة للأدب الفلسطيني، حيث تقدم سردًا متكاملاً للخبرة الحياتيّة، وتفسر خلفيات إنتاجه الأدبي، وتوضح الدوافع الإنسانيّة والاجتماعيّة وراء أعماله القصصيّة والمسرحيّة وأدب الأطفال، ما يعكس فهمه العميق للعلاقة بين التجربة الشخصيّة والفن الأدبي.
ويظهر في أعمال طه أيضًا اهتمامه البالغ بالأبعاد النفسيّة للشخصيات، حيث تتناول قصصه صراعات الأمل واليأس، والانتماء للوطن والاغتراب عنه، والانكسار أمام الواقع المعقد، وهو ما يجعل النصوص أدوات لفهم التعقيدات النفسيّة والاجتماعيّة، ويجعل القارئ يعيش التجربة الإنسانيّة بشكل كامل (طه، 2000، ص. 89). ومن خلال هذه الشخصيات، يمكن للقارئ إدراك معاني الصمود، والكرامة، والمقاومة، والتمسك بالهويّة، كما أن الأسلوب السردي لطه يتيح مستوى من التأمل العميق، فهو لا يكتفي بسرد الأحداث، بل يربط بين الحدث والفكرة، بين المكان والزمان، بين الماضي والحاضر، وبين الواقع والرمزيّة.
لقد تجاوز تأثير طه حدود الأدب الفلسطيني، ليصل إلى الأدب العربي والعالمي، حيث جعل تجربته الفلسطينيّة مفهومة للقارئ العربي والعالمي، وقدم عبر قصصه دروسًا إنسانيّة تصلح لأن تكون عبرًا ثقافيّة عامّة (2021، (Wikipedia contributors). وبذلك، شكلت أعماله نموذجًا للأدب المقاوم الذي يعكس الهوية الوطنيّة الفلسطينيّة، وفي الوقت نفسه يصل إلى البعد الإنساني الشامل، حيث يربط بين التجربة الفرديّة والجماعيّة، وبين النقد الاجتماعي والبعد النفسي، وبين السرد الفني والرسالة الإنسانيّة، لتصبح أعماله مرجعًا أكاديميًا وأدبيًا للباحثين والنقاد على حد سواء.
إن إرث محمد علي طه الأدبي، الذي يشمل مجموعات قصصيّة، وسيرة ذاتيّة، وأعمالًا للأطفال، ومسرحيات، يوضح أن الأدب يمكن أن يكون أداة لفهم الواقع، وتعليم الإنسان قيم الصمود والانتماء والهويّة، وأنّ الجمع بين التجربة الذاتيّة والبعد الوطني، وبين الفن والرسالة، هو ما يجعل من نصوصه مادة غنيّة للبحث والتحليل النقدي. كما أنّ القدرة على المزج بين الواقعيّة والرمزيّة، وبين السرد والتحليل الاجتماعي، وبين نقل التجربة الفرديّة والجماعيّة، هي ما يميز محمد علي طه عن غيره من الكتاب الفلسطينيين، ويؤكد مكانته كعميد القصة الفلسطينية بحق (طه، 2010، ص. 145؛ Diwan al-Arab، 2016).
وباختصار، فإنّ محمد علي طه يمثل نموذجًا فريدًا في الأدب الفلسطيني الحديث، حيث استطاع من خلال تجربته الشخصيّة والتاريخيّة، ومن خلال رؤيته الفنيّة، أن يقدم أعمالًا تجمع بين الفن والرسالة، بين الطفل والكبير، بين الماضي والحاضر، وبين السرد والتحليل النفسي والاجتماعي، ليصبح مرجعًا أساسيًا لكل من يريد دراسة الأدب الفلسطيني المعاصر وفهم التجربة الإنسانيّة في فلسطين، كما يشكل نموذجًا حيًا للأدب الذي يمزج بين الفن والواقع والرسالة، ويقدم درسًا في الصمود والكرامة والهُويّة.


ثبت بالمراجع
• طه، محمد. علي. (1989). عائد وحفيظة. سلسلة الأدب الفلسطيني، رقم 8. منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة الثقافة.
• طه، محمد. علي. (1990). الشيخ الأبيض. دار الشفق للنشر والتوزيع.
• طه، محمد. علي. (1995). النخلة المائلة. دار الشفق للنشر والتوزيع.
• طه، محمد. علي. (2000). قصص مختارة. دار الشفق للنشر والتوزيع.
• طه، محمد. علي. (2010). دراسات نقدية. دار الشفق للنشر والتوزيع.
• طه، محمد. علي. (2017). نوم الغزلان. دار الشروق للنشر والتوزيع.
• Wikipedia contributors. (2021). Taha Muhammad Ali. In Wikipedia. Wikimedia Foundation. Retrieved January 9, 2021, from https://en.wikipedia.org/wiki/Taha_Muhammad_Ali
• Diwan al-Arab. (2016). عالم محمد علي طه الأدبي. Diwan al-Arab. ص. 1–45.
• Aljarmaq Center. (2020). طه محمد علي الذي بدأ قاصًا. Aljarmaq Center. ص. 10–38.


الطيرة – 21.9.2025



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأطلال في الأدب الحديث: سرديّات الذاكرة والغياب
- أدونيس ورؤاه في ثقافة الفرد والحاكم العربي: جدلية المصلحة وا ...
- الأدباء بين التهميش والانتشار
- أثر الكتابة الرقمية ووسائط التواصل الاجتماعي على الأجناس الأ ...
- ردّ على مقال الدكتور رافع يحيى: الحداثة وما بعد الحداثة بين ...
- الأحزاب العربية في الكنيست: حضور بلا تأثير!
- المناهج التعليميّة لا تواكب العصر ولا تلبي احتياجات سوق العم ...
- من الصمت إلى الصوت: إصلاح التعبير الشفوي في التعليم الابتدائ ...
- تراجع الأدب العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين: بين الواقع ...
- ضعف تمثيل النساء العربيات في مواقع القرار في الداخل الفلسطين ...
- هل الأدبُ يعكسُ الواقعَ النفسيّ أم يشكّله؟ قراءةٌ نقديّةٌ في ...
- الإدمان الرقمي.. حياة مسروقة خلف الضوء الأزرق
- الشعر في زمن الفيسبوك والواتساب وتحوّلات صورة الشاعر العربي ...
- هل يمكن تحقيق الوحدة وإعادة بناء القائمة المشتركة
- دور المرأة في التعليم بالداخل الفلسطيني: وقائع وفرص وتحديات
- دور المعلم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي في بناء الوعي ومنا ...
- جدلية الانتماء والاغتراب في سيرة وليد الصادق: قراءة في كتاب ...
- قراءة في قصة -الخطيب المُسْتَبْرِد- للكاتب القاصّ سمير كتاني
- الشعر العربي كان وما زال فن وصناعة في آن واحد
- محمود أمين العالم وأدونيس ناقدان للأدب العربي الحديث


المزيد.....




- الأوبرا في ثوب جديد.. -متروبوليتان- تفتتح موسمها بعمل عن الأ ...
- الصّخب والعنف.. كيف عالج وليم فوكنر قضية الصراع الإنساني؟
- تايلور سويفت تعود لدور السينما بالتزامن مع إصدار ألبومها الج ...
- تجمع سوداني بجامعة جورجتاون قطر: الفن والثقافة في مواجهة مأس ...
- سوار ذهبي أثري يباع ويُصهر في ورشة بالقاهرة
- جان بيير فيليو متجنياً على الكرد والعلويين والدروز
- صالة الكندي للسينما: ذاكرة دمشق وصوت جيل كامل
- وزارة الثقافة اللبنانية تنفي وجود أي أسلحة تعود لأحزاب في قل ...
- في النظرية الأدبية: جدل الجمال ونحو-لوجيا النص
- السينما مرآة القلق المعاصر.. لماذا تجذبنا أفلام الاضطرابات ا ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - محمد علي طه: عميد القصّة الفلسطينيّة بين التجربة الإنسانيّة والفنّ السرديّ