أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - هل الأدبُ يعكسُ الواقعَ النفسيّ أم يشكّله؟ قراءةٌ نقديّةٌ في العلاقةِ بين النصّ والذاتِ الإنسانيّةِ














المزيد.....

هل الأدبُ يعكسُ الواقعَ النفسيّ أم يشكّله؟ قراءةٌ نقديّةٌ في العلاقةِ بين النصّ والذاتِ الإنسانيّةِ


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 16:12
المحور: الادب والفن
    


الأدب ليس مجرد سرد للأحداث أو وصف للشخصيات، بل هو فضاء معقد يعكس ويعيد تشكيل التجربة النفسية للإنسان. من هنا يطرح السؤال الجوهر: هل الأدب يعكس الواقع النفسي للإنسان كما هو، أم أنّه يشكّله من خلال النصوص والشخصيات والأحداث؟ لفهم هذه العلاقة، يجب النظر إلى النصّ الأدبيّ كحوار مستمر بين الكاتب والنصّ والقارئ، حيث تتفاعل الخبرات الشخصيّة والاجتماعيّة والثقافيّة لتنتج وعيًا نفسيًا ومعرفيًا جديدًا.
يمكن اعتبار الأدب انعكاسًا للواقع النفسيّ من خلال قدرة النصوص على تصوير الصراعات الداخلية والرغبات والمخاوف، وهو ما يظهر جليًا في الروايات النفسيّة الغربيّة مثل أعمال دوستويفسكي. ففي الجريمة والعقاب، يعيش رأسكولنيكوف صراعًا داخليًا شديد التعقيد بين رغبته في إثبات الذات وارتكاب الجريمة، وبين شعوره بالذنب والخوف من العقاب، ما يجعل القارئ يعيش تجربة نفسيّة حقيقيّة، وكأنّ النصّ يعكس مرآة ضمير الإنسان. وكذلك في رواية الشياطين، يعكس دوستويفسكي الصراع بين الفرد والمجتمع وبين الإيمان والتمرّد، ما يجعل الأدب وسيلة لفهم النفس الإنسانيّة وتحليل دوافعها الداخليّة.
في الأدب العربيّ، نجد انعكاسًا مماثلًا للواقع النفسيّ في أعمال نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف. فـ أولاد حارتنا تعكس الصراعات النفسيّة للشخصيات داخل مجتمع يحدد الخيارات الأخلاقيّة والقيميّة، ويعكس الضغوط الدينيّة والاجتماعيّة على الفرد. وفي مدن الملح لعبد الرحمن منيف، تظهر الشخصيّة وهي تواجه التحولات الاجتماعيّة والسياسيّة، فتتجلى الضغوط النفسيّة الناتجة عن الظلم والاستبداد، ما يجعل القارئ يعيش تجربة الصراع الداخليّ للشخصيّة، ويستشعر أثر الواقع الاجتماعيّ على النفس البشريّة.
لكنّ الأدب لا يكتفي بدور الانعكاس؛ فهو أيضًا عامل فاعل في تشكيل الواقع النفسيّ. النصّ الأدبيّ قادر على خلق عوالم جديدة تتجاوز الخبرة اليوميّة، ويحفز القارئ على التأمل وإعادة تقييم ذاته والعالم من حوله. يظهر ذلك جليًا في أدب الوجوديّة، مثل أعمال جان بول سارتر وألبير كامو، حيث تقدّم الروايات تساؤلات وجوديّة عميقة حول الحريّة والمسؤوليّة والمعنى الشخصيّ للحياة، فتؤثّر على وعي القارئ النفسيّ وتدفعه إلى إعادة تشكيل مشاعره ومفاهيمه. في رواية الغريب لألبير كامو، يواجه القارئ تجربة الاغتراب واللامعنى في الحياة، ما يجعله يعيد التفكير في مفهوم الموت والحياة والاختيار الأخلاقيّ. أما الروايات التي تستخدم أسلوب تيار الوعي، مثل أعمال فيرجينيا وولف في Mrs. Dalloway، فتسمح للقارئ بالانغماس الكامل في تجربة الشخصيّة الداخليّة، وإعادة إنتاج مشاعرها وأفكارها في وعيه الخاصّ، لتتحول القراءة إلى تجربة نفسيّة وفكريّة عميقة.
في الأدب العربيّ المعاصر، نجد تجسيدًا لهذا الدور التكوينيّ للأدب في أعمال أحلام مستغانمي، مثل رواية ذاكرة الجسد، حيث تعكس النصوص صراعات الحب والفقد والهويّة، وفي الوقت نفسه تشكل وعي القارئ تجاه العلاقات الإنسانيّة والانتماء العاطفيّ. الشخصيات النسائيّة في هذه الروايات، مثل "ليلى"، تعكس تجربة نفسيّة مركبة، تجمع بين الألم العاطفيّ والتطلعات للحريّة الشخصيّة، ما يجعل النصّ الأدبيّ مساحة للتفاعل النفسيّ والمعرفيّ بين النصّ والقارئ.
الحقيقة الأدبيّة تكمن إذن في التفاعل المستمر بين الانعكاس والتشكيل. فالنصوص غالبًا ما تنبثق من تجربة نفسيّة حقيقيّة، لكنّها تُعاد صياغتها بطريقة فنية تسمح للقارئ بالتفاعل معها، وإعادة إنتاج تجربة جديدة في وعيه النفسيّ. الأدب يصبح بذلك فضاء ديناميكيًا تتلاقى فيه خبرات الكاتب والقراء، لتتشكل رؤى جديدة وتولد خبرات معرفيّة ونفسيّة متجددة. فالشخصيات، سواء في الأدب الغربيّ أو العربيّ، تتحول إلى وسائط لفهم النفس البشرية وتحليل سلوكها، وفي الوقت نفسه تشكل أطرًا جديدة لإعادة النظر في القيم والمشاعر والخيارات.
كما يمتدّ تأثير الأدب ليشمل الوعي الجماعيّ. فالقصص والروايات والشعر لا تعكس فقط التجربة الفرديّة، بل تساهم في تشكيل تصورات المجتمع حول القيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة. في الأدب الغربيّ، نجد مثالًا في To Kill a Mockingbird لهاربر لي، حيث يعكس النصّ قضيّة العدالة الاجتماعيّة ويؤثّر في وعي الجماعة حول مفاهيم الظلم والمساواة. أما في الأدب العربيّ، فالشعر الحديث، مثل أعمال نزار قباني، يعالج صراعات الحداثة والتقاليد، ويسهم في إعادة تشكيل القيم الاجتماعيّة والنفسيّة، وهو ما يبرز دور الأدب كأداة تأثير نفسيّ واجتماعيّ في الوقت نفسه.
في الختام، يظهر الأدب كعنصر مزدوج الوظائف، فهو يعكس الواقع النفسيّ للفرد والمجتمع وفي الوقت نفسه يشكله من خلال النصوص والشخصيات والأحداث. إنّ فهم هذه العلاقة المعقدة بين النصّ والذّات الإنسانيّة يعزز إدراكنا للأدب ليس فقط كفنّ، بل كأداة معرفيّة ونفسيّة قادرة على إعادة رسم حدود التجربة الإنسانيّة، وتشكيل وعي الفرد والمجتمع، وإثراء الحوار بين الذّات والآخر، بين الواقع والتخيّل، وبين الانعكاس والتشكيل النفسيّ. وبذلك يظلّ الأدب قوّة حيّة وفاعلة، تفتح آفاقًا جديدة لفهم النفس البشرية وتجربتها المتجددة، وتبرز دوره كمرآة وكمحرّك في الوقت نفسه.
الطيرة – 21.8.2026



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإدمان الرقمي.. حياة مسروقة خلف الضوء الأزرق
- الشعر في زمن الفيسبوك والواتساب وتحوّلات صورة الشاعر العربي ...
- هل يمكن تحقيق الوحدة وإعادة بناء القائمة المشتركة
- دور المرأة في التعليم بالداخل الفلسطيني: وقائع وفرص وتحديات
- دور المعلم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي في بناء الوعي ومنا ...
- جدلية الانتماء والاغتراب في سيرة وليد الصادق: قراءة في كتاب ...
- قراءة في قصة -الخطيب المُسْتَبْرِد- للكاتب القاصّ سمير كتاني
- الشعر العربي كان وما زال فن وصناعة في آن واحد
- محمود أمين العالم وأدونيس ناقدان للأدب العربي الحديث
- النّقد الأدبيّ في خمسينات القرن العشرين؛ بداية لمرحلة نقديّة ...
- تعلّم اللّغة العربيّة في الجامعات والمعاهد العليا في إسرائيل
- قراءة في قصّة -الرّحلة القصيّة في طلب الكُنافة النابُلسيّة- ...
- كتابة القصيدة الشعريّة -الأنشودة- في أدب الأطفال المحليّ
- إشكاليّة الترجمة في الكتابة المحليّة الموجّهة للأطفال
- تعليق على ترجمة قصيدة -عابرون في كلام عابر -لمحمود درويش إلى ...
- قراءة في ديوان - وأقرأ صمت التراب الجميل- للشاعرة الفلسطينية ...
- الكتابة الطفليّة المحليّة أمام تحدّيات التكنولوجيا
- قراءة في ديوان -القصائد الدافئة- للشاعر الفلسطيني حسين جبارة
- منابع ثقافة الشاعر العربي -أدونيس-
- قراءة في قصة (للأطفال) بعنوان -المطر الأول - للكاتب نعمان عب ...


المزيد.....




- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس محمود عباس: الأزمة والمخرج!
- فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- يحقق نجاحًا باهرًا.. ما سرّه؟
- موسيقى -تشيمورينغا-.. أنغام الثورة في زيمبابوي
- قائد الثورة الإسلامية يعزي برحيل الفنان محمود فرشجيان
- -عندما يثور البسطاء-: قراءة أنثروبولوجية تكسر احتكار السياسة ...
- مدن على الشاشة.. كيف غيّرت السينما صورة أماكن لم نزرها؟
- السعودية.. إضاءة -برج المملكة- باسم فيلم -درويش-


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - هل الأدبُ يعكسُ الواقعَ النفسيّ أم يشكّله؟ قراءةٌ نقديّةٌ في العلاقةِ بين النصّ والذاتِ الإنسانيّةِ