أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - تراجع الأدب العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين: بين الواقع والتحديات














المزيد.....

تراجع الأدب العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين: بين الواقع والتحديات


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 18:28
المحور: الادب والفن
    


عرف الأدب العربي خلال القرن العشرين نهضة متألقة، جعلته حاضراً بقوة على المستويين العربي والعالمي. فقد أسس الرواد من أمثال محمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، والطيب صالح، تقاليد السرد العربي الحديث، وبلغت هذه النهضة ذروتها مع نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل عام 1988، ليصبح الأدب مرآةً صادقة للتحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية. غير أن مطلع القرن الحادي والعشرين كشف عن تراجع واضح في مكانة الأدب العربي؛ لم يعد يحتل مركز الثقافة العامة كما كان، ولم يظهر جيل جديد يماثل الرواد في الانتشار أو التأثير.
مع مطلع القرن الحادي والعشرين، بدأ الأدب العربي يشهد تراجعًا ملحوظًا في موقعه الثقافي. لم يعد يحتل مركز الفعل الثقافي كما كان، ولم يظهر جيل جديد يتمتع بالتأثير والانتشار الذي كان يميز أسلافه. ويمكن تتبع أسباب هذا التراجع عبر مجموعة من العوامل المتشابكة التي امتدت بين السياسة والمجتمع، والتقنية، والبنية الثقافية.
فالأدب العربي في النصف الثاني من القرن الماضي كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمشاريع التحرر الوطني وبناء الدولة الحديثة، حيث لعب الأدباء دور ضمير الأمة. إلا أن الأزمات السياسية المستمرة، من حروب أهلية وانقسامات طائفية إلى انهيار المشاريع القومية، عزلت الأدب عن دوره الاجتماعي والسياسي التقليدي، ودفع كثيرًا من الكتاب إلى الانسحاب إلى نصوص شخصية وتجريبية، تفقد بعدًا جماعيًا يعكس هموم المجتمع.
وفي الوقت ذاته، أحدثت العولمة والثورة الرقمية تحولًا جذريًا في طرق التلقي. لم يعد القارئ العربي يقرأ الرواية أو القصيدة الطويلة كما في السابق، بل صار يتجه نحو المحتوى المرئي والرقمي السريع، مما قلص جمهور الأدب، خاصة بين الشباب. وظهرت أشكال سردية جديدة، مثل المدونات والنصوص الرقمية القصيرة، لكنها لم تحظَ بالرصيد النقدي الذي يمنحها صفة الأدب الرفيع، فظلّت حبيسة الفضاء الافتراضي دون تأثير حقيقي في الثقافة العامة.
أما على صعيد صناعة النشر والترجمة، فإن الأدب العربي يعاني من ضعف البنية المؤسسية. تكاليف الطباعة العالية، ضعف التوزيع، وغياب الدعم الرسمي أدت إلى انخفاض حضور الكتاب على الساحة، بينما انخفضت حركة الترجمة مقارنة بعصر محفوظ والطّيب صالح، ما انعكس على ضعف التمثيل العالمي للأدب العربي، في مقابل حضور آداب أمريكا اللاتينية وأفريقيا المدعومة مؤسساتيًا وترجمة نشطة.
يضاف إلى ذلك غياب المشروع الثقافي الجامع الذي كان يربط الأجيال السابقة. فقد كانت الكتابات في زمن النهضة جزءًا من حركة إصلاحية وتنويرية، أما اليوم، فالمشهد الأدبي متشظٍ: نصوص متعددة، أصوات متفرقة، لكنها تفتقد القضية الكبرى التي توحد الرؤية الأدبية. وتظل القيود السياسية والاجتماعية حاضرة، فتفرض الرقابة على الكتاب، ما يدفع بعضهم إلى الهجرة أو الكتابة المراوغة، لتفقد نصوصهم جزءًا كبيرًا من قوتها الفنية.
ولم تقتصر التحديات على الكاتب فقط، بل امتدت إلى الذائقة القرائية. فقد أصبح القارئ العربي يفضل النصوص السريعة والروايات التجارية، بينما تراجعت شعبية الأعمال الملحمية والفلسفية، ما دفع بعض الكتاب إلى إنتاج نصوص موجهة للسوق على حساب العمق الفني والجمالي.
مع ذلك، فإن الأدب العربي لم يخلُ من أصوات واعدة تعكس طاقة كامنة يمكنها استعادة مكانة الأدب وإعادة الروح إلى المشهد الثقافي. أسماء مثل سعود السنعوسي (الكويت)، أحمد خالد توفيق (مصر)، بثينة العيسى (السعودية)، جلال برجس (الأردن)، واسيني الأعرج (الجزائر)، وأحلام مستغانمي (الجزائر) تعكس تنوع التجارب الروائية والقصة القصيرة في العالم العربي المعاصر، وتلمح إلى إمكانية استعادة الحضور الأدبي إذا توفرت بيئة ثقافية مؤسسية، تدعم الإنتاج وتشجع الترجمة، وتفتح الأفق على العالم. هؤلاء الكتاب يواصلون ترسيخ الرواية والقصة كأدوات فعالة لفهم الواقع الاجتماعي والسياسي، ويضيفون لمساتهم الخاصة التي تجمع بين الأصالة والتجريب.
هذا التنوع في الأصوات الأدبية يبرز قدرة الأدب العربي على التأقلم مع التحولات الحديثة، ويشير إلى أن الحضور الأدبي لا يزال ممكنًا إذا توفرت سياسات دعم مستدامة للنشر، وتعزيز حركة الترجمة، والانفتاح على التجارب العالمية، بحيث يبقى الأدب أداة حية لفهم المجتمع والتأثير في وعي الجماهير عبر الأجيال.
إن قضية تراجع الأدب العربي اليوم ليست مرتبطة بالموهبة أو الإبداع، بل هي انعكاس لتحولات اجتماعية وسياسية وثقافية وتقنية، وما دام هناك جيل جديد واعٍ بصوت الأدب، يمكن للأدب العربي أن يستعيد نغمة حضارته ويستمر في سرد قصصه الكبرى للعالم.
الطيرة – 25.8.2025



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضعف تمثيل النساء العربيات في مواقع القرار في الداخل الفلسطين ...
- هل الأدبُ يعكسُ الواقعَ النفسيّ أم يشكّله؟ قراءةٌ نقديّةٌ في ...
- الإدمان الرقمي.. حياة مسروقة خلف الضوء الأزرق
- الشعر في زمن الفيسبوك والواتساب وتحوّلات صورة الشاعر العربي ...
- هل يمكن تحقيق الوحدة وإعادة بناء القائمة المشتركة
- دور المرأة في التعليم بالداخل الفلسطيني: وقائع وفرص وتحديات
- دور المعلم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي في بناء الوعي ومنا ...
- جدلية الانتماء والاغتراب في سيرة وليد الصادق: قراءة في كتاب ...
- قراءة في قصة -الخطيب المُسْتَبْرِد- للكاتب القاصّ سمير كتاني
- الشعر العربي كان وما زال فن وصناعة في آن واحد
- محمود أمين العالم وأدونيس ناقدان للأدب العربي الحديث
- النّقد الأدبيّ في خمسينات القرن العشرين؛ بداية لمرحلة نقديّة ...
- تعلّم اللّغة العربيّة في الجامعات والمعاهد العليا في إسرائيل
- قراءة في قصّة -الرّحلة القصيّة في طلب الكُنافة النابُلسيّة- ...
- كتابة القصيدة الشعريّة -الأنشودة- في أدب الأطفال المحليّ
- إشكاليّة الترجمة في الكتابة المحليّة الموجّهة للأطفال
- تعليق على ترجمة قصيدة -عابرون في كلام عابر -لمحمود درويش إلى ...
- قراءة في ديوان - وأقرأ صمت التراب الجميل- للشاعرة الفلسطينية ...
- الكتابة الطفليّة المحليّة أمام تحدّيات التكنولوجيا
- قراءة في ديوان -القصائد الدافئة- للشاعر الفلسطيني حسين جبارة


المزيد.....




- محمد رمضان في بيروت وهيفاء وهبي تشعل أجواء الحفل بالرقص والغ ...
- -بيت العبيد- بالسنغال ذاكرة حيّة لتجارة الرقيق عبر الأطلسي
- وزير الثقافة يفتتح معرضا للفن التشكيلي وجدارية أيقونة القدس ...
- -شومان- تعلن الفائزين بجائزة أدب الأطفال لعام 2025
- موغلا التركية.. انتشال -كنوز- أثرية من حطام سفينة عثمانية
- مريم أبو دقة.. مناضلة المخيمات التي جعلت من المسرح سلاحا للم ...
- هوليود تكتشف كنز أفلام ألعاب الفيديو.. لماذا يعشقها الجيل -ز ...
- الموسيقي نبيل قسيس يعلم السويديين والعرب آلة القانون
- صانعو الأدب ورافضو الأوسمة.. حين يصبح رفض الجائزة موقفا
- -الديفا تحلّق على المسرح-..أكثر من 80 ساعة عمل لإطلالة هيفاء ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد كامل ناصر - تراجع الأدب العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين: بين الواقع والتحديات