أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أحمد كامل ناصر - قصيدة -سطعتْ- للشاعر أسامة مصاروة: جدليّة الضوء والهويّة في خطاب الحبّ والقضيّة















المزيد.....

قصيدة -سطعتْ- للشاعر أسامة مصاروة: جدليّة الضوء والهويّة في خطاب الحبّ والقضيّة


أحمد كامل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 13:33
المحور: قضايا ثقافية
    


تندرج قصيدة سطعتْ للشاعر د. أسامة مصاروة ضمن الخطاب الشعريّ المعاصر الذي يسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين الذات الفرديّة والهويّة الجمعيّة من خلال تجربة وجدانيّة مكثفة تتكئ على ثنائيّة مركزيّة: الضوء باعتباره رمزًا للانبعاث، والهويّة بوصفها مجالًا للصراع والانكسار. ومن اللافت في هذا النصّ أنّ الشاعر يوظف التجربة العاطفيّة لا كموضوع غزليّ مستقلّ، بل كبنية معرفيّة تسمح بإعادة النظر في الواقع العربيّ بأزماته وانكساراته. فالحبّ هنا ليس حالة انفعاليّة معزولة، بل قوّة فاعلة تستدعي خطابًا يتجاوز الذات إلى الأمّة، ويتجاوز العاطفة إلى الوعي.
تتأسس القراءة التحليلية لهذه القصيدة على فهم لحظة الكتابة بوصفها نقطة تلاقي بين الذات الشاعرة وأفق رمزيّ يتجاوز حدود البوح العاطفيّ إلى فضاء يتداخل فيه الشخصيّ بالجمعيّ. فالقصيدة لا تُبنى على اعتراف وجدانيّ مباشر بقدر ما تُشيّد خطابًا يتخذ من الضوء محورًا دلاليًا تتفرّع عنه تمثيلات الهويّة والانبعاث وتوتّر العلاقة بين الغياب والحضور. وهكذا تغدو الصورة الشعريّة أداة لإعادة تشكيل الوعي بالعاطفة، إذ يتكئ الشاعر على لغة مكثفة تعتمد اللمعان والانكشاف وسيلة لاقتراح معنى يتعدّى حدود العلاقة الثنائيّة بين "أنا" الشاعر و"أنتِ" المخاطبة. ومن هنا تبرز الحاجة إلى قراءة النصّ ضمن بنية أكثر اتساعًا تُبرز جدليّة الحبّ بوصفها لحظة مقاومة للعدم وتجاوزًا للارتباك الوجوديّ، دون أن تفقد القصيدة نبرتها الحميميّة.
حين يقول الشاعر: "سطعتْ عيناكِ فثار دمي - وأثار النور شذا قلمي"، يتبدّى الضوء فاعلاً لا مجرّد وصف حسّيّ. إنّ فعل السطوع يُنقل من دلالته الطبيعيّة إلى دلالته الوجوديّة؛ فالنور لا يقتصر على الإضاءة الحسيّة، بل يستفزّ الحيويّة الداخليّة للذات. والدّم في هذا السياق يحيل إلى معنى يتجاوز الانفعال العاطفيّ إلى انفعال جوهريّ يعيد تعريف الذات. أمّا “شذا قلمي" فتكثيف لغويّ يربط بين الكتابة والفعل العطريّ، وكأنّ القلم لا يخطّ كلمات، بل ينشر أثرًا محسوسًا، مما يجعل اللغة ذات وظيفة إنشائيّة تسهم في خلق عالم النصّ لا في وصفه فقط. هنا تتلاقى دلالة الضوء بدلالة الإحياء، إذ يصبح البريق الذي في عيني المخاطبة سببًا لانبعاث الكتابة واستعادة الصوت الداخليّ.
ويمضي الشاعر إلى توسيع هذا الفضاء حين يقول: " حقتْ من قبل رحى العدم - أزهارًا أنبتها ألمي". إنّ صورة "رحى العدم" تنتمي إلى حقل مفهومي يتسم بالعنف والطمس، وهي استعارة تشير إلى قوة وجوديّة كانت قادرة على سحق كلّ إمكانيّة للنموّ. لكنّ المفارقة تظهر مع "أزهار" أنبتها الألم؛ فالألم لا يتحوّل إلى انكسار بل إلى طاقة منتجة للمعنى. بهذا التوتّر بين المحو والإنبات تُصاغ سرديّة للذات المتألمة التي تستعيد عبر المحبوب ما فقدته سابقًا. ومن هنا تتجلّى "جدليّة الهويّة": الذات لا تُعرَّف بوضع ثابت، بل بالقدرة المستمرّة على خلق المعنى من هشاشتها. وهذا الوعي هو ما يجعل الضوء رمزًا لعودة الغائب الداخليّ واستعادة توازن العلاقة بين الذات وعالمها.
ويتضح هذا البناء الرمزيّ في قوله: " بعثتْ عيناك صدى فكري - وروت أزهاري بالعطر". فالعينان لا تُحييان الشاعر فحسب، بل تُعيدان تشكيل صدى فكره، أي علاقته بذاته من خلال استعادة انعكاس وجوديّ باهت. كما أنّ فعل "الريّ" في "روت أزهاري" يعيد إنتاج صورة الانبعاث من جديد، لكن بوساطة العطر لا الماء، مما يمنح المشهد أبعادًا جماليّة وروحيّة تعمّق العلاقة بين الجسد والروح، بين الطبيعة والذاكرة، وبين الكتابة والإلهام.
بهذا الامتداد، يصبح الضوء في القصيدة ليس مجرّد حدث بصريّ، بل مبدأً بنيويًا يوجّه حركة المعنى ويستدرج الذات الشاعرة نحو إعادة اكتشاف نفسها. فكلّ صورة في النصّ تتكئ على هذا النور الذي يشعّ من عيني المخاطبة، لتعيد وصل ما انقطع في الذاكرة الداخليّة. ومع تكرار الإحالات إلى الأزهار والعطر والنمو، يتشكّل ما يشبه البنية الدائريّة التي تبدأ من السطوع وتنتهي إليه، فتجعل من الضوء مركزًا تتجمع حوله التجربة بكامل توتراتها.
إنّ القول: "غسلتْ شرحتْ زهرَ روحي" يسمح بتلمّس اكتمال النسق الرمزيّ، فالغسل فعل تطهير وإزالة آثار العطب، والشرح فعل تفكيك وكشف. وبذلك تتجاوز القصيدة حالة العشق التقليديّ، لتتحوّل إلى محاولة لتفسير الذات عبر الآخر، حيث تصبح المخاطبة مرآة تكشف خبايا الروح، لا بوصفها موضوعًا للغواية، بل بوصفها "ضوء تأويل" يكشف للشاعر ما كان خافيًا. فالعلاقة هنا ليست علاقة تبعيّة، بل علاقة تشاركية؛ ينكشف فيها المعنى من خلال جدليّة الحضور الأنثويّ والبحث الذاتيّ عن توازن جديد.
وفي هذا السياق، تتراهن القصيدة على التوتّر بين العدم والوجود، بين الألم وتحولاته، وبين الغياب الذي تُهدِّد به رحى العدم، والحضور الذي يفرضه سطوع العينين. فالفعل الشعريّ ينشأ في المسافة بين هذين القطبين، وهذا يمنح النصّ بعدًا وجوديًا، إذ تتحرّك الذات داخل جغرافيا حسّيّة وروحيّة في آن، باحثة عن خلاص لا يتحقق إلا عبر التجدّد الداخليّ. فكما تقاوم الجماعة المحو عبر صوغ هويتها من جديد، يقاوم الشاعر العدم عبر إعادة كتابة ذاته، وعبر استثمار الضوء بوصفه رمزًا لعودة الوعي وارتفاع الصوت.
يتضح أنّ النصّ لا يكتفي بإعادة تشكيل الذات الفرديّة، بل يذهب إلى مستوى الهويّة الجمعيّة، حيث يصبح الحبّ قوّة مقاومة تعكس قدرة الروح على الصمود أمام الانكسار والظلم. فالقصيدة تمثل مساحة رمزيّة تتلاقى فيها التجربة الشخصيّة مع التحديات الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، إذ يشير الشاعر إلى واقع مضطرب بالقول: “من ظلمة عصر مضطر- بعصر للذلّ بلا غضب"، فيربط بين الظلمة الخارجيّة والاضطراب الداخليّ للذات، ويجعل من ضوء العيون وسيلة للارتقاء فوق تلك الأجواء الملبدة بالخذلان والانكسار.
ويعزّز الشاعر هذه الرؤية حين يربط ذاته بالقدس، قائلاً: “فالقدس وروحي سيّان" هنا تتخذ الهويّة العربيّة بعدًا روحيًا متقدًّا، والربط بين المكان والذات يصبح مؤشرًا على وحدة الانتماء والمصير. فالضوء الذي ينبعث من العيون لا يحفظ الذات فحسب، بل يحفظ أيضًا ما يربطها بالهويّة الجمعيّة، فيتحوّل الحبّ إلى فعل تحرّريّ قادر على مواجهة الانحدار الاجتماعيّ والسياسيّ.
ويستكمل النصّ هذه الجدليّة في ختام القصيدة، حين يعلن المتكلّم أنّ مصدر إلهامه هو الحبيبة نفسها: “إلهامي أنت لذا روحي ما يومًا هانت أو ذلّت" فالمخاطبة ليست مجرّد موضوع للحبّ والغزل، بل صيرورة فاعلة تؤكّد قدرة الإنسان على الحفاظ على كرامته وإرادته وسط الظروف القاسية. وبذلك تتحوّل العلاقة بين الحبّ والهويّة إلى وحدة متكاملة، تتداخل فيها المشاعر بالوعي، والانفعال بالفكر، لتنتج رؤية شعريّة متماسكة تربط الفرد بالأمّة، والجمال بالوجود، والنور بالهويّة.
في نهاية المطاف، تبرهن قصيدة سطعت على أنّ الشعر قادر على الجمع بين الحميميّ والجامعيّ، بين العاطفيّ والسياسيّ، بين الفرديّ والجماعيّ. فالضوء في النصّ ليس مجرّد استعارة، بل فعل وجوديّ، والهويّة ليست مجرّد مفهوم، بل تجربة حيّة تتفاعل مع كلّ ما يحيط بالذات. وهكذا يصبح الحبّ في القصيدة قوّة محركة للوعي، ووسيلة لمقاومة العدم والانكسار، وطريقة لإعادة صياغة الذات والهويّة معًا، في خطاب شعريّ يجمع بين الإحساس العميق بالذات والتأمل النقديّ للواقع، ليؤكّد قدرة الشعر على إنتاج معنى يتجاوز حدود التجربة الفرديّة ويصل إلى قلب القضيّة الكبرى التي يعيشها الإنسان العربيّ.
الطيرة – 24.11.2025



#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غياب المشروع الثقافي الجامع لدى اتحادات الكتّاب العرب في إسر ...
- حين يعود المكان قلبًا آخر: قراءة نقدية في قصة -وحلوة يا بلدي ...
- البحث عن المعنى في مرايا الوجود: قراءة نقديّة موسّعة في قصيد ...
- الإنسان بين الصورة والغياب في قصّة -الواتسآب في خدمة المتقاع ...
- قراءة في قصّة -الأستاذ وحصّة النهايات- للكاتب جمال أسدي
- سخرية الموت واللغة في قصَّة -الجنازة- للأديب الفلسطينيّ محمد ...
- قراءة نقديّة في قصيدة -أكل الولد التفاحة- للشاعر تركي عامر
- الذكاء الاصطناعيّ بين الرفض والقبول
- جماليّات اللهجة العاميّة في القصّة الفلسطينيّة المعاصرة: بين ...
- النقد في غرفة الإنعاش: أزمة العلاقات الاجتماعيّة تقتل الجدلي ...
- بين الصّمت والمقاومة: قراءة في رواية -لتكن مشيئتك-
- فاضل جمال علي: شاعر الطفولة وصوت الهويّة الفلسطينيّة في أدب ...
- مِنَ الصَّوْتِ إِلى الصَّمْتِ إِسْتِرَاتِيجِيَّاتُ التَّعْبِ ...
- المعلِّمُ العربيُّ: من مصدرٍ للمعلوماتِ إلى مُوَجِّهٍ للمعرف ...
- جمال عبد الناصر القائد الذي سكن قلوب العرب
- محمد علي طه: عميد القصّة الفلسطينيّة بين التجربة الإنسانيّة ...
- الأطلال في الأدب الحديث: سرديّات الذاكرة والغياب
- أدونيس ورؤاه في ثقافة الفرد والحاكم العربي: جدلية المصلحة وا ...
- الأدباء بين التهميش والانتشار
- أثر الكتابة الرقمية ووسائط التواصل الاجتماعي على الأجناس الأ ...


المزيد.....




- روبيو يكشف عن رد فعل ترامب على تطور المحادثات بشأن خطته للسل ...
- رحالة بريطانية تخوض مغامرة مثيرة بأحد أجمل أودية عُمان
- ممداني يتحدث لـCNN عن أهم ما دار بينه وترامب في اجتماع المكت ...
- سيناتور يمينية متطرفة ترتدي البرقع بمجلس الشيوخ الأسترالي وت ...
- الكاتب بوعلام صنصال يدلي بأول تصريح إعلامي له منذ خروجه من ا ...
- -ويكد: الجزء الثاني- يكتسح شباك التذاكر الأميركي ويحصد 150 م ...
- تصاعد الخطف يدفع نيجيريا لتجنيد 30 ألف شرطي
- صحف عالمية: هجرة جماعية لنخب إسرائيل وجيشها يبدأ محاسبة قادت ...
- حساسية العين للإبهار.. علام تدل؟
- هكذا يتم صناعة الذعرِ في فرنسا


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أحمد كامل ناصر - قصيدة -سطعتْ- للشاعر أسامة مصاروة: جدليّة الضوء والهويّة في خطاب الحبّ والقضيّة