أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صالح مهدي محمد - السفر إلى المستقبل… عبر تطبيقات الهاتف














المزيد.....

السفر إلى المستقبل… عبر تطبيقات الهاتف


صالح مهدي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 19:09
المحور: كتابات ساخرة
    


في زمن أصبح فيه الهاتف الذكي أقرب إلى عضلة في يدنا من مجرد أداة، لم نعد نسافر بالطائرات ولا نستكشف المدن ولا نتعرف على الناس… بل نسافر عبر الزمن، داخل شاشة صغيرة لا يتجاوز طولها بضع سنتيمترات. نعم، لقد وصلنا إلى المستقبل، لكنه مستقبل مشوش، يسكنه نقرات الأصابع وإشعارات غير متناهية!

تخيل أنك تستيقظ في الصباح، قبل حتى أن تفتح عينيك على العالم الحقيقي، فتبدأ رحلتك اليومية إلى المستقبل: أول محطة هي تطبيق الطقس. هنا يكتشف المرء أن السماء “غائمة جزئيًا مع فرصة سقوط أمطار رعدية في بعض المناطق التي لا يعيش فيها”. بالطبع، لا يهم إذا كانت منطقتك مشمسة تمامًا، فالمستقبل، كما تقول التطبيقات، غامض ومربك.

ثم تأتي محطة الحجوزات الرقمية. لم يعد الحجز في المطاعم أو الفنادق مغامرة، بل مجرد نقرات متتالية: اختر التواريخ، ادفع، استلم الإيصال. كل شيء صار سريعًا، سلسًا، وباردًا. أما السفر الحقيقي، فقد أصبح شبيهًا بمغامرة نقرات، وليس رحلة بالطائرة، بل رحلة عبر البطاقات البنكية الإلكترونية. وها أنت تجلس في “مستقبلك” المحجوز عبر تطبيق، تشعر بالغرابة لأنك لم تتحرك من مكانك، لكنك بالفعل في موعدك.

ثم تأتي اجتماعات العمل الافتراضية، وهي رحلة أخرى إلى المستقبل. الزملاء يطلون من شاشاتهم، وجوه مبتسمة، لكن أحيانًا تتوقف الابتسامة عند الانقطاع المفاجئ للإنترنت، فيصبح الجميع وجوهًا مربعة متقطعة، كأنك تشاهد فيلمًا قديمًا عن المستقبل البعيد. النقاشات لا تنتهي، لكن صوتك في المستقبل يبدو مختصرًا بين جملتين: “مفهوم” و”تمام”. المستقبل هنا ليس مكانًا، بل مكبس ضغوط افتراضي.

أما العلاقات الإنسانية؟ فلا تقل غرابة. لم نعد نلتقي، بل نتبادل الرموز التعبيرية، ونعلق على الصور، ونرسل “ستوري” لنثبت أننا ما زلنا موجودين في هذا العالم الواقعي الذي لم نره منذ سنوات. الحب في المستقبل يبدو وكأنه سلسلة من الإشعارات المشوشة: قلب هنا، رسالة هناك، رد متأخر… وكل ذلك يحدث بينما نرصد نظراتنا على شاشة صغيرة كأنها بوابة نحو كوكب آخر.

حتى التسوق أصبح رحلة مستقبلية. تفتح تطبيق التسوق، وتختار ما تريد، وتدفع بلمسة إصبع، ويأتيك الطلب بعد أيام، لتعيش تجربة مفاجأة غير مؤكدة: هل المنتج سيصل، أم أن المستقبل قرر أن يلعب لعبة الانتظار؟ وما أن تصل الحزمة إلى بابك، حتى تشعر وكأنك اكتشفت كنزًا في عالم افتراضي، رغم أنك لم تتحرك خطوة واحدة.

وفي نهاية اليوم، تجلس على أريكته، الهاتف بين يديك، تشعر وكأنك مستكشف فضائي يعود إلى مركبته بعد مغامرة طويلة عبر الكواكب الصغيرة، كل كوكب يمثل تطبيقًا جديدًا، وكل نقر على الشاشة يفتح بابًا إلى مستقبل مجهول. أنت الآن تعرف كل شيء عن الطقس، السفر، الاجتماعات، العلاقات، وحتى الطعام، لكنك لا تعرف شيئًا عن الحياة الواقعية خارج تلك الشاشة الصغيرة. المستقبل هنا… لكنه معلق بين يديك، مزخرف بالإشعارات والرموز التعبيرية، ينتظر منك مغامرة جديدة في صباح اليوم التالي.

باختصار، نحن جميعًا اليوم سفراء المستقبل، مسافرون عبر التطبيقات، مغامرون في عالم رقمي صغير، لا نرى الشمس إلا من خلف زجاج الشاشة، ولا نلمس الأصدقاء إلا بضغطات أصابع. إنه مستقبل عجيب، مليء بالراحة، لكنها راحة من نوع آخر: راحة تجعلنا نضحك أحيانًا، ونبكي أحيانًا، ونشعر أحيانًا أننا حقًا… نسافر عبر الزمن، لكن في مكان واحد، على أيدي هواتفنا الصغيرة.



#صالح_مهدي_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوس المبالغة… حين يتحوّل كل شيء إلى حدث تاريخي
- النجاح صفة من يقود الحياة
- الوعي الصفة الأكثر قوة في الشخصية
- ثقافة الاختلاف والتعدد : هل يمكن للثقافة أن تزدهر دون تنوع؟
- كانت أحلاما
- دور القراءة في الوعي
- الراتب ومحاولة الاقتصاد في الصرف
- يوم منظم... أو هكذا نعتقد!
- القراءة... سؤال الوعي في زمن السرعة
- رجل المعرفة… أو هكذا يظن!
- التاريخ يعيد نفسه
- قصة قصيرة : حارس النسيان
- اللمسة الأولى
- بين الإنسانية والسياسة وحدها تظهر ملامح الاستكبار
- قصة قصيرة : دكّان الضوء
- قصة قصيرة : العائدون من الغياب
- مقال بعنوان : لغة الإعلام السياسي وتوصيفات الخطاب
- الإدراك والفهم السياسي المجتمعي بين الوعي والممارسة
- قصة قصيرة وجوه الذاكرة
- نص : أماكن للتنزه


المزيد.....




- تونس.. كنيسة -صقلية الصغيرة- تمزج الدين والحنين والهجرة
- مصطفى محمد غريب: تجليات الحلم في الملامة
- سكان غزة يسابقون الزمن للحفاظ على تراثهم الثقافي بعد الدمار ...
- مهرجان الكويت المسرحي يحتفل بيوبيله الفضي
- معرض العراق الدولي للكتاب يحتفي بالنساء في دورته السادسة
- أرشفة غزة في الحاضر: توثيق مشهد وهو يختفي
- الفنان التركي آيتاش دوغان يبهر الجمهور التونسي بمعزوفات ساحر ...
- جودي فوستر: السينما العربية غائبة في أمريكا
- -غزال- العراقي يحصد الجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير ال ...
- الممثل التركي بوراك أوزجيفيت يُنتخب -ملكًا- من معجبيه في روس ...


المزيد.....

- لو كانت الكرافات حمراء / د. خالد زغريت
- سهرة على كأس متة مع المهاتما غاندي وعنزته / د. خالد زغريت
- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صالح مهدي محمد - السفر إلى المستقبل… عبر تطبيقات الهاتف